الطبيعة والعلوم البيئية > ورقو الأخضر شهر أيلول

ورقو الأخضر شهر أيلول 2019

مثَّلت النار رمزًا متعدد المدلولات والإيحاءات في الوعي البشري منذ عهود اكتشاف كيفية إشعالها، ويكاد لا يخلو أدب أمّة أو شعب أو قبيلة صغيرة من حكايات وأساطير عن ذاك اليوم الفريد الذي استطاعت به كل مجموعة بشرية أن تقتنص السر الكبير في طريقة إشعالها والحفاظ عليها متّقدة ما أمكن..

ويمكن للقارئ أن يلمح في ثنايا هذه المرويات الخوف البشري من حرائق الغابات المستعرة والحيرة والعجز أمام تمددها حتى غدت من أعلى أشكال العذاب في كل من الممارسات والتخيّلات البشرية وضربًا من ضروب غضب السماء على الكائنات، ويلمح القارئ أيضًا الفرح البشري بالحصول على النار واستعمالها للطهو والتدفئة والطقوس السحرية، وللإنارة ليلًا كي يتمكن الناس من الرقص حولها دون أن يزعجهم حر النهار.. فاستعمال النار لدى البشر هي حالة انتقال من النيء إلى المطبوخ.. ومن الشعور بالبرد إلى الشعور بالدفء.. ومن الليالي المعتمة إلى الليالي المضاءة..  

لكنَّ صورة النار بجانبها المأساوي تتصدّر المشهد اليوم في بلادنا المشرقية، من نيران الحروب الشرسة التي تلتهم الحب والتسامح والأحلام والفرح، إلى نيران الغابات التي تبتلع ابتسامات الأشجار وتمايس النباتات والورود ومرح الكائنات المختلفة وتذيب ألوان الحياة كلها في لون أسود قاتم يعروه السكوت المغطّى بالدخان والرماد.. ليزيد مساحة اعتداء الحزن والألم على حياتنا.. 

في العام الماضي كانت غابات الأمازون تحترق.. وكنا نشهد حرائق في غاباتنا كما يحدث في كل عام.. وانطلاقًا من شعورنا الدائم بالمسؤولية الأخلاقية والاجتماعية تجاه أهمية الغطاء النباتي أطلقنا حملة توعوية استمرت طيلة شهر أيلول (سبتمبر) 2019 تحت عنوان: "ورقو الأخضر شهر أيلول" رغبة منا في تغيير المشهد المؤلم قليلًا وفي توحيد كل الجهود لزيادة مساحة اللون الأخضر في ربوع بلادنا انطلاقًا من شرفات منازلكم  العزيزة وحدائقها إلى كل أرض صالحة للتشجير والزراعة.. لكنَّ ما حدث في شهر أيلول (سبتمبر) 2020 من حرائق مدمّرة على مساحة جغرافية كبيرة في سورية كان مخيَّبًا ومؤلمًا.. ولا نبالغ إن قلنا أنّه كسرنا وهزَّ وجداننا وجعلنا نشعر بأنَّ مهمتنا غدت أصعب وأعقد أوّل وهلة لكنّه ما لبث أن زادنا إصرارًا على زيادة الجهد وتكثيف العمل وتأكيد الاستمرار بما بدأناه..  

في حملة "ورقو الأخضر شهر أيلول" أعددنا (104) عملٍ تنوّعت بين المقالات والألبومات والمعلومات العلمية والفنية والتوعوية والكوميكس والأسئلة التفاعلية والفيديو، وشارك فيها (14) قسمًا علميًّا وفنيًّا؛ ووصلت أعمالنا البيئية الخاصة بالحملة إلى ما يزيد على (8) ملايين متابع على صفحة الفيسبوك، وقرابة (3) ملايين متابع على إنستاغرام.

وقد شارك بعض أعضاء منظمة الباحثون في السوريون في عدّة حملات تشجير متزامنة ولاحقة في مدينتي اللاذقية وجبلة وريف اللاذقية، ثم شاركوا في حملات نظافة في دمشق واللاذقية وطرطوس، واليوم نحن نكمل ما بدأناه ونعيد التذكير بأهمية الغطاء النباتي وسوف نحاول أن نزيد من مساحة عملنا في الشهور القادمة.. لذلك فإننا سنعيد نشر بعض المقالات المفيدة ونعرض جانبًا من الأعمال التي أنجزناها في خلال عام.. وكلنا ثقة بمتابعينا الأعزاء الذين دعمونا باهتمام فاق توقعاتنا ومحبّةٍ غمرت قلوبنا وكان تفاعلهم مع الحملة بنّاءً ومثمرًا ومبشّرًا بالأفضل.. 

ولا بدَّ من أن نلفت النظر إلى أّن بعض المتابعين والأصدقاء كثيرًا ما يتسرعون بالحكم على جدوى أعمال كهذه، ويتغافلون عن طبيعة عملنا التي تسعى إلى تغطية كل التفاصيل العلمية والثقافية والاجتماعية التي ترتقي بالعقل الإنساني والوعي الجمعي، فلقمة العيش لا تختلف في أهميتها عن هواء التنفس، وحضور الأثر الجمالي الطاغي للغطاء النباتي في الأعين والنفوس لا يغيّب أبدًا الأثر الاقتصادي المهم له.. لذلك فإنَّ كل فعل بنّاء في أي قطاع من قطاعات الحياة الإنسانية هو خطوة مهمة نحو التغيير الجذري للواقع وتضييق الخناق على مشهد الحريق المأساوي بتجلياته كافة حتى نستطيع محوه كليًّا..

لمتابعة مقالات الحملة يمكنكم تتبع الرابط الآتي:

هنا