الطب > مقالات طبية

تغيرات ما بعد الموت

إن التغييرات التي تحدث للجسم بعد الموت نتيجة العمليات الفيزيائية والكيميائية والبيئية المعقدة تتأثر بعوامل داخل الجثة وخارجها، هذه العوامل إما أن تسرع من معدل تغيرات ما بعد الوفاة أو تؤخرها. 

هناك عوامل تساعد في حدوث التغيرات بسرعة كالمناخ الحار والرطب وكتلة دهون الجسم (الجثة البدينة) وكذلك الإصابات المفتوحة في الجسم وتجرثم الدم والعدوى وموقع وضع الجثة في العراء (1).

✨ من الضروري فهم مظهر وتطور تغيرات ما بعد الوفاة لتقدير وقت وسبب الوفاة، فكلما عُثر على الجثة في وقت أبكر، كان التقدير أكثر دقة، ولا ينبغي أن يستند تقدير الطبيب الشرعي على تغيير واحد بعد الوفاة فقط، إذ يجب النظر إلى جميع التغييرات على نحو مجمل عند إعطاء تقرير حالة الوفاة بالنظر إلى الزمن والسبب (2). 

تصنيف التغييرات بعد الوفاة:

بناءً على ترتيب ظهورها، تُصنَّف تغييرات ما بعد الوفاة إلى تغييرات فورية وتغييرات مبكرة وتغييرات متأخرة.

⁦☝️⁩ التغييرات الفورية:

تتعلق "التغييرات الفورية بعد الوفاة" بتوقف وظائف الجسم الحيوية، بما في ذلك الجهاز التنفسي والدورة الدموية والجهاز العصبي، هذه التغييرات على وجه التحديد "مؤشرات الوفاة"، أي يحدث الموت عندما تتوقف الوظائف الحيوية للجسم على نحوٍ غير عكوس (2).

✨ يتوقف التنفس تمامًا بعد الموت مما يؤدي إلى فقدان حركات الجهاز التنفسي وأصوات التنفس، وتتوقف الدورة الدموية والنبض ويتأكد ذلك عن طريق تسطح مخطط القلب الكهربائي (ElectroCardioGraphy) (2).

✨ ويؤدي توقف وظائف الجهاز العصبي إلى فقدان الوظائف الحسية والحركية وردود الفعل ويصبح مخطط الدماغ الكهربائي مسطحًا أيضًا (Electroencephalography)

وتبدأ العضلات بالارتخاء مع فقدان التوتر العضلي (2).

⁦✌️⁩ التغيرات المبكرة بعد الوفاة:

تحدث التغيرات الباكرة خلال الأيام الأولى بعد الوفاة، وتشمل:

- انخفاضَ درجة حرارة الجثة.

- الصملَ الرمي.

- الزرقةَ الرمية (2).

انخفاض درجة حرارة الجثة:

يعود انخفاض درجة حرارة الجثة لتخامد الوظائف الحيوية والاستقلابية فتستمر الحرارة بالانخفاض تدريجيًّا (6)، ويتأثر ذلك بعوامل أخرى كدرجة الحرارة المحيطة، فكلما زاد الفرق بين درجة حرارة الجسم ودرجة الحرارة المحيطة، كان معدل التبريد أسرع (2). وسيفقد الجسم الحرارة أسرع في محيط جيد التهوية أو رطب، أما إذا كان الجسم يرتدي ملابس أو مواد عازلة أخرى، فإن معدل فقد الحرارة سيكون أبطأ (6).

الزرقة الرمية Livor mortis:

مع توقف القلب ينعدم الضغط الدموي داخل الأوعية، و يبدأ الدم بالانحدار إلى الأجزاء السفلية من الجثة (1,2)، وتجذب الجاذبية الدمَ إلى الأسفل  ليتجمع في الأوردة والشعيرات في الأماكن المنخفضة من الجثة (1,2)، مما يسبب تغيرَ لون الجلد من اللون الوردي إلى الأرجواني الداكن، ويبدأ ظهوره بعد حوالي ساعة من الوفاة، ويتشكل على نحوٍ واضح في 3 إلى 4 ساعات تقريبًا، ويتغير مكان هذه البقع الموتية في هذه المرحلة بتغيير وضعية الجثة وتحريكها (2)، أما في المرحلة التالية من تشكل الزرقة الرمية أي بعد يوم أو يومين تقريبًا لا يتغير مكان البقع الموتية عند نقلها أو تحريكها؛ بسبب انحلال الكريات الحمراء وارتشاح البلازما للأنسجة المجاورة (6).

الصمل الرمي:Rigor Mortis

هو تيبس عضلات الجثة بسبب استنفاد الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP) الذي يؤدي إلى الارتخاء العضلي، يحدث الصمل الرمي لجميع عضلات الجسم الإرادية وغير الإرادية بما في ذلك عضلة القلب. ومع ذلك، فإنه يظهر لأول مرة عامةً في العضلات الأصغر مثل عضلات الفك والأجفان لأن الـ(ATP) يستنفد منها أسرع مقارنةً بالعضلات الكبيرة، فيتضح لأول مرة في عضلات الوجه بعد ساعة إلى 4 ساعات من الوفاة (2)، وينتشر في باقي العضلات الكبيرة خلال 12 ساعة بعد الموت (5)، ثم يعود الجسم إلى حالة رخوة (1).

ويكون المعدل الذي ينتهي به الصمل الرمي سريعًا في بيئة حارة إذ يبدأ التعفن أبكر في مثل هذه البيئة كما سنرى لاحقًا، بالمقابل تطيل درجات الحرارة الباردة مدةَ الصمل (2).

👌 التغييرات المتأخرة بعد الوفاة:

التحلل الذاتي:

التحلل الذاتي هو عملية تخرب الخلايا والأنسجة (1)، تحدث بسبب تسرب الإنزيمات الخلوية المائية من الخلايا بعد الموت (2)، وتكون التغيرات ذاتية التحلل واضحة أكثر في البنكرياس والأعضاء الأخرى ذات التركيز العالي من الإنزيمات الخلوية مقارنةً بالبروستات والرحم اللذين يستغرقان مدة أطول للتحلل (2).

إن العلامة الخارجية الأولى للتحلل الذاتي هي المظهر الأبيض للقرنية (1)، وعملية التحلل الذاتي خالية من أي عمل جرثومي؛ لأنها تحدث بفعل الإنزيمات الخلوية على عكس التعفن الذي تؤدي الجراثيم الدورَ الأساسيَّ في حدوثه (4,6).

✨ عوامل تأخير التحلل:

1- حواجز طبيعية: 

فالجسم المدفون في التربة لا يتحلل بسرعةِ تحللِ الجسم المعرض للعوامل الخارجية.

وبطريقة مماثلة، جسم في صندوق مغلق سيتأخر في التحلل (4).

2- الحواجز الكيميائية:

صممت عملية التحنيط على نحوٍ خاص لمنع تحلل الجسم، وذلك بإخراج سوائل الجسم الطبيعية واستبدالها بالسوائل الحافظة المختلفة، كذلك وجود المبيدات الحشرية في الجثة أو بالقرب منها يساعد في تأخير ظهور نشاط الحشرات التي تغزو الجثة لفترة أطول من الزمن (4).

3- العوامل المناخية:

قد تؤدي درجة الحرارة عاملًا رئيسًا يؤخر التحلل. ففي درجات الحرارة المنخفضة يتأخر نمو البكتيريا ونشاط الحشرات، وعند درجات الحرارة تحت 6- يتوقف معظم نشاط الحشرات، ولكن قد تستأنف نشاطَها بمجرد ارتفاع درجات الحرارة. وقد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة جدًا إلى توقف نشاط الحشرات أيضًا. أما إذا كانت الجثة في بيئة جافة، يؤدي ذلك إلى تحنيط الجسم. كذلك الأمر بالنسبة للمطر فقد يكون بمنزلة حاجز مؤقت للحشرات (4).

التعفن:

يؤدي تسرب المحتويات الخلوية إلى نشوء بيئة مناسبة لتكاثر الميكروبات كالبكتيريا والفطريات الموجودة طبيعيًّا داخل الجسم (2) في الأنبوب الهضمي والمجاري التنفسية (1,6)، لتنمو وتتحلل الأنسجة المحيطة في غياب دفاعات الجسم (جهازالمناعة) (1).

ويبدأ التعفن (التفسخ) بتغير لون الجلد وانتفاخ أجزاء الجسم كالوجه والبطن والثدي وكيس الصفن (2). وينتج عن ذلك غازات التعفن وسوائله (2,6).

✨ أول علامة خارجية على التعفن هي اللون الأخضر لجلد جدار البطن الأمامي الذي يظهر بعد ما يقارب 18 ساعة من الوفاة (2)، إذ تبدأ عملية التفسخ في الأمعاء بسبب أعداد الجراثيم الكبيرة فيها (2,6)، وسهولة انتقال الجراثيم من لمعة الأمعاء إلى جدارها ثم إلى جدار البطن. 

يتأخر التعفن غالبًا في المناخات الباردة بعد يومين إلى 3 أيام من الوفاة؛ إذ تؤثر درجة الحرارة المحيطة في سرعة ظهور التعفن وتطوره (2).

وتولد البكتيريا غاز كبريتيد الهيدروجين الناتج عن تفسخ البروتين، فيرتبط كبريتيد الهيدروجين مع الهيموغلوبين ويشكل سلفا هيموغلوبين الذي يصبغ المنطقة المحيطة باللون الأخضر (1).

ومع زيادة نشاط البكتيريا، ترتفع كمية الغازات المتعفنة المنتَجة (3). وتسبب هذه الغازات انتفاخَ البطن وتورم الوجه والأعضاء التناسلية الخارجية، وبسبب ارتفاع ضغط الغازات التي ترفع الحجاب الحاجز تخرج محتويات المجاري التنفسية والمعدة من فوهتي الأنف والفم (1,3)، وتحدث هذه التغييرات في غضون 18 إلى 36 ساعة بعد الوفاة.

✨ وفي نهاية 24 أو 48 ساعة، يمكن رؤية الديدان بالقرب من الفتحات الخارجية والجروح المفتوحة، وتتحول هذه الديدان إلى حشرات بعد 6 إلى 8 أيام ويمكن استخدامها لتقدير الزمن المنقضي على الوفاة (1). 

الشروط التي تؤثر في معدل التعفن:

تتراوح درجة الحرارة المحيطة المثلى للتعفن بين 25 و38 درجة مئوية، ومعدل التعفن في الصيف ضعفُ معدل التعفن في الشتاء، ومعدل التعفن أسرع في بيئة رطبة مقارنةً ببيئة جافة، ويكون التعفن أسرع في حالة وجود عديد من الإصابات المفتوحة الخارجية؛ لأن الكائنات الحية الدقيقة تدخل على نحو أسهل إلى الجسم، وكلما زادت نسبة الدهون زادت سرعة التعفن بسبب زيادة كمية السوائل واحتباس الحرارة فيها (1).

تشكيل الأديبوسير(التصبُّن):

التصبن عبارة عن مقاومة الكتلة الشحمية عمليةَ التعفن، التي تتضمن التحللَ المائي للأنسجة الدهنية وتحولَها إلى مادة شمعية صفراء، ويتشكل الأديبوسير في المناطق الدهنية كالخدين والذقن والإليتين وثديي المرأة والبطن والأرداف، ويتطلب تكوين الأديبوسير تحللَ الجسم في بيئة دافئة ورطبة، فالماء شرطٌ أساسي للتحلل المائي للدهون (حلمهة الدهون) (1).

التحنيط:

هو مقاومة عملية التعفن بسبب فقد ماء الجثة، فيحدث تجفاف في أنسجة الجثة، ويصبح جلد المتوفى بنيًّا وصلبًا ومشدودًا، وله مظهر ممتد على البروزات مثل العظام الوجنية والفك السفلي، وفي حالة تحنط الجثة يُحافَظ على ملامح الوجه ومكان الإصابات في حال وجودها قبل الوفاة، كما في التصبُّن، ويتطلب التحنيط بيئةً جافة وتيارًا هوائيًّا دافئًا.

يحتاج الجسم وقتًا أطول للتحنيط مقارنةً بالتصبن (1).

المصادر:

1. Shedge R, Krishan K, Warrier V, et al. Postmortem Changes. [Updated 2020 Jul 27]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing. Available from: هنا

2. Almulhim A, Menezes R. Evaluation of Postmortem Changes. [Updated 2020 May 9]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing. Available from: هنا

3. Okumura, M., Usumoto, Y., Tsuji, A., Kudo, K., & Ikeda, N. (2017). Analysis of postmortem changes in internal organs and gases using computed tomography data. Legal medicine. Available from: هنا

4. Lee Goff M. (2009). Early post-mortem changes and stages of decomposition in exposed cadavers. Experimental & applied acarology. Available from: هنا

5. P. Lunetta. (2016). Autopsy Findings: Drowning and Submersion deaths.Encyclopedia of Forensic and Legal Medicine (Second Edition). Available from:هنا;

6. Madea B, Henssge C, Reibe S, Tsokos M, Kern-wighton G. (2014). Postmortem Changes and Time Since Death. Handbook of Forensic Medicine. Available from: هنا