البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

هل يؤثر الــmicroRNA الذي نأكله في التعبير الجيني؟

يأخذ الجسم من الغذاء البروتينات والسكريات والفيتامينات بعد تفكيكه وهضمه، ولكن؛ ماذا عن الحموض النووية الموجودة في غذائنا؟ هل بإمكانها الهرب من جهازنا الهضمي والتأثير في جيناتنا؟ هل جيناتنا غير محصنة تمامًا ممَّا نأكله فعلًا؟ سنرى في هذا المقال ما توصَّل إليه العلماء فيما يتعلق بهذا السؤال وما الآفاق التي يطرحها..

أثار اكتشاف وجود جزيئات MicroRNAs نباتية في مصل الإنسان والحيوانات وبلازماهم تساؤلًا لدى العلماء عن مصدر هذه الجزيئات وكيفية ثباتها في الدوران الدموي، ودفعَ عديدًا من الباحثين إلى تقصِّي التأثيرات المُحتملة لها في التعبير الجيني.

تُعرَّف جزيئات الــMicroRNAs -اختصارًا miRNAs- على أنَّها جزيئات تابعة لعائلة الحموض النووية؛ فهي حموض ريبية RNA بطول 19-24 أساسًا آزوتيًّا وغير مُرمِّزة Non-coding. وتؤدي هذه الجزيئات دورًا مهمًّا في مرحلة ما بعد انتساخ الــDNA، وذلك بإسكاتها الــRNA المُنتسخ، ومنع التعبير عمَّا يقدر بـ30٪ من الجينات المرمِّزة للبروتينات لدى الثدييات عند ارتباطها بالمواقع غير المترجمة (UTRs) من الجينات الهدف. وأُثبت تأثير الــmiRNAs في عديدٍ من العمليات البيولوجية المهمة بما في ذلك التمايز الخلوي والتموُّت الخلوي المُبرمج والاستجابة المناعية. (1, 2)

ولهذه النباتات كما للثديات جزيئات الــmiRNAs، ولكن؛ هل تستطيع جزيئات الــmiRNAs الخاصة بالنباتات التي نتناولها الوصولَ إلى جيناتنا والتأثير فيها؟

حاول فريقٌ من الباحثين من جامعة Nanjing في الصين الإجابة عن هذا السؤال في دراسةٍ نُشِرت في مجلة Cell Research (2) أفاد فيها الباحثون أنَّ الــmiRNAs الناشئة من نباتات مثل الأرز، عُثِر عليها في مجرى الدم لدى كلًّ من الفئران والأبقار والبشر. 

وقد بدا لدى الفئران المدروسة أنَّ الــmiRNAs المشتق من الأرز وصل إلى الكبد؛ فمنع التعبير عن الجين الذي يعمل عادةً على إزالة الكوليسترول "الضار" منخفض الكثافة LDL من الدم مباشرةً.

ولكنَّ باحثين آخرين لم يتمكَّنوا من تكرار نتائج هذه الدراسة؛ ممَّا دفعهم إلى التركيز على الــmiRNA الموجود في الحليب على نحو أكبر من الأرز.

 جزيئات miRNAs معبأة ضمن أغلفة

أليس لدى جهازنا الهضمي القدرة على تفكيك الحموض النووية؟ بالطبع لديه؛ لذلك لا بدَّ من وسيلة أخرى تستطيع بها جزيئات الــmiRNAs الهرب من الجهاز الهضمي والوصول إلى مختلف أنحاء الجسم.

 فحدد الباحثون النواقل المحتملة للــmiRNAs وهي ما يُدعى بالحويصلات الدقيقة (MVs) Microvesicles، والتي تنشأ عن مُختلف أنواع الخلايا تقريبًا في ظل الظروف العادية والمرضية على حد سواء، وتحمل على سطحها الخارجي مستقبلات وربائط تابعة للخلايا المُنشئة لهذه الحويصلات؛ ممَّا يمنحها القدرة على التفاعل انتقائيًّا مع خلايا مُستهدفة محددة والتواسط في التواصل بين الخلايا عن طريق اللبيدات أو البروتينات أو جزيئات الــRNA المرسال (mRNA).

وتشمل هذه الحويصلات الإكسوزومات أو الحويصلات خارج الخلوية (Exosome)، والتي ذُكِرت في عديدٍ من الدراسات الحديثة على أنَّها نواقل لجزيئات الـmiRNAs (2).

ماذا عن بكتيريا الأمعاء؟

تختلف تركيبة البكتيريا المعوية (microbiomes) من شخصٍ إلى آخر، ويُعزى جزءٌ كبير من هذا الاختلاف إلى تنوع نمط التغذية بين الأفراد.

وقد أظهرت الأبحاث الموسعة أنَّ النظام الغذائي يُعدِّل تكوين الجراثيم المعوية ووظيفتها لدى البشر والثدييات الأخرى (3). ولكن؛ هل لجزيئات الــmiRNAs في غذائنا الذي نتناوله دورٌ في هذا التأثير؟ 

تحرَّى فريقٌ من الباحثين من جامعة لويزفيل بولاية كنتاكي الأمريكية عام 2018 عن هذا السؤال وذلك بدراسة تأثير الأغذية النباتيّة مثل الزنجبيل في تركيبة البكتيريا المعوية لدى فئران التجربة والبشر (4). 

وكشفت الدراسة عن وجود جزيئات نانوية شبيهة بالإكسوزومات (exosome-like nanoparticles)، حاوية على miRNAs من نبات الزنجبيل في الأمعاء وتأثيرها في تركيبة البكتيريا المعوية، فقد أظهرت هذه الجزيئات تأثيرّا واقيًا في الفئران من التهاب القولون.

واقترحت دراسات أخرى أنَّ البكتيريا المعوية قد تكون الوسيط بين الــmiRNA وخلايا الجسم المُضيف، بينما اقترحت دراسات أخرى أنَّ العامل المؤثر فعلًا في الــexosome قد يكون البروتينات الأخرى والليبيدات المتضمنة داخلها أو حتى غلافها ذاته؛ ممَّا يحتاج مزيدًا من الدراسات.

وتكمن أهمية هذه الدراسات في كونها خطوةً بديلة عن العلاج الجيني للأمراض الناجمة عن عدم توازن المكروبات المعوية وذلك بالإعطاء الفموي للإكسوزومات المحملة بــmiRNAs علاجية.

بالإضافة إلى أنَّها تفتح الأبواب لتصنيع جزيئات نانوية جديدة شبيهة بالإكسوزومات ومُشتقَّة من النباتات لاستخدامها بوصفها وسيلةً لتوصيل الأدوية إلى أنواع خلايا مُحددة في الجسم. (5)

المصادر: 

  1. He L, Hannon G. MicroRNAs: small RNAs with a big role in gene regulation. Nature Reviews Genetics. 2004;5(7):522-531. هنا
  2. Zhang L, Hou D, Chen X, Li D, Zhu L, Zhang Y et al. Exogenous plant MIR168a specifically targets mammalian LDLRAP1: evidence of cross-kingdom regulation by microRNA. Cell Research. 2011;22(1):107-126. هنا
  3. Maslowski K, Mackay C. Diet, gut microbiota and immune responses. Nature Immunology. 2010;12(1):5-9. هنا
  4. Teng Y, Ren Y, Sayed M, Hu X, Lei C, Kumar A et al. Plant-Derived Exosomal MicroRNAs Shape the Gut Microbiota. Cell Host & Microbe. 2018;24(5):637-652.e8. هنا
  5. Campbell K. Do the microRNAs we eat affect gene expression?. Nature [Internet]. 2020 [cited 25 June 2020];582(7812):S10-S11.  هنا