الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

التمييز الإيجابي Positive Discrimination

تظهر المطالبات الدائمة والمظاهرات المناهضة للتمييز يوميًّا، وتنتشر منشورات التوعية عن التمييز عمومًا، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي خصوصًا. 

وتُؤكِّد المناقشات الفلسفية والسياسية والقانونية عن التمييز في معظمها على أنَّه خاطئ أخلاقيًّا، وفي مجموعة واسعة من الحالات يجب حظره قانونيًّا (1)؛ إذ إنَّ ولادة أي شخص في أي مكان في العالم تعني امتلاكه حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي يقع على عاتق كل دولة الالتزام بضمانها لكل مواطن من مواطنيها، وإلى جانب حقوق الإنسان الأخرى جميعها، يكون لكل إنسان الحق في عدم التعرُّض إلى التمييز على أي أساس (4).

وقد منح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته السابعة واتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية مكانةً مهمة لعدم التمييز أيضاً بتأكيده على أنَّ "الجميع متساوون أمام القانون، ولهم الحق في الحماية المتساوية أمام القانون دون أي تمييز. ويحق للجميع الحصول على حماية متساوية ضد أي تمييز ينتهك هذا الإعلان وضد أي تحريض على هذا التمييز" (6).

ولكنَّ هناك نوعًا استثنائيًّا من التمييز يقوم على أسس التمييز الأساسي نفسها؛ مثل العمر أو الجنس أو العرق، ولكنَّ هذا النوع من التمييز لا يتعارض مع القانون دائمًا، ويُعدُّ أخلاقيًّا عند بعض الباحثين أيضًا(2)، ويُسمَّى هذا التمييز بالــ(التمييز الإيجابي) (Positive Discrimination) أو (Affirmative Actions).

والتمييز الإيجابي يعني قيادة السياسة الحكومية التي يُفضل فيها مباشرةً أو غير مباشرة أفراد بعض المجموعات العرقية أو القومية في التوظيف أو الالتحاق بالجامعات أو ما شابه. 

وفي البداية كان هناك ما يُبرر العمل الإيجابي بالحاجة إلى تعويض تلك الجماعات عن التمييز الذي تعرضوا إليه في الماضي (4). 

وتُستخدم هنا بعض التدابير الإيجابية أو التدابير الخاصة -التي تُعتمَد بوصفها استثناءً للقانون أو تعديلًا للتدابير الاعتيادية الموجَّهة إلى المعنيين عامةً- وتهدف التدابير الخاصة إلى تعزيز قدرٍ أكبر من المساواة بين المجموعات المختلفة عن طريق دعم مجموعاتٍ معينة من الأشخاص الذين يواجهون أو واجهوا في الماضي تمييزًا راسخًا؛ وذلك بهدف الحصول على فرصٍ مماثلة لتلك التي يحصل عليها الآخرون في المجتمع (2).

ولفهم الأسباب التي تدفع بالباحثين إلى المطالبة بتطبيق هذه السياسات، يجب معرفة بعض أهم الحجج والنظريات التي قامت عليها هذه المطالبات أولًا:

· الحاجة إلى مثلٍ أعلى:

يحتاج الجميع إلى مُثُل عليا يُحتذى بها، ومعرفة أنَّ الآخرين الذين يُشبهونهم يمكنهم النجاح يساعدهم في التعلُّم ويشجعهم على السعي إلى التميُّز عن طريق محاكاة "أبطالهم" أو "قدوتهم من بني جنسهم" الذين نجحوا من قبل (5).

· الحاجة إلى التعويض:

لقد تعرَّض السود إلى الظلم، وألحق البيض بهم أذى شديدًا؛ لذا تقترح هذه النظرية تعويض السود عن الإصابات التي لحقت بهم عن طريق التمييز الإيجابي في سياسات التوظيف، ومَنْح العقود والمِنَح الدراسية التفضيلية، ويعتقدون أنَّها طريقة مناسبة للتعويض عن أخطاء الماضي (5).

· التنوع الثقافي والعرقي:

للعيش في عالم تعددي بسلام، يجب الاختلاط بالثقافات والأعراق الأخرى قدر الإمكان؛ ولذلك يجب أن توجد مدارس متكاملة متنوعة وسياسات توظيفية تُشجِّع التنوع. 

والتنوع له قيمة إيجابية في عديدٍ من المواقف؛ أي يحتاج المجتمع المتنوع عرقيًّا -مثلًا- إلى شرطة متنوعة عرقيًّا إذا أرادت منظمة الشرطة كسب ثقة أعضاء المجتمع واحترامهم على اختلافهم، ولكي لا يشعر جزء من المجتمع بأنَّ طرفًا آخر مُسيطر عليه (5).

وأهم النقاط المُحددة لسياسات التمييز الإيجابي تتلخص فيما يلي:

· تُعوِّض سياسات التمييز الإيجابي عن التمييز السلبي الصريح والضمني، والذي تتعرض إليه فئة معينة منقوصة التمثيل في المجتمع.

· تعمل سياسات التمييز الإيجابي على إعادة توزيع الموارد والفرص من الفئات الميسورة نسبيًّا إلى الفئات الفقيرة نسبيًّا.

· تؤدي سياسات التمييز الإيجابي إلى أداء المؤسسات أو المنظمات أداءً أفضل؛ إذ يُساهم التنوع العرقي والجنسي بين الموظفين في المناصب الرئيسة -والناتج عن تمثيل أكبر للفئات الأقل تمثيلًا- في زيادة الكفاءة الإنتاجية.

· تعمل سياسات التمييز الإيجابي على دمج المجتمعات العرقية المنقوصة التمثيل في مجموعات النخبة في المجتمع، ومن ثمَّ تعزيز نظام ديمقراطي أكثر شرعيةً وحيوية (3).

إنَّ الفوائد الإجمالية لسياسات التمييز الإيجابي ترتبط على نحو كبير وإيجابي بأداء المستفيدين من هذه السياسات في المؤسسات والمنظمات التي يحصلون فيها على تفضيل أو تحفيز خاص (3).

ولفهمٍ أكبر لسياسات التمييز الإيجابي، يمكن طَرْح الأمثلة الآتية لبعض سياسات التمييز:

· مثال 1: محلٌ للحلاقة يُعطي خصمًا معينًا لكبار السن.

· مثال 2: نادٍ رياضي يُعطي دروسًا خاصةً للنساء فحسب بعد ملاحظة قلة مُشاركة النساء في رياضة معينة (2).

· مثال 3: طبيب يُخصص يومًا في الأسبوع لمعالجة الناس دون أجرٍ مُستهدِفًا فئةً من الناس غير قادرةٍ على تحمُّل تكاليف  العلاج.

ومع أنَّ هذه الأمثلة تبدو مجتمعية وبسيطة وتجارية التوجُّه أحيانًا، ولكنَّها أثبتت تأثيرها وفعاليتها في سبيل تحقيق نوعٍ من العدالة بين فئات المجتمع على اختلافها، وعليه يكون اعتماد الحكومة الجدِّي والفعال لتحويلها إلى سياساتٍ واسعة النطاق ومحددة الأهداف للوصول إلى نتائج أكثر عدلًا.

وعلى الرغم من أنَّ النظريات والطروحات التي قدَّمها الباحثون المُطالبون بتطبيق سياسات التمييز الإيجابي منطقية وبعض تأثيراتها الإيجابية مدعومًا بالأدلة البحثية، ولكن؛ لا بد من التنويه إلى أنَّ هناك فئةَّ لا يُستهان بها من الرافضين لهذه السياسات من المُختصين وغير المختصين. 

وقد قدَّم المُناهضون لهذه السياسات حججًا وأدلةً على طروحاتهم بما يكفي لعدِّ أنَّ الجدل بخصوص هذه السياسات لن ينتهي قريبًا، وأنَّ المعضلة قد تكون أكبر من أنْ تُعالج عن طريق بعض السياسات التفضيلية.

ولطرح معلومات أكثر عن هذا الموضوع، ترقبوا مقالنا عن الانتقادات الموجهة لسياسات التمييز الإيجابي.

المصادر:

1. Altman A. Discrimination [Internet]. Stanford Encyclopedia of Philosophy. Stanford University; 2011. (Introduction) Available from: هنا

2. Positive Discrimination: Australian Human Rights Commission [Internet]. The Australian Human Rights Commission. Available from: هنا

3. Weisskopf, T. (2006). Is Positive Discrimination a Good Way to Aid Disadvantaged Ethnic Communities? Economic and Political Weekly, 41(8), 717-726. P_1 Available from: هنا

4. Ristov I, Stanojoska A. Positive discrimination of the minority in the republic of Macedonia and the causing of direct discrimination of majority, resulting with forcing and producing of unprofessional and bad quality public administration [Internet]. ResearchGate. Cambridge University Press (CUP); 2014. P_2/P_4 Available from: هنا

5. Pojman L. The Case against Affirmative Action - Sacramento State [Internet]. Sacramento State; (A Critique of Arguments For Affirmative Action) Available from: هنا

6. Universal Declaration of Human Rights [Internet]. United Nations. United Nations; Available from: هنا