كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (أبي الذي أكره)؛ أيمكن أن نكره والدينا حقًّا؟

عماد رشاد عثمان مؤلفٌ مُختصٌّ في كتابات علم النفس، وهو طبيب بشري وباحث مُلتحق بدرجة ماجستير أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي في كلية الطب جامعة الإسكندرية منذ 2015، وقد صدر له كتابان هما (أحببت وغدًا) و(أبي الذي أكره)، وهو موضوع هذا المقال.

يتحدث الكتاب عن تعامل الوالدين مع الأبناء، وما ينتج عنه في شخصية الأبناء من تشوُّه كالخوف أو قلة ثقة في النفس أو تجنب التعامل مع الناس أو دراسة علم معين بناءً على رغبة الوالدين أو أحدهما؛ الذي يكون الأب غالبًا.

ولا يجعل الكتاب القارئ يتباكى على ماضيه ويصب اللعناتِ على الوالدين، لكن يقول إنَّ ما حدث قد حدث وانتهى، ولكنَّ الابن مسؤول عن تخلُّصه من أثر تلك الإساءات في نفسه، ولأنَّ التشخيص نصف العلاج، فإنَّ الكاتب يصف بدقة ما قد يشعر به الابن تجاه والديه وتجاه نفسه وما يختلط عليه من المشاعر، ويعرض خطوات لمحاولة التعافي من أثر تلك الإساءات.  

ويتحدث الكتاب عن: "المرض الذي قد يصيب الأبَ فيجعل منه وحشًا كاسرًا، أو الأم فيصنع منها تجسيدًا للأذى؛ نتحدث عن أولئك الذين أساؤوا أو أذوا ولم يستطيعوا أن يقدموا أبسطَ الاحتياجات؛ المحبة!"

ويرى الكاتب أنَّ الإنسان يُسجن في زنزانة يصنعها الآباء والأمهات والأعمام والخالات والمعلمون ورجال الدين والرموز المجتمعية باسم الحب والمصلحة، ومع تطاول الجلوس في تلك الزنزانة يألفها الإنسان ولا يخرج منها حتى ولو كان بابها مفتوحًا، فهو يخاف الخروجَ منها ويخاف المجهولَ خارجها، يقول مؤلِّف الكتاب: "حتى قرر أحدهم يومًا أن يتجرأ ويدفع البابَ قليلًا ليتفرج، ويدخل بصيصًا من نور التعافي، ثم تجاسر أكثر وخرج للممر هناك حيث زنازين الألم، ثم جازف أكثر وصاح في المحبوسين أن هناك نورًا خارج الأقفاص، وأن الحياة خارج السجن ممكنة ومكفولة وليست محرمةً عليهم!"

فهناك الأب الذي يصرخ دائمًا في وجه ابنه ويضربه بحزام كالسوط ظنًّا منه أنَّه يصنع بذلك رجلًا يُعتمَد عليه، ولكنَّ نتيجة ذلك قد تكون العكس تمامًا، فهو يصنع شخصًا خائفًا دائمًا من أقل شيء، ولكنَّه يغلِّف ذلك الخوف بقشرة رجولة ظاهرية، وهناك الأب الكئيب المُرهَق دائمًا والأم الحزينة دائمًا؛ اللذان لا يضحكان أبدًا، فينشأ الابن شاعرًا أنَّ هذا العالم كئيب ومتجهم، وأنَّه سيحط بثقله على الابن ما إن يبلغ الرشد ويواجه ذلك العالم، وغيرهم كثيرٌ من النماذج التي يعرضها الكتاب من الآباء وما يصبح عليه الأبناء نتيجة الحياة مع هؤلاء الآباء.

ويرى الكاتب أنَّ الإساءات التي يتعرض لها الأبناء كلها سواء أكانت جسدية أم نفسية، تحمل في تكوينهم الأعمق أربعة أبعاد هي:

1- جرح الهجر.

2- الخوف.

3- الخزي.

4- الاستياء.

يشرح الكتاب تلك الأبعاد الأربعة؛ فالمقصود من (جرح الهجر) أنَّ الإنسان عندما يتعرَّض إلى الإساءة من والديه يشعر وكأنَّه انتُزِع من تربة أمانه وبيئته الحاضنة، فيشعر بالغربة على الرغم من وجوده في منزله بين والديه؛ ممَّا ينتج عنه (الخوف) من كل شيء حتى التحدُّث أو ارتكاب الأخطاء البسيطة، وذلك الخوف ينتج عنه (خزي) الإنسان من نفسه وصورته الحقيقية فيشعر بـ(الاستياء) من المدح -مثلًا- وإن كان يستحقه؛ لأنَّه لا يرى نفسه أهلًا لذلك المدح أو الثناء على ما قدمه من خدمات أو تصرفات نبيلة.

 وتكمن أهمية الكتاب في محاولته إصلاحَ نفسيات البشر من الآباء والأبناء على السواء، فقد ننقذ أجيالًا قادمة من سلسلة الإساءات إن نجحنا في التعافي من إساءات والدينا، وقد يعيب الكتاب الإسهاب والشرح المُطوَّل لكل فكرة يناقشها، ولكنَّ هذا لا ينفي ضرورةَ قراءته، بل قد يدعمها أكثر.

 معلومات الكتاب: