الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

تأثير تغيير استخدامات الأراضي في النظم البيئية

يعدُّ استخدام الأراضي وتوظيفها من أكبر التغييرات البشرية التي أعادت تشكيلَ سطح الأرض، وهي التي أثَّرت كذلك في وظائف الكوكب البيئية؛ لذلك كان من الضرورة فهم نتائج تغيير استخدامات الأراضي لتخفيف عواقب تدخُّل البشر في البيئة.  من حيث التنمية المستدامة؛ يؤثِّر تغيير استخدامات الأراضي بشدة (ويتأثَّر) بالتغير المناخي العالمي ومنعكساته البيئية؛ إذ تشهد معظم بلدان العالم النامي تغيُّراً سريعاً في استخدامات الأراضي نتيجة التزايد السكاني وتغيُّر نمط الحياة بسبب زيادة الدخل (1). 

يُشيرُ مصطلح "فوائد النظام البيئي Ecosystem services" إلى ما ينتفع به البشر من النظام البيئي سواءً على نحوٍ مباشر أم غير مباشر (1). إن الأنظمة البيئية هي التي تولِّد وتحفظ البيئة المناسبة لاستمرار الحياة البشرية، وتؤمِّن السُبُلَ اللازمة لرفاهية حياة الإنسان (2). ويرتبط تغيير استخدامات الأراضي ارتباطاً وثيقاً بفوائد النظام البيئي لأنه يغيِّر التفاعلات بين البشر والبيئة وبذلك يؤثِّر  في فوائدها التي تتراوح من التنوع الحيوي إلى التغير المناخي (1). تغيَّرت الأنظمة البيئية بعد الازدياد المتسارع للتدخُّلات البشرية ابتداءً من النصف الثاني للقرن العشرين، وكان استخدام الأراضي وتوظيفها في النظم البيئية أكبر للتدخُّل المباشر للإنسان (2).

تشير الدراساتُ إلى أن ثلثَي فوائد النظام البيئي قد تراجعت في أنحاء العالم مع توقُّع تفاقم متزايد في العقود القادمة (3).

وبالحديث عن النظام البيئي؛ لا بدَّ من تمييز أربعة أنماط رئيسية لفوائد النظام البيئي:

1. التزويد والإمداد: تُمثِّل الفوائد الملموسة مثل الغذاء والنسيج والمواد الخام والماء والموارد الجينية* والمعادن والموارد الطبية.

2. الفوائد الداعمة: تمثِّل وظائف النظام البيئي الأساسية التي تُمكِّن الخدمات الأخرى من العمل. وتشمل هذه الخدمات التركيب الضوئي للنباتات وتشكُّل التربة وإمدادات العناصر الغذائية أو تدويرها.

3. الفوائد التنظيمية: تُمثِّل العمليات التي تضمن استمرارية عمل النظام البيئي على المدى الطويل عبر الحفاظ على خصائصه ضمن نطاقٍ مستمر. وتشمل العمليات والآليات البيئية، والتحكم بالآفات والأمراض، وتنقية الهواء والماء، وتحلُّل النفايات وإزالة السموم منها، وضبط المناخ، وعزل الكربون.

4. الفوائد الثقافية: تُمثِّل الفوائد غير الملموسة التي تعزِّز الترفيه والفكر الروحي والتنمية الإدراكية (التعليمية) والتجارب الجمالية. مثال على ذلك: الاحتفال بالطبيعة والأنشطة الترفيهية كالتنزُّه والسياحة البيئية (1).

لفهم أهمية هذه الفوائد وأهمية دعم الإدارة المستدامة للنظام البيئي؛ لا بد من فهم كيفيَّة تأثُّر هذه الفوائد بتغيير استخدامات الأراضي. يؤثِّر تغيير استخدامات الأراضي في الفوائد المصنفة أعلاه وفق الآتي:

1. التأثير في فوائد التزويد والإمداد: تشير التقارير إلى أنّه في خلال نصف القرن الأخير وحتى عام 2019؛ تدهورت 15 من أصل 24 من فوائد النظام البيئي في العالم، وكانت التدخّلات البشرية المرتبطة بتغيير استخدامات الأراضي مسؤولةً عن انحطاط 60% من فوائد التزويد والإمداد. ونتيجة ازدياد التعداد السكَّاني العالمي؛ أخذ تغيير استخدامات الأراضي شكلَ التمدُّن وتوسُّع المناطق الحضرية؛ مما تطلَّب موارد طبيعية أكثر وإنتاج المزيد من الغذاء والنسيج في أنحاء العالم. وقد أدَّى ذلك إلى معاناة مستمرة للنظم البيئية من التبدُّل والتحوُّل والتدهور. تُعدُّ الزراعة من أهم فوائد التزويد والإمداد، وتغطِّي الأراضي الزراعية قرابة 40% من سطح اليابسة؛ ممَّا يجعل الزراعة واحدة من أهم نُظُم إدارة الأراضي في العالم، ويجب إدارتها إدارةً مستدامة لضمان حماية البيئة من جهة، وتأمين غذاء البشر من جهةٍ أخرى. ولكن تواجه هذه النُّظُم مشكلات خطيرة بسبب تغيير استخدامات الأراضي من البشر مصحوباً ذلك بالتغير المناخي؛ ممَّا سبَّب تدهوراً في كمية الأراضي الزراعية ونوعيتها، وبذلك نقص الغذاء الذي تزوّده. وسبَّب تغيير استخدامات الأراضي أيضاً خلافات في توزيع الموارد المائية، كذلك -أدَّى بالمشاركة مع النشاطات البشرية- إلى التغير المناخي وبذل ضغط متزايد على البيئة. وتضرُّر عائد المياه للغابات والمراعي بسبب تأثُّر ترسيب الماء وتكاثفه في دورته في الطبيعة (1).

2. التأثير في الفوائد الداعمة: من أهمّها تحويل الأراضي العشبية الطبيعية إلى أراضٍ زراعية وما يتبعه من إعادة هيكلة للمناظر الطبيعية وتغيير قدرتها في إنتاج فوائد النظام البيئي. وقد وجدت دراسة في شرق أفريقيا أنّه كان لهذا التحويل تأثيراً سلبياً في الإنتاجية وسُبُل العيش، إضافةً إلى تقليص مواطن الحياة البرِّية وتدهور الخصائص الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للتربة وبذلك فقر إنتاجيَّتها (1). ومن التأثيرات الأخرى؛ تعرية التربة التي تؤثر بدورها في العناصر المائية للنظام البيئي وتدفق المياه الطبيعية.

3. التأثير في الفوائد التنظيمية: أدَّى تغيير البشر لاستعمالات الأراضي إلى تسريع خسارة التنوع الحيوي. وكشفت دراسة أُجريَت عام 2009 في الأردن عن انخفاض نسبة الأراضي الخضراء الطبيعية بنسبة 70% بسبب التزايد السكاني وما يتبعه من تغيير لاستخدامات الأراضي، مع الإشارة إلى نقص المياه في شرق المتوسط بسبب ذلك (1).  يُعدُّ حوض الأردن اليوم من أكثر مناطق العالم جفافاً. وفي ظلِّ استمرار التزايد السكاني والتناقص المتوقع في هطول الأمطار؛ ستتعرَّض المنطقة لفترات متكررة من الجفاف وصراعات على الماء (4). يُعدُّ تغيير استخدامات الأراضي من أهم العوامل المؤثرة في النظام المائي وهيكلية سطح الأرض وتدفُّق المواد والطاقة (1).

صورة (1) صورة فضائية لنهر الأردن والبحر الميت.

4. التأثير في الفوائد الثقافية: ترتبط الفوائد الثقافية بالفوائد السابقة الأخرى، على سبيل المثال: الثروة السمكية في ينابيع الجبال السويدية، أو استخدام النباتات البرية للطعام أو للطبابة في شرق أوروبا وشمالها، أو الغابات التي يرتادها الناس في الأوروغواي أو العلاقة بين فوائد النظام البيئي وقيم التراث الثقافي لمجتمعات صيد السمك المحلية في مدغشقر(1). تعدُّ السياحة التي ازدهرت في العديد من الأماكن ف أنحاء العالم من أهم أسباب تغيير استخدامات الأراضي، فعلى الرغم من فوائدها الاقتصادية على المجتمعات المحلية وفوائدها على السياح من حيث إمتاعهم فيزيائياً و ذهنياً، لكنَّ تأثيرها حتميٌّ في النظم البيئية عبر تحويل الغابات والمراعي إلى منشآت مبنية تُفقِدها فوائدها. نأخذ على سبيل المثال: مقاطعة فيراكروز (Veracruz) شرق المكسيك التي ازدادت فيها الأنشطة السياحية على طول الخط الساحلي؛ ممَّا أدّى إلى تعرية التربة وفقدان النظم البيئية الطبيعية (3, 5). وبناءً على ذلك؛ قد يكون التخطيط المناسب لاستخدام الأراضي -مثل إنشاء المتنزَّهات- خياراً جيداً لتنمية الفوائد الثقافية للنظام البيئي (1).

صورة (2) شاطئ (Chachalacas) في مقاطعة (Veracruz) شرق المكسيك.

صورة (3) تغير استخدامات الأراضي في (Chachalacas) عبر الوقت.

(ترجمة مفتاح الصورة بالترتيب: النظام البيئي، أرض زراعية، كثبان رملية، حشائش وشجيرات، مرج عشبي، شاطئ، نهر، منطقة مبنية، غابة)

وفي الخلاصة، وبعد أن اطلعنا على الآثار الكبيرة لتغيير استخدامات الأراضي في مختلف جوانب النظام البيئي؛ فإن المنافع الاجتماعية والاقتصادية التي يحصدها البشر من استخدام الأراضي كثيرة، إلا أنّ ذلك يترافق مع تدهور بيئي محتمل عبر التدخُّل في وظائف النظام البيئي (2). من الضروري تطوير طرائق دقيقة لتقييم فوائد النظام البيئي واقترانها بالتخطيط البيئي بما يصبُّ في زيادة رغد عيش الإنسان (1).  كذلك أكَّدت بعض الدراسات إلى ضرورة مشاركة المجتمعات المحلية في الإدارة المستدامة للنظم البيئية (2). 

هامش:

*الموارد الجينية: الموارد الوراثية للأغذية والزراعة، وهي المواد الخام التي يعتمد عليها العالم لتحسين إنتاجية مجموعات النباتات والحيوانات وجودتها، وكذلك للحفاظ على مجموعات صحية من الأنواع البرية، متضمنة تلك المستخدمة في الغابات ومصايد الأسماك. (6)

المصادر:

1. Hasan, S., Zhen, L., Miah, M., Ahamed, T. and Samie, A., 2020. Impact of land use change on ecosystem services: A review. Environmental Development, 34, p.100527.

هنا

2. Kusi, K., Khattabi, A., Mhammdi, N. and Lahssini, S., 2020. Prospective evaluation of the impact of land use change on ecosystem services in the Ourika watershed, Morocco. Land Use Policy, 97, p.104796.

هنا

3. Li, J., Bai, Y. and Alatalo, J., 2020. Impacts of rural tourism-driven land use change on ecosystems services provision in Erhai Lake Basin, China. Ecosystem Services, 42, p.101081.

هنا

4. Menzel, L., Koch, J., Onigkeit, J. and Schaldach, R., 2009. Modelling the effects of land-use and land-cover change on water availability in the Jordan River region. Advances in Geosciences, 21, pp.73-80.

هنا

5. Mendoza-González, G., Martínez, M., Lithgow, D., Pérez-Maqueo, O. and Simonin, P., 2012. Land use change and its effects on the value of ecosystem services along the coast of the Gulf of Mexico. Ecological Economics, 82, pp.23-32.

هنا

6. Food and Agriculture Organization of the United Nations

هنا