التاريخ وعلم الآثار > أساطير الــشعوب

النيل جريان، وفيضان، وأسطورة

في السودان، أثّرت الأمطار الغزيرة والفيضانات -متضمّنةً فيضان نهر النيل- التي بدأت منذ منتصف تموز (يوليو) 2020 في حياة ما يزيد على 380 ألف شخص؛ فقد مات بسببها قرابة 90 شخصًا، وتدمّر ما يزيد على 37 ألف منزل، وتضرر 39 ألف منزل آخر بحلول 25 آب 2020؛ مما دفع قاطنيها إلى البحث عن مناطق إيواء أخرى. كذلك تعرّض عديدٌ من مرافق البنية التحتية لأضرار شديدة، وتضرر العديد من المساحات المزروعة، وهو ما سينعكس سلبًا على الأمن الغذائي للسكان، إضافة إلى انخفاض قابلية الوصول إلى المياه النظيفة على الرغم من الحاجة الشديدة إليها في ظل انتشار جائحة (COVID-19 (1.

وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي خلّفته هذه الأمطار والفيضانات (1)؛ لكنّها ليست بالأمر الجديد على ثقافة سكان وادي النيل وحياتهم؛ فقد استوطنوه بصورة دائمة قرابة العام 6000 قبل الميلاد، ناسجين الكثير من القصص والأساطير عن نهر النيل وفيضاناته (2).

ومن أشهر أساطير مصر القديمة المرتبطة بنهر النيل نجد قصة خيانة إله الحرب والفوضى والعواصف والأوبئة "ست- Set" وقتله لأخيه "أوزيريس- Osiris" إله الخصوبة؛ إذ كان "ست" يغار من شعبية أوزيريس وقوته، ولذلك خدعه ليدخل ضمن تابوت متقن الصنع "sarcophagus" مدّعيًا أنه سيقدم التابوت هديةً للشخص الذي سيتّسع ضمنه، وبمجرد دخول "أوزيريس" التابوت؛ أغلقه "ست" وألقى به في نهر النيل، لتعثر لاحقًا أمُّ الآلهة (Mother of the Gods) "آيزيس - Isis" على جثة زوجها -وأخيها في الوقت نفسه- "أوزيريس" وتحاول إعادته إلى الحياة، وهنا عاد "ست" إلى جثة أخيه وقطّعها إلى عدة أجزاء وزعها في أنحاء متفرقة من مصر القديمة، باستثناء قضيبه الذي رماه في البحر ليأكله أحد التماسيح؛ الأمر الذي زاد خصوبة النيل وفقًا للأسطورة، مانحًا حياةً رغيدة لسكّان الأراضي المحيطة به (2، 3).

أما الإله "خنوم" الذي عُبد منذ عصر ما قبل الأسر (قبل العام 3000 قبل الميلاد)، فهو إله الخلق والبعث؛ إذ كان يستخدم عجلة الفخار ليخلق البشر والكائنات الحية من طين نهر النيل، ويرفعهم عاليًا في السماء ليمنحهم نورُ الإله "رع" الحياة، ليُوضعوا بعد ذلك في رحم يولودون منه على الأرض. كذلك كان "خنوم" إله الفيضان الأول للنيل وإله الغمر، فهو المتحكم بتدفق نهر النيل وفيضانه، مرسلًا الكمية السنوية المطلوبة من المياه (الفيضانات) التي يحتاج إليها السكان لتخصيب أراضيهم (2، 3، 4).

قد كان فيضان النيل الحدث الرئيسي للسنة الزراعية في وادي النيل؛ إذ يتيح ترسب الطمي الذي يزيد من خصوبة التربة في الحقول التي تغمرها المياه، وهو مصدر الحياة الرئيسي للسكان. وعلى الرغم من عدم وجود أيّ معابد ناجية؛ فمن المرجح وجود مركز عبادة سابق مخصص لفيضان نهر النيل حمل اسم "Per-Hapy"، كذلك تشير المصادر المكتوبة إلى إقامة مهرجانات تُوهَب فيها كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية للفيضان، وربما غُنّيت فيها ترنيمة فيضان نهر النيل (5).

الترنيمة

عُثِر على نسخ مكتوبة بنظام الكتابة الهيراطيقي لترنيمة فيضان نهر النيل؛ التي أشارت إلى أهمية هذا النهر في وجدان شعوب الحضارات المصرية القديمة وثقافتهم، وينشدون فيها لنهر النيل الذي أوجده الإله "رع" ليُحيي القطعان الحية كلّها. ووفقًا لهذه الترنيمة؛ هو -أي النهر- سيد الأسماك ومروّيُ الطيور وصانع الشعير وزارع الحبوب ومُنبت الأشجار وصانع القوارب (5، 6).

على الرغم من الأضرار الكارثية التي تجلبها فيضانات نهر النيل الموسمية؛ فهي كانت -كما ذكرنا سابقًا- بشرى للسكان على توفر المياه اللازمة للزراعة واستمرار الحياة. وبناءً على ذلك، نرجو أن تُدرَس هذه الفيضانات وأضرارها ليُوضَع نظامٌ متكامل لإدارتها واستغلالها بالصورة الأمثل.

المصادر:

1. Flash Update Sudan (4) [Internet]. Reports.unocha.org. 2020 [cited 8 September 2020]. Available from:

هنا

2. Mark J, Mark J. Nile [Internet]. Ancient History Encyclopedia. 2009 [cited 8 September 2020]. Available from: 

هنا

3.Mark J. Egyptian Gods - The Complete List [Internet]. Ancient History Encyclopedia. 2016 [cited 8 September 2020]. Available from:

هنا

4.R. Bunson M. Encyclopedia Of Ancient Egypt. United States of America: Facts On File on the World; 2002.

هنا

5. Hymn to the Nile flood [Internet]. Ucl.ac.uk. [cited 8 September 2020]. Available from:

هنا

6. Hymn to the Nile flood [Internet]. Ucl.ac.uk. [cited 8 September 2020]. Available from:

هنا