كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الحنين إلى الخرافة): مواجهة بين العلم والعلم الزائف

"للخرافة غريزة حشرية تنتحي إلى الشوق، وتعشق الثغرات، وتقيم في الفجوات. حيث يسود الدجل ويُركز لواءه في المناطق التي مازال العلم مُبلساً مُحيراً فيها لا يملك جواباً حاسماً".

هكذا يستهل الكاتب مصطفى عادل كتابه (الحنين إلى الخرافة) الذي يُفرّق فيه بين العلم الحقيقي والعلم الزائف. إذ طالما كانت الحصة الأكبر من كعكة الخرافات من نصيب المجتمعات الفقيرة، هناك حيث لا وقت ولا مساحة كافيين للعلم، مما يدفع الناس إلى تتبع الخرافات والأساطير لإيجاد تفسيرٍ للظواهر المحيطة بهم. غير أن ذلك لا ينفي حقيقة تغلغل الخرافات إلى الأوساط المتعلمة تحت مسمى (العلم الزائف) مثل التنجيم والفراسة والعلاج المثلي (وفيه يُعطى المريض جرعةً مخففةً من دواءٍ يُسبب أعراض المرض ذاتها)، وأمثلةً أخرى يتبناها البعض بوصفها حقيقةً، على الرغم من أنها غير مثبتةٍ علمياً. نحاول اليوم معرفة -من خلال وجهة نظر الكاتب- لماذا يميل الناس إلى تصديق الخرافات؟

بدايةً وللتفريق بين العلم والعلم الزائف يُوضح الكاتب أن العلم ليس حقائق ثابتة أو تسليماتٍ مطلقة، إنما هو تسليماتٌ مبدئيةٌ تحتمل النقد أو التطوير من خلال الوسائل البحثية المناسبة على عكس العلم الزائف الذي يراه الكاتب أنه لا يقبل النقد، لأنه لم يُبنَ على منهجٍ رياضيٍّ وعلميٍّ أساساً، فالعلم الحقيقي يقبل النقد والتشكيك لكون التجارب العلمية -والتي هي أساس المنهج العلمي- يجريها علماءٌ، لذا تحتمل نتيجة تجاربهم الخطأ أو الانحياز من قبل العالم/الباحث، tالنقد يصقل هذه التجارب ويُجردها من أكبر قدرٍ من الأخطاء، مما يدفع بعجلة العلم للمضي قدماً، أمّا العلم الزائف فليس الهدف منه إظهار حقائق بقدر إظهار وجهات نظرٍ مُتبناةٍ من قبل صاحب النظرية والذي لا يقبل غالباً نقد نظريته، لأن كشف زيفها سيقلل من أتباعه. وهنا يكمن الفرق الحقيقي بأن عقيدة العلم الحقيقي هي العلم ذاته، أما عقيدة العلم الزائف فهي عقيدة مؤسسيه، كذلك فإنها مسيّسةٌ لخدمة أيديولوجيات واعتقادات متداولة، وهو بذلك لا يحمل صفة العلم الحقيقي إنما يحاول تقليده.

ويوضح الكاتب بعض الثغرات التي يدخل منها العلم الزائف لبوابة العلم الحقيقي، أهمها أن العلم الزائف يقدم تأملاتٍ غير تقليدية وشاذة عن القاعدة، ويحاول أتباع هذا المنهج استغلال تجاهل العلم الحقيقي لتلك التأملات، وبذلك يروّج العلم الزائف فكرةً مفادها: أن المؤسسة العلمية ترفض كل ما هو جديد. فإنَّ أتباع هذا المنهج -زَيف المعرفة- يرون أن الكثير من الاكتشافات العلمية كانت محطَّ سخريةٍ في البداية قبل أن تُثبت وتُتبنى. وفي نقد هذه النقطة يقول مؤلّف الكتاب أن السخرية من بعض التأملات لا تزيد من حتمية صحتها بالضرورة، ويحضر قول عالم الفلك كارل ساغان (Carl Sagan 1934_1996):

" لقد ضحكوا على كوبرنيكوس وضحكوا على أنيشتاين لكنهم ضحكوا أيضاً على بوزو المهرج"

ينتقل الكاتب لطرح أمثلةٍ تاريخيةٍ عن العلم الزائف، ولعلَّ أشهرها قصةٍ هي (الماء المتعدد)،

فقد أصدر في ستينات القرن الماضي تقارير لعالمين روسيين مرموقين هما  "فيدياكين" و"ديرياجين" بوجود حالةٍ رابعةٍ للماء (إضافةً إلى السائلة والغازية والصلبة) وقد اندفع العديد من العلماء إلى تصديق التقارير، إذ غلبت اعتقاداتهم موضوعيتهم. لكن سرعان ما تبين أن المادة الجديدة هي في حقيقة الأمر تلوثٌ لحق بأجزاءٍ من جهاز المختبر، في هذا المثال ينوّه الكاتب إلى الدور الرئيسي المُلقى على عاتق الباحث أو العالم، فيجدر بالموضوعية أن تكون هي سمة البحث العلمي ولا ينبغي إدخال الأيديولوجيات في محاولةٍ لكسب البحث نحو جهة معتقدات الباحث.

ولم يقتصر العلم الزائف على الكيمياء والفيزياء فحسب، بل لعلَّ المساحة التعبيرية الأكبرعن العلم الزائف كانت في مجال الطب، لأسبابٍ عديدةٍ جاء على ذكرها الكاتب في كتابه، أبرزها؛ عجز الطبِّ عن تقديم يد المساعدة في بعض الأمراض، مما يدفع المعوزين للجوء إلى الطب البديل. يوضّح المؤلّف فكرته بقوله: "استمر بيع الأساور النحاسية المزعومة لعلاج التهاب المفاصل رغم غياب السند التجريبي".

ولعل خطورة العلم الزائف تكمن عندما يصرف الناس عن العلاج الحقيقي إلى متاهات الوهم، فعندما نجح العلاج الوهمي (placebo) فتح ذلك الباب للعلم الزائف للدخول في مجال السيكولوجيا وهو نوعٌ من العلوم الاحتمالية التي تحتاج إلى الكثير من النظريات والأبحاث والإحصائيات لإثبات نظرياتها، على عكس العلوم الحتمية مثل الفيزياء والكيمياء والتي تخضع إلى قوانين ثبتت صحتها بالتجربة.

بعد أن وصلنا إلى هذا الجزء من المقال، قد تتساءل عزيزي القارئ لماذا يتشبّث الناس باعتقاداتهم السابقة رغم الأدلة الجديدة؟

يرى الكاتب أن الإنسان عندما يتعرض إلى مجموعةٍ من الأدلة فسوف يميل إلى تصديق الأدلة الإيجابية التي تتوافق مع منظومته العقائدية، ويرفض السلبية منها. ولذا يكون ردع هذا النوع من العلوم من خلال التأكيد على أهمية ترويج ودعم العلوم الحقيقية، وذلك من خلال بناء الفكر النقدي. فإذا نَفَذَ العلم الزائف إلى المنظومة السياسية فإنه قد يُسوّغ الفظائع باسم النقاء العرقي، وفي المجال الصحي يودي بالآلاف إلى موتٍ مجاني أو معاناة بلا ضرورة، وعندما يَنفذ إلى النظام التعليمي يَطرد العلم والعقلانية والفكر النقدي.

معلومات الكتاب: