الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

هل يكون النباتُ الملهمَ لحل مشكلة غاز ثاني أكسيد الكربون؟

تعدُّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري ووسائل النقل السببَ الرئيس للاحتباس الحراري؛ إذ تسهم بنسبة تصل إلى 65% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية. للنباتات دور رئيس في خفض هذه الانبعاثات في أنحاء العالم بعملية "التركيب الضوئي"، ولكن التطور الذي يحدث في العالم وإزالة الغابات المستمرة أدت إلى خفض قدرة الغابات على المساعدة في استعادة مستويات الاوكسجين.

تتجه جهود العالم حالياً هناك إلى خفض انبعاثات الكربون بنسبة 30% بحلول عام 2030 لمحاولة الحدِّ من التزايد في درجة حرارة الأرض والتخفيف من التلوث الذي يسببه هذا الغاز، ومما يجعل هذا الأمر صعب التحقيق تزايد احتياجات العالم إلى الطاقة؛ إذ تطمح الخطط المقترحة حالياً إلى ضبط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتخلص من استخدام الوقود الأحفوري، كذلك يقترح باحثون آخرون التركيز على تخزين الكربون وإعادة استخدامه لتقليل الآثار الضارة الناتجة عن زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو.

ولكن ماذا لو أمكن استخدام هذا الغاز لإنتاج نوع آخر من الطاقة والتخفيف من بعض آثاره أيضاً؟

حلول مبتكرة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون:

إن فكرة استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون لإنتاج نوع آخر من الطاقة هي محل بحث عدد من مراكز البحوث في أنحاء العالم، سنتحدث في هذا المقال عن بحثين جديدين في هذا المجال، كلاهما مستلهم من أوراق النباتات من أجل تطوير عملية مشابهة للتركيب الضوئي.

في البحث الأول؛ استمد باحثون من جامعة سيدني الإلهامَ من أوراق النبات للحد من انبعاثات الكربون مستخدمين تقنيات النانو من أجل تطوير عملية مشابهة للتركيب الضوئي لدى النباتات، هذه الطريقة هي تطوير لفكرة قديمة تقوم على تدوير ثاني أكسيد الكربون بطريقة جديدة تحوله إلى مواد أولية قابلة للاستخدام في إنتاج الوقود ومواد كيميائية أخرى. في حين يقدِّم البحث الثاني فكرةً جديدةً وثوريةً؛ وهي ورقة اصطناعية تُحاكي عمليةَ التركيب الضوئي في النباتات؛ فتستخدم أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون والماء فقط لإنتاج وقود سائل صديق للبيئة بديل من الوقود الأحفوري.

ألواح كبيرة مشابهة للألواح الشمسية:

تقوم الطريقة الأولى على بناء صفائح من الكربون ذات أبعاد ميكروية. تتألف طبقات هذه الصفائح من نقاط كمومية -وهي نوع من أنواع أشباه الموصلات-، وضمن هذه الطبقات توجد مسام صغيرة تمتص ثاني أكسيد الكربون والماء.

عند امتصاص ثاني أكسيد الكربون والماء؛ تحدث عملية كيميائية بين المركبين تحولهما إلى مركبات هيدروكربونية يمكن استخدامها فيما بعد لإنتاج الوقود والمستحضرات الطبية والملابس والمواد الكيميائية الزراعية.

ظهرت تقنيات التقاط الكربون وتخزينه في السنوات العشر الأخيرة، ويشكِّل جانب التخزين فيها مشكلةً؛ إذ إنها تتطلب تخزين الكربون في حجرات عميقة تحت الأرض.

من فوائد العملية المقترحة أيضاً أنها ستكون عملية اقتصادية لأنها ستسمح بإنتاج كميات كافية من بعض المواد كالميثانول وهو الذي يُستخدَم لإنتاج الوقود وبعض المواد الأخرى الكيميائية.

التطلعات المستقبلية  للعملية:

ما تزال العملية مجرَّبة على مستوى مخبري فقط، وستكون المرحلة المقبلة في هذا البحث هي إنتاج الوسائط (الحفازات) على المستوى الصناعي وتصميم مفاعل مناسب لهذا الإنتاج، ويأمل الباحثون أن تُستخدَم هذه العملية مستقبلاً من قِبَل محطات الطاقة في عملية التقاط الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري المستخدم في هذه المحطات. يهدف الباحثون أيضاً إلى تصنيع ألواح كبيرة مشابهة لألواح الشمسية بدلاً من الألواح الدقيقة المستخدمة في التجربة بغرض امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.

محاكاة عمل النبات:

غاز الاصطناع:

قد يكون مصطلح (غاز الاصطناع) جديداً على كثير منَّا ولم نسمع به من قبل، ولكننا في الواقع نستهلك يومياً منتجاتٍ يدخل هذا الغاز في تصنيعها.

غاز الاصطناع (syngas): هو مزيج من غازات أحادي أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون والهيدروجين، يمكن إنتاجه من عدة مصادر كالغاز الطبيعي أو الفحم أو الكتلة الحيوية. ويعدُّ غازاً مهماً لإنتاج العديد من الكيماويات الأساسية مثل الأمونيا والوقود الهيدروكربوني والهيدروجين. لذلك فإنَّ إيجاد طرائق مستدامة للحصول عليه سيُشكل خطوة ركيزة في وضع طرائق تكنولوجية مستدامة لتصنيع المواد الكيميائية والوقود وإغلاق دورة الكربون العالمية.

يُنتَج غاز الاصطناع حالياً من مزيجٍ من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون، ويستخدم لتصنيع مجموعة من المنتجات مثل الوقود والأدوية والبلاستيك والأسمدة إلى جانب المواد المذكورة سابقاً.

ويعدُّ إنتاج هذا الغاز ضرورياً؛ فعلى الرغم من التطور الكبير المُنجَز في توليد الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية، إلا أن الكهرباء حالياً لا تُلبِّي سوى 25% من إجمالي الطلب العالمي على الطاقة. ولا تزال الحاجة إلى الوقود السائل قائمةً لتأمين وقود مستدام للنقل البري والبحري والجوي. 

تصميم مبتكر:

في محاولةٍ تحسين طرائق إنتاج الوقود السائل؛ عمل باحثون في جامعة كامبريدج على جهازٍ جديد بشكل ورقةٍ اصطناعية تُحاكي عملية التركيب الضوئي في النباتات فتستخدم أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون والماء فقط لإنتاج وقود سائل صديق للبيئة بديلٍ من الوقود الأحفوري.

اُستُوحِيَ تصميم الجهاز وعمله من عملية التمثيل (التركيب) الضوئي أيضاً. ويعد هذا الجهاز -حسب تقدير الباحثين القائمين عليه- نقطةَ تحوّلٍ في صناعة الوقود وغاز الاصطناع نظراً إلى قدرته على إنتاج غاز الاصطناع مباشرةً بطرائق بسيطة ومستدامة.

آلية العمل:

تعمل هذه الورقة الاصطناعية بواسطة أشعة الشمس بدلاً من استخدام الوقود الأحفوري، وتستطيع العمل بكفاءة حتى في الأيام الغائمة، ثم إنها لا تطلق أية انبعاثات كربونية جانبية إلى الجو على عكس العمليات الصناعية الأخرى المستخدمة لإنتاج غاز الاصطناع -كما وصفه الباحثون في البحث المنشور في مجلة (Nature Materials)- بشكل مماثل للعملية التي تحدث في النباتات. تعتمد العملية على مستقبلات ضوئية من أنابيب الكربون الدقيقة المصنوعة من هاليدات البيروفسكيت الثلاثية الكاتيون المختلطة وفانادات البزموث وتدمج هذه المستقبلات مع وسيط بورفيرين الكوبالت. عندما يغمر الجهاز بالماء يعمل أحد المستقبلَين على إنتاج غاز الأكسجين، في حين يتولَّى المستقبل الثاني إجراءَ تفاعل الماء وثاني أكسيد الكربون لإنتاج مزيج غاز الاصطناع المكوَّن من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون. 

مزايا التقنية:

وجد الباحثون أيضاً أن المستقبلات الضوئية تعمل حتى في ظروف السطوع المنخفض مثل الأيام الغائمة أو الماطرة؛ مما يعني أن استخدام هذه التقنية لن يكون محصوراً في البلدان الدافئة أو في خلال أشهر الصيف فقط، بل يمكن استخدامه في أي مكان في العالم وطوال اليوم من الشروق حتى الغروب.

تعدُّ المستقبلات الضوئية المستخدمة في العملية أحدثَ الأجهزة الموجودة حالياً، وهي تؤمن كمية كبيرة من الطاقة لإنجاز التفاعل الكيميائي مقارنة بالمستقبلات الأخرى المصنّعة من السيليكون أو الخلايا الضوئية الصبغية.

ثم إن الكوبالت المستخدم وسيطاً في العملية منخفض التكلفة وأعلى فعالية من الوسائط الأخرى المستخدمة للهدف ذاته.

التطلعات المستقبلية للعملية:

يبحث الفريق حالياً لتحويل هذه التقنية إلى المستوى الصناعي وإنتاج وقود سائل مستدام بديل من الوقود الأحفوري.

إذ يتطلَّب إنتاج الوقود بهذه الطريقة عمليَّتَين؛ إذ يُنتج غاز الاصطناع ثم يُحوَّل إلى وقود. ولكن يعمل الباحثون على إنتاج الوقود بخطوة واحدة فقط انطلاقاً من ثاني أكسيد الكربون والماء.

تُجرى حالياً كثير من الأبحاث لتعديل العمليات الصناعية وإيجاد بدائل مستدامة صديقة للبيئة.

المصادر:

1. ‘Artificial leaf’ successfully produces clean gas. (2019, October 21). University of Cambridge. هنا

2. Syngaschem BV. (n.d.). Retrieved 31 March 2020, from هنا

3. Andrei, V., Reuillard, B., & Reisner, E. (2020). Bias-free solar syngas production by integrating a molecular cobalt catalyst with perovskite–BiVO 4 tandems. Nature Materials, 19(2), 189–194. هنا

4. Make like a leaf: Researchers developing new method to convert CO2. (n.d.). The University of Sydney. Retrieved 12 April 2020, from هنا