العمارة والتشييد > التشييد

الطباعة ثلاثية الأبعاد في التشييد الخرسانة الرقمية وحديد التسليح نموذجًا

أظهرت تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد -والتي تُعرف أكثر باسم التصنيع الجمعي- قدرةً على إحداث ثورةٍ حقيقيةٍ في العديد من المجالات، ومن بينها: مجال التشييد، فهي تمتلك مجموعة من المميزات التي تمنحها تفوقًا على أساليب التشييد التقليدية، مثل: تخفيض استهلاك المواد وإهدارها، والكفاءة الإنشائية العالية، وتبسيط عملية بناء التصميم وتسريعها، وتقليل التكلفة، وإعطاء المجال لمزيد من الحرية المعمارية، وتحسن الدّقة والسلامة في موقع العمل(1).

نجحت الطباعة ثلاثية الأبعاد على نحو عام مع المواد البولمرية المقذوفة بحالةٍ سائلةٍ، والتي تتصلب بعد ذلك، وبذلك فإن تطبيق هذه التقنية مع الخرسانة التي تمر بمرحلةٍ انتقاليةٍ مماثلةٍ من أهم تطبيقات هذه التقنية، خاصّة أن الخرسانة تعدُّ أكثر المواد استخدامًا في مجال الإنشاءات، عدا عن كونها ثاني أكثر المواد استهلاكًا في العالم بعد الماء بمعدل 2 بليون طنٍّ سنويًا(3). 

يعدُّ البروفيسور Khoshnevis من جامعة جنوب كاليفورنيا رائد الطباعة ثلاثية الأبعاد للخرسانة؛ إذ طوّر عمليةً تُسمى Contour Crafting (البناء بالرافعة) في وقتٍ مبكّرٍ من عام 2004، واتُبعَ نهجٌ مماثلٌ في مشروع بحث البناء الحرِّ في جامعة Loughborough منذ 2010(3).

يُعدُّ أسلوب layered extrusion (القذف بشكل طبقات) عمليةً نموذجيةً تُذكر عند الحديث عن الطباعة ثلاثية الأبعاد، وهي تستخدم على نطاقٍ واسعٍ في إنتاج أجزاء مخصصة من البولميرات المختلفة، إذ تَقذف فوهة رقميةٌ مُتَحكمٌ بها عن بُعد الخرسانة طبقةً وراء طبقة.

تتطلب هذه العملية طابعةً معياريةً قابلةً للنقل، ويجب أن تكون بحجمٍ مساوٍ للهيكل الذي يُنتَج، ويكون سمك الطبقات عمومًا قرابة بضعة سنتيمترات، لكنّ تشكُّل النقاط الباردة في الخرسانة يبقى سؤالًا مفتوحًا، والتي تتشكل عند زيادة طول الفترة الزمنية بين وضع الطبقات، ويمثِّل دمج حديد التسليح مع الخرسانة صعوبةً بالنسبة لهذا الأسلوب؛ لأنه لا يجب على حديد التسليح إعاقة حركةٍ لرأس الطابعة، لكن يمكن مُعالجة هذه المشكلة عن طريق طباعة هياكل إنشائيةٍ مجوفةٍ؛ لوضع حديد التسليح فيما بعد(3).

وإن كانت الخرسانة أهم المواد وأكثرها استخدامًا في مجال الإنشاءات، فإن حديد التسليح يعدُّ عنصرًا أساسيًا في أغلب تطبيقاتها الإنشائية؛ ولأجل ذلك برزت الحاجة لاستخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في تصنيعه.

أجرى باحثون في جامعة TU Dresden في ألمانيا تجربة طباعة حديد التسليح باستخدام تقنية gas-metal arc welding، إذ طوروا منصة بحثٍ تجريبية باستخدام نظام CNC ثلاثيِّ المحاور التقليدي، ونظام تحكمٍ جديد(2).

 أثبتت التجارب من خلال مقارنة 3 قضبان تسليحٍ مكونةٍ من 80 طبقة -القضيب الأول: دون تحكمٍ في عملية التكييف، القضيب الثاني: تحكمٌ يدويٌّ في عملية التكييف، القضيب الثالث: تحكمٌ آليٌّ تلقائي في عملية التكييف- أهمية عملية التكيّف والإدخال الحراري المنتظم في أثناء الإنتاج، إذ إنها تساعد في زيادة دقة الأبعاد الهندسية، وفي حال الاستغناء عنها فسوف يتعرض اللحام لخللٍ في تكوينه الهندسي؛ بسبب التقلبات الناتجة عن زيادة ضغط الحرارة، ويترافق ذلك مع خللٍ في باقي الخواص الميكانيكية(2).

ساهم التطبيق اليدوي لعملية التكيّف في تحسين جودة القضبان، لكن على الرغم من ذلك كانت زيادة الطبقات تترافق مع تقلباتٍ في قطر القضبان لعدة أسبابٍ، منها: أخطاءٌ في قراءات نظام التشغيل والأنظمة الحرارية غير المنتظمة، وللتخلص من هذه التقلبات طُبِّقَ نظام تحكمٍ آليٍّ لمراقبة العملية عن بعد، إضافة إلى تنظيم الإدخال الحراري الذي يتيح للمادة التمدد والانكماش بانتظام؛ مما يقلل الضغوط الحرارية، أدى ذلك إلى زيادةٍ في دقة الأبعاد الهندسية، وزيادةٍ في مرونة القضبان(2).

اختلاف حديد التسليح من دون/مع عملية التكيّف

خضع كلٌّ من حديد التسليح التقليدي والمطبوع لاختبارات الشد التي أظهرت أن القضبان المطبوعة تمتلك معامل مرونة وإجهاد خضوع أقلَّ بنسبة 28% ومقاومةٍ على الشد أقل 16%، ولكنها تمتلك ليونةً أعلى بنسبة 250% من ناحية قدرة التشوّه(2)..

هناك عددٌ من التحديات التي تواجه استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال البناء، فعلى سبيل المثال:

يعدُّ هذا المجال حساسًا للغاية من ناحية التكلفة، ولا تزال الآثار المترتبة على تكاليف الطباعة ثلاثية الأبعاد غير واضحة، واعتقد البعض أن استخدامها في صناعة البناء سابقٌ لأوانه(1).

ومن التحديات الرئيسية: افتقارها إلى إرشاداتٍ وممارساتٍ موحدةٍ للتصنيع، والمعايير العالية في التصميم الإنشائي لتجنب العيوب الهندسية(1).

يستمر العلماء بالبحث عن حلولٍ ثوريةٍ لقطاع البناء تضمن عوامل الأمان والاقتصاد، وفي ظل تحقيق الطباعة ثلاثية الأبعاد قفزاتٍ متسارعةً في هذا المجال كيف ترى مستقبل هذه التقنية وتأثيرها في قطاع البناء؟

المصادر:

1. Buchanan C, Gardner L. Metal 3D printing in construction: A review of methods, research, applications, opportunities and challenges. Engineering Structures. 2019;180:332-348.هنا

2. Mechtcherine V, Grafe J, Nerella V, Spaniol E, Hertel M, Füssel U. 3D-printed steel reinforcement for digital concrete construction – Manufacture, mechanical properties and bond behaviour. Construction and Building Materials. 2018;179:125-137.هنا

3. Wangler T, Lloret E, Reiter L, Hack N, Gramazio F, Kohler M et al. Digital Concrete: Opportunities and Challenges. RILEM Technical Letters. 2016;1:67.هنا