كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الخوف السائل): حالاته وأسبابه وأثر الحداثة فيه

كتاب يقدمه الكاتب زيجمونت باومان (Zygmunt Bauman) الذي ولد في عام 1925 وتوفي في عام2017، ضمن سلسلة السيولة المؤلفة من ثماني مؤلفات؛ إذ يبدأ باومان كتابه بوصف الشعور المبهج الذي ينتاب الأشخاص عند مواجهة الأخطار والمخاوف معروفة المصدر، لينتقل بعدها إلى تلك المخاوف المتسللة في عقول أشخاص ينتظرون تحقيق وعود في إلغاء الخوف من حياتهم.

 ابتدأ باومان بتعريف الخوف على أنه: شعور يراود البشر والحيوانات على حد سواء، لكن البشر يشعرون بشيء آخر إضافة إلى الخوف، شيء أطلق عليه باومان "الخوف المعاد تدويره" المبني على الشعور بعدم الأمان وأنه يمكن أن يباغت الإنسان سوءًا في أي لحظة.

وصنَّف الأخطار التي يخشاها المرء إلى ثلاث فئات: فئة تهدد الجسد والممتلكات، وفئة تهدد دوام النظام الاجتماعي والثقة به بما فيه متطلبات الدخل والوظيفة، وفئة تهدد موقع المرء من العالم أي مكانته وهويته.

ثم ينتقل باومان إلى إخفاق الحداثة في عزل الخوف أو استئصاله، ونجم عن هذا الإخفاق نتائج عكسية أعطت الخوف من المجهول  القدرة على التسلسل إلى كل البشر؛ أو بعبارة أخرى ( تأميم الخوف)، الأمر الذي عبَّر عنه الكاتب أنه يشبه سفينة التايتانيك؛ إذ إن الجبل الجليدي (هناك) هو الخطر، وما حدث (هنا) في السفينة من هلع وخروج الأمور عن السيطرة هو الخوف بحد ذاته حتى أُطلِق عليه "عقدة/متلازمة التايتانيك". 

"متلازمة التايتانيك: هي الرعب من السقوط عبر قشرة الحضارة الهشة إلى العدم المجرد من المعالم الأساسية للحياة المتحضرة المنظمة، فهي متحضِّرة لأنها منظَّمة واعتيادية و مستقرة و محققة للتوازن بين المعالم على الطريق والمخزون السلوكي"   

لم يكتفِ الكاتب بتعريف متلازمة تايتانيك بل تعمق بنحو أكبر في المخاوف الصادرة عنها إذ سرد معبِّرًا: 

"إن المخاوف الصادرة عن متلازمة تايتانيك هي مخاوف انهيار أو كارثة قد تقع علينا جميعا، كارثة تضرب بعشوائية دون تمييز ودون سبب معقول، وهي تجدنا جميعًا دون استعداد ولا دفاع، ولكن هنالك مخاوف أخرى ليست أقل فظاعة إن لم تكن أشد: الخوف من انتقاء الكارثة لي وحدي من بين الناس السعداء، أو لجامعتي على أقصى تقدير، الخوف من الإقصاء"

وهكذا بدأ باومان بالحديث عن الخوف، أنواعه وأسبابه في 6 فصول تفصِّله، ليبدأ فصله الأول بـ(الخوف من الموت) إذ وصفه بـ (الخوف الأول)  وهو المشترك بين الإنسان والحيوان؛ الخوف المرتبط بغريزة البقاء. 

وضح الكاتب السبب الرئيسي للخوف من الموت بالآتي: "الموت يلغي كل شيء معلوم، فالموت تجسد للمجهول، وهو من بين كافة المجهولات الأخرى يُعدّ المجهول الوحيد الذي لا سبيل لمعرفته حقًّا وصدقًا، ومهما فعلنا من أجل الاستعداد للموت فإنه يأتي بغتة، والأدهى أنه يلغي فكرة الاستعداد ويبطلها، إنه يبطل فكرة تراكم المعرفة والمهارات التي تمثل حكمة الحياة".

وذكر بعد ذلك ثلاث إستراتيجيات تتعامل مع فكرة الموت المخيفة، موضحًا عدم حتمية نجاحها في حال استخدم إحدى تلك الإستراتيجيات أو جميعها معًا!

ينتقل باومان بعدها إلى الفصل الثاني (الخوف والشر)؛ إذ -كما ذكر الكاتب- إنهما "كالتوأمان السياميان"،  وطالما هناك شرور في العالم فحتمًا هناك خوف منها، وقد فُصِل بين شرور الطبيعة من كوارث وفيضانات -فهي شرور عشوائية وعمياء- وبين شرور البشر التي تكون مبنية على خطط مسبقة وأذى متعمد.

"إن الشرور التي يصنعها البشر تبدو الآن غير متوقعة مثل سابقاتها من الشرور الطبيعية، أو كما يقول خوان غويتسولو في مشاهد بعد المعركة إنها لا تصبح معلومة ومفهومة إلا بنظرة فاحصة متأنية لأحداث الماضي" 

 أما الفصل الثالث فكان عن (الهلع مما لا يمكن إدارته) من الكوارث والحروب ومرورًا بالعنصرية، موضحًا ذلك عن طريق كثير من القصص المحكية والمروية عن التاريخ والأحداث الماضية، معبرًا عن تحول العالم إلى شيء تستعصي إدارته بالعولمة.

"نجد أنفسنا في مأزق مشابه للغاية، نجدنا مضطربين وحائرين وغير متأكدين مما ينبغي فعله، وكيف يمكن فعله، ومَن يمكنه فعله" 

ثم يكون الفصل الرابع عن العولمة تحت عنوان: (أهوال العولمة)؛ إذ وصفها باومان بالعولمة السلبية المفتقرة للفحص والإلحاق بالعولمة الإيجابية التي أدت إلى انفتاح فاسد للمجتمعات، الذي أبعد بدوره فكرة تحقيق العدالة والسلام. 

" فبينما تنعم النخبة التي تعتلي القمم بحرية الانتقال إلى عوالم متخيلة، يسقط الفقراء في مستنقع الجريمة والفوضى"

وهكذا انتقل الكاتب إلى فكرة ( إطلاق عنان الخوف) في الفصل الخامس من الكتاب، موضحًا سبب حالة فقدان الأمان التي يعيشها الإنسان، وعرَّف الشكل الحديث منها قائلًا: "الشكل الحديث لعدم الأمان يتميز بوضوحٍ بخوف من شر البشر الأشرار من البشر، إنه يتشكل بالظن السيئ في بعض البشر أو الجماعات ونياتهم" مبررًا أن المخاوف التي نعيشها تتطلب منا أفعالًا دفاعية، فالبعض يعيش خلف الأسوار والبعض له حراس ويسير في عربات مصفحة، موضحًا أن كل تلك الأفعال هي غذاء للخوف واستكمال لحلقة الهلع المفرغة.

وقد أنهى الكاتب الكتاب في الفصل السادس المعنون بـ ( التفكير في مقابل الخوف/ خلاصة غير نهائية للحيارى) مبتعدًا عن الطرائق المتوقعة في النهايات؛ إذ لم يخلص كل ما سبق فيه ولم يعطِ الحلول لكل تلك المخاوف المذكورة أعلاه، بل دعم هذا الفصل بكثير من القصص والأمثلة الحية للمشكلات الناجمة عن الخوف داعيًا إلى البحث في الجذور على أمل إيجاد بعض الحلول؛ "فالخطوة الوحيدة الواعدة نحو العلاج من الخوف المتزايد التعجيزي هو الكشف عن جذوره لأنه الطريقة الوحيدة الواعدة نحو الاستمرار تتطلب القدرة على استئصال تلك الجذور".

وهكذا نرى أهمية الكتاب في تسليط الضوء على مخاوفنا السابقة والحاضرة والمستقبلية وأننا لسنا وحدنا من يعاني تلك المخاوف، فربما معرفة المشكلة بحق هو جزء من الحل، فكما وضح الكاتب مباشرة أن الحداثة لم تجد نفعًا في إيقاف الخوف أو السيطرة عليه.  

معلومات الكتاب:

العنوان: الخوف السائل (Liquid Fear)

المؤلّف: زيجمونت باومان (Zygmunt Bauman)

ترجمة: حجاج أبو جبر 

تقديم: هبة رؤوف عزت

الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر (2017)

عدد الصفحات: 240