العمارة والتشييد > العمارة المستدامة

حاويات الشحن من الإهمال إلى الاستدامة العمرانية

تُعرَّف عمارة حاويات الشحن (Shipping Container Architecture) بأنَّها اتجاهٌ معماريٌّ يعتمد على إعادة استعمال حاويات الشحن المصنوعة من الفولاذ لتشكَّل عناصر معمارية وإنشائية من أجل أداء وظيفةٍ معيَّنة (1). وهو مفهومٌ جديدٌ نسبيًّا وُلِدَ في تسعينيات القرن العشرين، وقد حفَّز عددًا من المعماريين والمهندسين على إعادة استعمال الحاويات لأغراض معمارية وخصوصًا مع تفاقم المشكلات المتعلِّقة بالتزايد السكاني وعدم الاستقرار الاقتصادي والتدهور البيئي (2).

تتميَّز حاويات الشحن بالمتانة والديمومة وقابلية النقل والمرونة، وبأنها موجودة بكثرة وأسعارها معقولة؛ ممَّا يقلِّل تكلفة وزمن البناء (2) بنسبة 50% إلى 60% (3). إضافةً إلى شكلها وحجمها القياسي وخفة وزنها (1) بنسبة 30% من وزن مواد البناء التقليدية (3)؛ ممَّا يساعدها في شغل مجموعة من الوظائف المعمارية مثل المنازل وملاجئ الطوارئ في الأزمات والكوارث الطبيعية والمنشآت التجارية والأستديوهات والمتاجر والمتاحف (1).

ويعزى سبب توفر هذه الحاويات بكثرة إلى التجارة غير المتوازنة في أسواق حاويات الشحن الدولية، وتكلفة إرسالها فارغةً إلى بلدانها الأصلية التي تتسبَّب بترك 56% من الحاويات المستخدمة للنقل الدولي للبضائع فارغةً في الموانئ؛ ممَّا دفع المهندسين إلى التفكير في استعمالها لأغراض معمارية، إضافةً إلى كونها أقل تأثيرًا في البيئة من مواد البناء التقليدية (2).

ومن أهم الأمثلة على الاستعمال الناجح لعمارة حاويات الشحن:

Keetwonen في أمستردام - هولندا:

أكبر تجمُّع لمساكن حاويات الشحن في العالم، وثاني أكبر منشأة سكن طلابي في العاصمة الهولندية أمستردام، وقد اكتسبت شهرةً كبيرةً في البلاد وخصوصًا بين مجموعات الطلَّاب، وأدَّى نجاحها إلى التخلُّص من المخاوف من أن تكون منازل حاويات الشحن مزعجةً أو صغيرةً أو باردة. وأثبتت فعاليَّتها الاقتصادية، وعزلها الجيد ضد الضوضاء والظروف الجوية. وتمكَّنت من تقديم المرافق التي كانت مفقودةً في جمعيات منشآت سكن الطلاب الأخرى؛ إذ اكتمل كلُّ منزلٍ بمطبخه وحمَّاماته ومعرضه وركن الدراسة وغرفة النوم، ويتميَّز كلُّ منزلٍ بنوافذ زجاجية كبيرة الحجم لتسهيل دخول الإضاءة الطبيعية والتهوية (1).

معرض Platoon في برلين - ألمانيا:

إحدى أيقونات عمارة حاويات الشحن، وتعمل بوظيفة مركزٍ ثقافيٍّ وقاعة معارض (1)، وبُنيت باستعمال 33 حاوية شحن (4)، وصُمِّمت لتعطي شعورًا بالحداثة، وتشكِّل الحاويات المكدَّسة بنيةً فريدةً يمكن إعادة بنائها في أيِّ وقت، وتتضمَّن مناطق عرض وأستديوهات ومطاعم (1).

Puma City في بوسطن - الولايات المتحدة:

عبارة عن متجر مساحته 11 ألف قدم مربع (قرابة 1020 م2)، يتكوَّن من 24 حاوية شحن حمراء ويقع على مرمى حجر من حديقة (Fenway) في بوسطن، وقد صُمِّم الهيكل ليكون قابلًا للفك والشحن وإعادة التجميع بسهولة في أيِّ مكانٍ في العالم (1)، واستُعمِلت فيه حاويات شحن بطول 40 قدمًا (قرابة 12 م) إضافةً إلى العديد من الوصلات لربطها وتأمينها أفقيًّا وعموديًّا (5).

وفقاً لمبدأ (Cradle to Cradle) يؤدِّي تحويل حاويات الشحن منتهية الصلاحية إلى عناصر بناء إلى إطالة عمرها، وتقليل أثر الطاقة الكامنة المستعملة في إنتاج كل حاوية؛ إذ يتطلَّب إنتاج 1 طن من الفولاذ الخام 6481 كيلو واط ساعي، و9000 كيلو واط ساعي لإذابة الحاويات المستعملة، وقرابة 400 كيلو واط ساعي لتحويل هذه الحاويات لأغراض البناء. يستهلك استعمال حاويات الشحن للبناء طاقةً أقل من طرق البناء التقليدية؛ إذ توصف بأنها أكثر استدامةً من الخرسانة وأقوى من الخشب (2).

ويمكن أيضًا وضع إستراتيجيات مستدامة للمباني المصنوعة من حاويات الشحن التي تسمح قوَّتها الإنشائية بتوفير أسقف خضراء وجدران خضراء ومياه ساخنة بالطاقة الشمسية على السطح دون دعمٍ إضافي، الأمر الذي لا يمكن توفيره في الهياكل الخشبية (2).

ووفقًا لتحليل الأداء الحراري لحاوية شحن طولها 40 قدمًا (قرابة 12 م)، يمكن للحاويات تلبية لوائح اشتراطات البناء في المملكة المتحدة لكفاءة الطاقة في مواقع وظروف مناخية مختلفة، ويمكنها تقديم أداء حراري أفضل من المنشآت الخرسانية ولكن أقل من الخشبية، ويعتمد هذا الأداء على طريقة التصميم والعزل والظروف المناخية للموقع، ويؤدي اتجاه الحاوية وعدد النوافذ دورًا مهمًا في تعزيز استدامة وحدات البناء؛ فعلى سبيل المثال -وفقًا للوائح البناء البريطانية- يُعَدُّ الاتجاه الأسوأ للنوافذ هو الشمال والأفضل هو الجنوب بفارق في استهلاك الطاقة يبلغ قرابة 400 كيلو واط ساعي/ سنة (2).

 فهل تؤدِّي هذه العوامل دورًا في ترسيخ عمارة الحاويات مفهومًا جديدًا في العمارة المستدامة؟

المصادر:

1. Radwan A. Containers Architecture Reusing Shipping Containers in making creative Architectural Spaces. International Journal of Scientific and Engineering Research [Internet]. 2015 [cited 6 July 2020];6(11):1562-1577. Available from: هنا
2. Brotas L, Amate M. Container Architecture: a new emergent sustainable culture?. MASTERS CONFERENCE 2014 PEOPLE AND BUILDINGS [Internet]. London; 2014 [cited 1 July 2020]. p. 9-14. Available from:  هنا;  
3. King Hui Wong E, Siang Tan C, Chie Hui Ling P. Feasibility of Using ISO Shipping Container to Build Low Cost House in Malaysia. International Journal of Engineering & Technology [Internet]. 2018 [cited 1 July 2020];7(2.29):933. Available from: هنا;
4. Platoon Kunsthalle Berlin / Platoon Cultural Development [Internet]. ArchDaily. 2020 [cited 12 July 2020]. Available from: هنا
5. PUMA CITY — LOT-EK ARCHITECTURE & DESIGN [Internet]. Lot-ek.com. 2020 [cited 12 July 2020]. Available from: هنا