الفنون البصرية > فن التصوير

تاريخ التصوير الفوتوغرافي.. أولى المحاولات (ج1)

يُعرَّف التصوير الفوتوغرافي (Photography) بأنّه طريقة لتسجيل صورة لشيء ما من خلال فعل الضوء أو الإشعاع على مادة حساسة للضوء (1)، فهو يُعدُّ ذو أهمية كبيرة سواءً  في العلوم أو في الإعلان، وحتى في وسائل الإعلام من الصعب تخيّل حياتنا بدونه؛ إذ كانت تُنقل الأحداث والأخبار قبل اختراع التصوير الفوتوغرافي عن طريق الكلمات المكتوبة في بعض الأحيان أو عن طريق اللوحات. (2)

يعود أصل كلمة "Photography" إلى اليونانية، وتعني الرَّسم بالضوء؛ إذ اُستخدمت  الكلمة أوّل مرّة في ثلاثينات القرن الثامن عشر (1).

بِكونه أحد أنواع الفنون البصرية، يُعدُّ التصوير وسيلة للتواصل والتعبير البصري، له مزايا جمالية، من أهمّ تلك المزايا السرعةُ  في التقاط الصورة التي تتشكل بوساطة عدسة الكاميرا التي تخضع للضوء الذي يشكّل الصورة بوجود مادة حسّاسة تساعد على تغييرات في هيكلها فتتشكّل صورة معكوسة تُسمّى بالشكل السلبي (negative)، وتُعالَج الصورة وتُطوَّر من خلال استخدام ثيوسلفات الصوديوم (hypo)؛ وهي مواد حديثة تُعالِج الصور إمّا على الفور أو تحتاج لأسابيع أو شهور (1).

كانت بداية الكاميرا في الغرفة المظلمة، وهي غرفة فيها ثقب، كان يُعرض فيها الأشياء من خارج الغرفة على الجدار المقابل، فإذا وُضع مشهد مضاء على نحوٍ ساطع مقابل فتحة مقطوعة في جانب مساحة مظلمة (الغرفة)، فإنَّ أشعةَ الضوءِ تنعكس من ذلك الجسم، مرورًا بالفتحة، يتلاقى إلى صورة مقلوبة يمكن رؤيتها على أنّها "مُسقطة" على السطح داخل الغرفة، والجدير بالذِّكر أنّ هذا المبدأ كان معروفًا لدى الصينيين والإغريق، مثل، أرسطو منذ أكثر من 2000 عام. في أواخر القرن السادس عشر، عرض العالِم والكاتب الإيطالي جيامباتيستا ديلا بورت (Giambattista della Porta) وصفًا تفصيليًّا لاستخدام الغرفة المظلمة، في حين استخدم الفنانون في القرون اللاحقة الغرفة المظلمة لإنشاء صور عديدة، اعتمدت النتائج من هذه التجارب على مهارات الرسم لدى الفنان، مما حفّز العلماء بالاستمرار في البحث عن طريقة لإعادة إنتاج الصور على نحوٍ تلقائي بالكامل (1،2).

- رسم توضيحي آلية عمل الغرفة المظلمة.

أول محاولة لصورة فوتوغرافية:

لم يستطع ويليام هنري فوكس تالبوت (William Henry Fox Talbot) -العالِم في جامعة كامبريدج- رسم ملاحظاته العلمية حتى بمساعدة كاميرا لوسيدا*؛ هذا النقص ألهمه ابتكار عملية تصوير، فقد قرّر أن يحاول تسجيل الصور التي لاحظها بالوسائل الكيميائية، وبحلول عام 1835م كان لديه تقنية قابلة للتطبيق؛ إذ جعل الورق حسّاسًا للضوء من خلال نقعه بالتناوب في محاليل الملح الشائعة (كلوريد الصوديوم) ونترات الفضة، وعند التعرّض للضوء أصبح كلوريد الفضة فضيًّا مقسّمًا بدقة، داكن اللون. من الناحية النظرية يمكن استخدام السلبي الناتج، الذي عُكست فيه القيم اللونية والمكانية؛  لجعل أي عدد من الإيجابيات ببساطة عن طريق وضع ورق حساس جديد على اتصال بالسالب وتعريضه للضوء. كانت طريقة (تالبوت) لإصلاح الطباعة عن طريق غسلها في محلول قوي من كلوريد الصوديوم غير كافية، ومع ذلك، لم تكن العملية ناجحة حتى فبراير 1839م، عندما اقترح صديقه الفلكي السير (جون هيرشل) إصلاح السلبيات مع هيبوسلفيت الصوديوم sodium hyposulphite (يسمّى الآن ثيوسلفات الصوديوم sodium thiosulfate)، وإزالتها بالشمع قبل طباعتها مما قلل من حبيبات الورق، وسطّر بذلك ولادة الصورة الفوتوغرافية الدائمة (1،3).

- صورة للعالم ويليام هنري فوكس تالبوت.

سبقته محاولات أُخرى لم تنجح؛ إذ تعود أصول الرسم الضوئي إلى عام 1802م، عندما ذكر توماس ويدجوود (Thomas Wedgwood) تجاربه في تسجيل الصور على الورق أو الجلد المحسوس بالنترات الفضية. كان بإمكانه تسجيل الصور الظلية للأشياء الموضوعة على الورق، لكنه لم يتمكن من جعلها دائمة. وكان هذا هو التسجيل الأول لمحاولة إنتاج صور فوتوغرافية. (1)

ثمّ في عام 1816م، نجح الفرنسي نيكور نيبس (Nicéphore Nièpce) في التقاط صور صغيرة للكاميرا على ورق معالج بكلوريد الفضة -وهي مادة كيميائية حساسة للضوء- ومع ذلك فإنَّ ويدجوود لم يكن قادرًا على الحفاظ على الصورة. (2)

التصوير الفوتوغرافي كفن:

بدأت جمعياتُ التصويرِ الفوتوغرافي -المكوّنة من كل من المحترفين والهواة- تتشكّل في منتصف القرن التاسع عشر، مما أدّى إلى عدِّ التصوير وسيلةً جمالية. في عام 1853م شُكّلت جمعية التصوير الفوتوغرافي في لندن، تلتها أُخرى في باريس وألمانيا وغيرها الكثير. نشأ بعضها لتعزيز التصوير الفوتوغرافي عمومًا، بينما أكّد البعض الآخر على التعبير الفني فقط في التصوير. جنبًا إلى جنب مع هذه الجمعيات، ظهرت أيضًا المجلات التي تروّج للتصوير الفوتوغرافي بوصفه فنًّا. (1)

أكّد المصوّرون الفوتوغرافيّون أنَّ الطريقَ إلى التصوير الفوتوغرافي كما الفن كان محاكاة المشاهد كالرسم الزيتي. كان النقاد الفنّيّون مترددين في الاعتراف بالتصوير بكونه فنًّا جماليًّا مستقلًا؛ إذ أنّ اللوحاتَ تؤدي نقل الإحساس مباشرة. لكن لقطات الكاميرا تفتقر إلى الصدق بنقل الشعور العاطفي -بحسب ما يزعمون- والتي يعتقد أنّها مميزة للتصوير الفوتوغرافي، بقيت تلك الفكرة محل جدل كبير حتى يومنا هذا. (1)

*كاميرا لوسيدا: أداةٌ بصرية -حاصلة على براءة اختراع في عام 1806م بوساطة وليام هايد ولاستون (William Hyde Wollaston) لتسهيل رسم الأشياء بدقة- تتكون من موشور من أربعة جوانب مثبت على حامل صغير فوق ورقة، من خلال وضع العين بالقرب من الحافة العلوية للموشور بحيث يكون نصف بؤبؤ العين فوق الموشور، يمكن للمراقب رؤية صورة منعكسة لجسم يقع أمام الموشور، مُسطّحًا على الورقة، يمكنه بعد ذلك تتبع الصورة بقلم رصاص (4).

- رسم توضيحي آلية عمل كاميرا لوسيدا.

المصادر:

1- history of photography | Inventions & Events [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 4 June 2020]. Available from: هنا

2- photography T. The birth of photography - napoleon.org [Internet]. napoleon.org. 2020 [cited 4 June 2020]. Available from: هنا

3- The history of photography in pictures | National Science and Media Museum [Internet]. National Science and Media Museum. 2020 [cited 4 June 2020]. Available from: هنا

4- Camera lucida | photography [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 15 June 2020]. Available from: هنا

5- Home — Michael Adamson [Internet]. Michael Adamson. 2020 [cited 17 June 2020]. Available from: هنا