الموسيقا > سمفونيات موتزارت

سمفونيات موتزارت الأخيرة: السمفونية رقم 39

في صيف 1788؛ كتب موتزارت إلى أحد أصدقائه قائلًا؛ "كما هو الحال، ليس لدي كثير لفعله في المدينة، ولا يأتيني كثير من الزوار، فحتمًا سيكون لدي المزيد من الوقت للعمل"(2).

فقد كان نتاجه الموسيقي في هذا الوقت كثيفًا مقارنة بالصراعات الشخصية التي كان يواجهها في حياته، ففي البداية رأى تناقصًا لشعبيته أمام عينيه مع جمهور لا يُقدِّر موسيقاه، إضافة إلى وضعه المادي المتدهور.

ونتيجة لذلك؛ كان لديه عددٌ قليلٌ من الفرص لأداء الحفلات الموسيقية؛ مما زاد من سوء وضعه المعيشي. ومما وضع موتزارت في حال جعلته يطلب المساعدة من صديقه مايكل بوخبرغ (Michael Puchberg)؛ فقال له في إحدى رسائله: "فقط تخيل موقفي؛ مريض وأشعر بالقلق والحزن.. أُجبرت على بيع رباعياتي الوترية {K 575، 589، 590] لمجرد الحصول على بعض المال في يدي.. أي مبلغ الآن قادر على مساعدتي في ضائقتي المادية.. إذا كان من الممكن أن تكون طيبًا معي وتُقرضني ألف أو ألفي قطعة ذهبية على مدى عام أو عامين بمعدل فائدة مناسب، فحقًّا ستكون خدمة لن أنساها".

لاحقًا في عام 1789؛ بعد جولة أوروبية لم يوفق فيها موتزارت لجمع الأموال التي يدين بها، كتب لمايكل قائلًا؛ "ليس لدي قلب لأكون في حضورك لأنني سأضطر للاعتراف بأنه لا يمكنني أن أدفع لك ما هو مستحق عليَّ، وأرجو منك أن تصبر عليَّ، "أنا آسف جدًّا" (2).

وما زاد الوضع سوءًا وفاة ابنته ومرض زوجته، إلا أننا نرى دومًا في موسيقا موتزارت ذلك الأمل والإشراق، لعل هذه الموسيقا تعطي لمستمعيها التفاؤل والسعادة اللذَين حُرم منهما موتزارت.

بدأ موتزارت بتأليف السمفونية رقم 39 في 26 حزيران (يونيو) 1788، وسنرى من خلال هذا المقال روعة هذا العمل(1,2).

(الرجاء الاستماع في أثناء قراءة المقال)

الحركة الأولى (الدقيقة 0:40)

Adagio - allegro 

افتتاحية هذه الحركة مهيبة وبأسلوب استقبال رسمي ملكي (fanfare).

تعزف اللحنَ الرئيسي الآلاتُ النحاسية على نحو رئيسي، الوتريات، والتمباني والنفخيات الخشبية عدا الأوبوا، وتعد هذه المقدمة الكروماتيكية بهذا الأسلوب إضافةً جديدةً من نوعها على الافتتاحيات التي قدمها موتزارت. ثم صولو الفلوت الذي يتبعه أداءٌ مهيبٌ بين التوتر والراحة ليختم هذه المقدمة تاركًا المستمع مع مشاعره المتهيجة والمضطربة ممهدًا لما سيسمعه بعد ذلك (1,2,3)

(الدقيقة  3:46)

ننتقل إلى الallegro المكتوبة بقالب سوناتا ويفاجئنا موتزارت بلحن بطيء ومقياس ¾ وكأنه لقالب minuet !

اللحن هنا عذب وخلاب مناسب تماماً للحالة الشعورية فينقلنا موتزارت من حالة إلى حالة آخرى تماماً.

يعزف الthème بشكل أساسي الوتريات، لاحقاً نلاحظ تحاور بين الولايات و الفلوت والكلارينت،

ثم تعود إلى thème السابقة الكروماتيكية .

نلاحظ عدم استخدام موتزارت للأوبوا في هذه السمفونية والاستعاضة عنها بالكلارينيت والآلات النحاسية (2,1).

ننتقل إلى الحركة الثانية (الدقيقة 12:42)

 andante con moto

عادة ما تكون الحركة الثانية غنائية، إلا أن هذه الحركة لم تكن غنائية أبدًا، بل كانت درامية تعطي إيحاءً بالنبل والعظمة.

تبدأ بـ (thème) تعطي إحساسًا بحركة الماء ثم تتصعد تدريجيًّا وتنتهي بسلم مينور، ثم ننتقل إلى (thème) أخرى أكثر إصرارًا وجدية ويزداد التصعد، ثم ينحلّ، وينتقل إلى الـ (thème3) ليعزفه الفلوت، وهكذا نلاحظ الحوار وانتقال اللحن بين مختلف الآلات، ونلاحظ استخدام موتزارت للحن من (Symphonie de Prague)، وهنا نجد الاقتباس الذاتي لدى موتزارت واضحًا جدًّا، على الرغم من أن موتزارت ليس بذلك المؤلف الذي قد تصعب عليه كتابة لحن جديد مختلف كليًّا.

وهنا نجد تفضيل موتزارت على تلوين هذه الحركة بتغييرات سُلّمية وصوتية (من حيث ارتفاع الصوت وانخفاضه والجمالية الذي يعطيها هذا التنوع) على أن يستخدم تنويعات لحنية (1,2,3)

الحركة الثالثة (22:33)

 menuetto et trio 

بهذه الحركة يستخدم موتزارت لحنًا لرقصة شعبية نمساوية شائعة أيضًا في بافاريا وألمانية.

وهذا ما يُبعد هذا الـ (minuet) عن الجفاف ويجعلها أكثر قربًا لأذن السامع الأوروبي. 

نسمع (duet) هادئًا جميلًا بين الكلارينت والفلوت في الـ (trio) أي (قالب ثلاثي)، بمنتصف الحركة، إذ تقدم الكلارينت الأول اللحن الرئيسي والكلارينت الثاني يرافق الكلارينت الأول (1,2,3).

الحركة الرابعة (الدقيقة 26:54)

 finale

الحركة التي تذكرنا إلى حدٍّ ما بسمفونيات هايدن.

يستخدم موتزارت في هذه الحركة (thème) وحيدةً ولكن بأسلوبين مختلفين توهم السامع بأنه يسمع لحنين.

نرى انعكاسًا لشخصية موتزارت في هذه الحركة من خلال الخداع وحس الدعابة الذي يمتلكه.

ولا يوجد (coda) حيث المرجع ينهي الحركة.

وهنا نرى (tempo) مستمرًّا دون توقف، حيويًّا مفعمًا بالطاقة، ونجد أسلوبَ التأليف للنفخيات خفيفًا يوحي بلون أبيض وبحركة ونشاط (1,2,3).

تابعوا السلسة للتعرف أكثر إلى موسيقا موتزارت.

المصادر:

1- Clive M. MOZART - Symphony No. 39 in E-flat Major, K. 543 - Utah Symphony [Internet]. Utah Symphony. 2018 [cited 15 July 2020]. Available from: هنا

2- Tobias M. Symphony No 39 | Indianapolis Symphony Orchestra [Internet]. Indianapolissymphony.org. 2016 [cited 15 July 2020]. Available from: هنا

3- Mozart’s last symphonies [Internet]. Mariinsky.ru. 2013 [cited 15 July 2020]. Available from: هنا