الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة السياسية

سياسات الهُوية (Identity Politics)؛ أداة ليبرالية لحماية المُضطهَدين

سياسات الهُويّة (Identity Politics) هي السياسات التي تميل فيها مجموعات من الأشخاص الذين لديهم هويةٌ عرقيةٌ أو دينيةٌ أو اجتماعيةٌ أو ثقافيةٌ معينةٌ ومشتركة إلى السعي وراء اهتماماتهم أو أغراضهم الخاصة بغض النظر عن مصالح أو أهداف أيِّ مجموعةٍ سياسيةٍ أكبر في الدولة التي يعيشون بها، وتفترض سياسات الهوية أنَّ هويةً واحدةً من بين العديد من الهويات التي لدينا هي التي تحدد أو تهيمن على سياستنا؛ مثل كونكِ امرأةً إذا كنتِ نسويةً، أو كونكَ كتالونياً بالولادةِ إنْ كنت قوميًا كاتالونيًا، أو مثلياً إذا كنت في حركةٍ داعمةٍ للمثليين، ولكن غالباً لا يمانع الناس أن يجمعوا بين الهويات (2).

ظهرت سياسات الهوية أول الأمر في النصف الثاني من القرن العشرين في الولايات المتحدة عبر النضال من أجل الحقوق المدنية للأميركيين الأفارقة، كما كانت حجر أساسٍ للحركة النسويّةِ في موجتها الثانية، وتُستعمل هذه السياسات اليوم من عدة مجموعات اجتماعيةٍ وعرقيةٍ وجنسيةٍ مختلفة، كالأفارقةِ والنسويات والأقليات الدينية والحركات الداعمة للمثليين، وذلك بهدف الاعتراف بهم وبحقوقهم (1).

من خلال تسليط الضوء على الظلم الموّجه لبعض الفئات في المجتمع، أحدثت سياسات الهُويّة تغييراتٍ يُرحب بها في الأوساط الثقافية وأنتجت سياسات عامة ملموسة ساعدت كثير من الناس. إذ نجحت حركة #BlackLivesMatter إلى حدٍ ما في إبقاء معظم عناصر الشرطة مُتنبهين للطريقة التي يُعاملون بها الأقليات في الولايات المتحدة، كما نجحت حركة #MeToo النسوية في جذب الاهتمام إلى مشكلة الاعتداء الجنسي وفتح حوار جاد عن القوانين التي تُجرّم هذه التصرفات (3).

إلا أنّ هناك العديد من الانتقادات الموجّهة لسياسات الهُويّة، أهمُّها كونها حصريةَ وليست شاملة، وتُعنى بحقوق فئات دون فئات، إذ يُتّهم اليسار المُتبنّي لهذه السياسات بإغفاله الاهتمام بمشكلات مجموعات أكبر ذات مشكلات أكثر تأثيراً في المجتمع. كما يُنتَقدُ مَيل هذه السياسات لتطبيق تغيير منحصر بالبيئة الثقافية للمجتمع بدلاً من إحداث تغيير حقيقي فعال تجاه هذه المجموعات، مثل إدراج المزيد من النساء والأقليات في المنظمات والشركات بدلاً من رفع الأُجور ومحاولة إغلاق الفجوة المعيشية بين الفئة المُهيمنة والمُهمّشة، وإنَّ النقد الأبرز لهذه السياسات كان يتعلق بحرية التعبير، فبينما يفرض اليساريون سياسات تُقيّد من المفردات التي يُمكن استعمالها في أثناء الحوار تجنباً لإساءة أي فئة أقلية وتُفرَض هذه السياسات تحت مُسمّى الصحة السياسية (Political Correctness)، يرى البعض في هذه السياسات تهديداً حقيقياً لحرية التعبير التي هي حجر الأساس لأي ديمقراطية (3).

بدأ اليسار في تبنّي التعددية الثقافية عندما أصبح من الصعب صياغة سياسات من شأنها إحداث تغيير اجتماعي واقتصادي واسع النطاق (3). وهنا يجدر بالذكر أنّ تيار اليسار لم يكن فقط دافعاً للمجموعات المهمّشة لكسب الاعتراف فحسب؛ بل كان نفسه يدفع جهود مجموعات أخرى لتهميش الآخرين لكونه حليف ممكن في القتال لتحقيق أهدافه في حالات معينة، مثل دعم هتلر وأي مجموعة اتخذت من سياسات الهوية أساساً لها (2). 

إن أردنا أن نضع حداً للجدل القائم ما بين هويةٍ موحّدةٍ وهوياتٍ مُتعددة، يجب علينا أولاً الاعتراف بعدم المساواة داخل مجتمعاتنا. إنكار هذه الحقيقة يحث على عدم معالجة هذه التفاوتات في المساواة و يضمن ألّا تتغير حياة أولئك الذين يعتمدون على الحركات الاجتماعية ذات الصبغة الانتمائية بأي شكلٍ من الأشكال.

أخيراً؛ سياسات الهوية تُحمّلنا مسؤولية طرح المزيد من الأسئلة عن التقدّم الذي يحدث في المجتمع وإلى صالح من يصبّ هذا التقدم. في النهاية، سياسات الهوية هي بالفعل أداةٌ حاسمةٌ للتنظيم والمشاركة المدنية. إن إدراك الذات وتجارب المرء في السياسة هو عاملٌ محفزٌ للمشاركة في القرارت السياسية. من الأفضل لأي شخص يتطلع إلى تأمين مشاركة المجموعات المضطهدة أن يعترف بأنها مهمشةٌ في المقام الأول، وثانياً أن يعمل على رسم السياسة المناسبة التي تساوي وتناضل من أجل جميع هويات المجتمع دون استثناء (4). 

 

المصادر:

1- Heyes C. Identity Politics [Internet]. Stanford Encyclopedia of Philosophy. Stanford University; 2002. (History and Scope). Available from: هنا

2- Identity Politics and the Left [Internet]. Yaşar Üniversitesi. 1996. Available from: هنا

3- Fukuyama F. Against Identity Politics [Internet]. The Andrea Mitchell Center for the Study of Democracy. The University of Pennsylvania School of Arts and Sciences; Available from: هنا

4- Garza A. Identity Politics: Friend or Foe? [Internet]. Othering & Belonging Institute. University of California, Berkeley; 2019. هنا