الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

الفراشة الزجاجية الجناح

تنعكس أشعةُ الشمس عند سقوطها على شاشات الهواتف الذكية؛ فتصعب رؤية أي شيء.

وبنقيض ذلك؛ فإن الفراشة الزجاجيّة الجناح (Glasswing butterfly) تعكس الضوءَ بصعوبةٍ عن سطح أجنحتها على الرغم من شفافيَّتها.

تنتمي الفراشة الزجاجية الجناح (Greta oto) إلى رتبة قشريات الأجنحة (Lepidoptera)، وهي من الفراشات المخطَّطة الأقدام من فصيلة (Nymphalidae)، وتحت فصيلة (Danainae). سُمِّيت بهذا الاسم بسبب أنسجة أجنحتها الشفَّافة التي تُشبه الزجاج، وهي واحدة من الكائنات الأرضية القليلة التي تُظهِر الشفافية، وتفتقر إلى الدرجات اللونية المُلاحَظة غالبًا عند أنواع الفراشات الأخرى المُنتمية إلى هذه الرتبة. 

يُعدُّ نوع (Greta oto) من أكثر الأنواع وفرةً، فلم يُسجَّل في اللائحة الدولية الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض (IUCN)، وتنتشر هذه الحشرات الأرضية في جميع أنحاء أمريكا الوسطى عمومًا وفي كوستاريكا خصوصًا. كذلك وُجدت في أقصى شمال ولاية فلوريدا، إضافة إلى انتشارها في الغابات الدافئة المطيرة الرطبة مع النباتات المزهرة الوافرة. وتُهاجرُ مسافاتٍ طويلة؛ إذ يمكن أن تطير بسرعةٍ تصل إلى 13 كيلومتر في الساعة. 

ومثل جميع أنواع قشريات الجناح؛ تتطور الفراشة الزجاجية الجناح تطوُّرًا كاملًا؛ إذ تبدأ دورة حياتها بالبيضة، فاليرقات والشرانق، ثم الحشرات البالغة؛ وتضع الإناثُ البالغة بيوضًا مُفردةً أسفل أغصان نباتٍ سامّ من الباذنجانيات معروف باسم "ملكة الليل". وبمجرد أن تفقس البيوض؛ تلفُّ اليرقاتُ الحمراءُ والأرجوانيةُ نفسَها على أغصان النبتة، ثم تتحول إلى شرنقةٍ عاكسةٍ للضوء كالمرآة؛ الأمر الذي يمكِّنها من أن تعكس محيطها لتندمج به، أو لتظهر كقطرة الماء على الورقة؛ الأمر الذي يُسهم في حمايتها من المفترسين. تخرج الحشراتُ البالغةُ لتتغذَّى على رحيق نبات شفويٍّ من جنس (Lantana). وتستغرق أفرادُها البالغة دورة حياة طويلة تمتدُّ من 6 أسابيع إلى 12 أسبوعًا (1).

تعكس الفراشة الزجاجية الجناح الضوءَ بصعوبةٍ عن سطح أجنحتها على الرغم من شفافيَّتها؛ الأمر الذي يصعب على الطيور المفترسة لهذه الفراشة تتبُّعها في أثناء الطيران (2).

ففي حين أن معظم مفصليات الأرجل التي تستخدم الشفافيةَ تمويهًا ناجحًا تعيشُ في عمق المحيط؛ هناك الاستثناءات القليلة التي تعيش في المياه العذبة، يعدُّ الـنوع (Greta oto) أحدها.

ولما كانت الخصائص البنيويّة للكائن الحيّ الأساس الحقيقي للشفافية، نظرًا إلى أن المركبات الحيوية والكيميائية الموجودة في معظم الأنواع لها معاملات انكسارٍ مختلفة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكثافة؛ كانت شفافيّة الكائن -أو أنسجته- مشروطةً بعدم امتصاصِه الضوءَ أو بعثرتِه، أي يجب أن تحتوي البنية الحية على أجسام غير ماصَّة للضوء وذات معامل انكسار متجانس. لذا فإنّ سطح جناح الفراشة الشفّاف يُغطَّى بنتوءاتٍ نانوية (3) غير منتظَمة وتتميز بارتفاع عشوائيٍّ (2) لا تُبعثرُ الضوء، ويتغيّرُ معاملُ انكسار الضوء تدريجيًّا على هذه النتوءات من معاملٍ مطابق للهواء إلى معاملٍ مطابق للجسيمات في بنية الجناح ممّا يُقلّل انعكاس الضوء (3) إذ يختلف -اعتمادًا على زاوية الرؤية- بين 2% إلى 5%، وهي نسبة تقلُّ عدة أضعاف عن النسبة التي تعكسها صفيحة زجاجية مسطحة، وهي التي تتراوح من 8% إلى 100% من الضوء. وتُبدي أجنحة الفراشة الزجاجيّة انعكاسًا منخفضًا جدًّا حتى عند النظر إليها من زوايا غير عمودية، ومن الجدير ذكره أيضًا أن جناح الفراشة لا يُظهر انعكاسًا خفيفًا للطيف الضوئي المرئي من قِبَل البشر فقط؛ وإنّما يمنع انعكاس الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية أيضًا التي يمكن أن تلاحظها الحيوانات؛ وهو أمرٌ بالغُ الأهمية تستعمله الفراشة للتمويه والبقاء على قيد الحياة (2).

ولا تُعدُّ الأجنحة الشفافة آليةَ الدفاع الوحيدة لدى هذه الفراشات؛ إذ تحوي جميع النباتات التي تتغذى عليها هذه الفراشة -في طور البلوغ وقبله- على موادَّ قلوية سامة للحيوانات المفترسة لها.

فتُخزَّن المركبات السامَّة في جسم اليرقة بعد أن تتغذى على هذه النباتات، ويُحتفظ بها في أثناء مراحل التحوُّل الشكليِّ حتى الوصول إلى مرحلة البلوغ؛ ما يُفسِّر سِمِّية كلٍّ من اليرقات والأفراد البالغة أيضًا؛ الأمر الذي يجعلها غير مُستحبَّة ومُسبِّبة المرض للحيوانات المفترسة لها (1). 

كذلك يستخدم ذكرُ الفراشة الزجاجيّة الجناح الموادَّ القلوية الموجودة في غذائه لإنتاج الفيرمونات الجنسية التي يُطلقها للعثور على قرينةٍ في الغابة؛ وجذبها للتزاوج(1) (4).

 استفادَ الباحثون من دراسة البِنية النانوية غير المنتظمة لجناح هذه الفراشات التي تُسبِّب انعكاسًا ضعيفًا للضوء، في محاولةِ محاكاتها لإتاحةِ مجموعةٍ من التطبيقات عند الحاجة إلى الأسطح المنخفضة الانعكاس للعدسات وشاشات الهواتف المحمولة على سبيل المثال.

إذًا؛ وعلى عكس الظواهر الطبيعية الأخرى التي يغدو فيها الانتظام أولوية قصوى؛ فإن الفراشة الزجاجيّة الجناح تستخدم فوضى واضحة لكي تصل إلى التأثير المذهل الخاص بها (2). 

المصادر:

1- Glasswinged Butterfly – Glasswinged Butterfly [Internet]. Blogs.lt.vt.edu. 2020 [cited 18 April 2020]. Available from: هنا

2- Low-reflection wings make glasswing butterflies nearly invisible [Internet]. ScienceDaily. 2020 [cited 18 April 2020]. Available from: هنا

3- Binetti V, Schiffman J, Leaffer O, Spanier J, Schauer C. The natural transparency and piezoelectric response of the Greta oto butterfly wing. Integrative Biology [Internet]. 2009 [cited 18 April 2020];1(4):324. Available from: هنا

4- Jenkins N. Featured Creature: Glasswinged Butterfly | Blog | Nature | PBS [Internet]. Nature. 2020 [cited 18 April 2020]. Available from: هنا