العمارة والتشييد > التصميم المعماري

عمارة حلب القديمة تصاميم مستدامة تحافظ على هوية المدينة

تمتلك مدينة حلب خصوصيةً تاريخيةً وعمرانيةً كبيرة، لا سيِّما بأحيائها التاريخية المصنَّفة ضمن لوائح اليونيسكو لمواقع التراث العالمي، والتحولات العمرانية المختلفة التي شهدتها خلال تاريخها والتي أثَّرت في هوية المدينة، إضافةً إلى العوامل البيئية والمناخية (1).

دفعت كل تلك العوامل المهتمين نحو التفكير بالمستقبل العمراني لمدينة حلب، والذي يُراد له الجمع بين الحفاظ على الهوية الثقافية والعمرانية للمدينة، واقتراح حلول تصميمية جديدة مستمدَّة من الأنماط المعمارية التقليدية، وعدم إغفال اعتبارات الاستدامة وتقليل التأثير البيئي وتحسين كفاءة الطاقة للمباني (1).

دعونا نعود بالزمن إلى الوراء؛ تحديدًا إلى الفترة العثمانية عندما كانت البيوت العربية هي السائدة في حلب القديمة، والتي كانت تمثِّل أُنموذجًا لمجتمعٍ منسجمٍ مع محيطه (1)، وكانت هذه البيوت متداخلة على نحوٍ يصعب فيه التمييز بينها، وذلك لتجنُّب أشعة الشمس الحادة والحماية من درجات الحرارة العالية والرمال والعواصف، وقد شكَّل الفناء عنصرًا أساسيًّا في تصميم هذه البيوت ورُتِّبت الممرَّات والغرف حوله (2)، وقد كانت البيوت القديمة في حلب تتكوَّن على نحوٍ رئيسي من ثلاثة أجزاء؛ جزء لتخزين الطعام خلال العام، وجزء يتضمَّن غرف المعيشة والضيوف والمطبخ، وجزء ثالث يتضمن غرف النوم والشرفات (1).

كانت المدينة التاريخية مكوَّنةً من المناطق حول أبواب الحديد والفرج وقنسرين وجنين وأنطاكيا، وقد حدث التوسُّع الأبرز في المدينة في القرن السادس عشر، وأصبحت المناطق الواقعة إلى الشرق والشمال من المدينة مغطاة بالضواحي بحلول القرن التاسع عشر (1,3).

منذ ذلك الحين، بدأت مناطق جديدة بالظهور باستخدام أسلوب التخطيط الغربي، وترافق ذلك مع عوامل اجتماعية ومعيشية؛ منها اتجاه المرأة للعمل والتكيُّف مع حجم الأسرة الجديد، ممَّا أدَّى إلى زيادة كثافة المباني السكنية ذات الشقق متعدِّدة الطوابق في الأجزاء الغربية من المدينة، وتحوَّلت البيوت من المساحات المفتوحة إلى الممرَّات مع محاولة الحفاظ على الخصوصية، فأصبحت المنازل تتألَّف من غرف معيشة متَّصلة بالممر ومحاطة بغرف النوم والمطبخ وتُطل على المناطق المحيطة عن طريق الشرفات، وانتشر هذا النمط في المناطق الغربية مثل الجميلية والسبيل(1).

من أهم الآثار التي رافقت هذا التوسع العمراني؛ التداخل بين النسيج العمراني القديم والجديد، ممَّا استدعى إنشاء منطقةٍ عازلةٍ محيطةٍ بالمدينة القديمة لمجابهة آثاره والتقليل منها، لكنَّ هذه المنطقة واجهت العديد من المشكلات والعقبات (3).

وفي الوقت الحالي ومع تضافر الجهود لإعادة إعمار المدينة، عادت قضية الحفاظ على الهوية العمرانية إلى الواجهة، وبرزت قضيَّة تصميم البيوت التقليدية لتحقيق كفاءة استخدام الطاقة، إذ أثبتت الدراسات أنَّ البيوت ذات المساحات المفتوحة أو شبه المفتوحة أكثر فعالية في الإضاءة الطبيعية والتهوية في مختلف الظروف المناخية (3)، ومن أهم العوامل المؤثِّرة في ذلك:

اتجاه المبنى: يمكن للاتجاه الأمثل لأي مبنى توفير الحد الأقصى من الإشعاع الشمسي المطلوب شتاءً وتقليله صيفًا، وتُفضِّل النظريات التصميمية أن تكون واجهة المبنى باتجاه الجنوب لتحقيق هذا الغرض. وتؤدي النوافذ دورًا مهمًّا في التهوية والإضاءة والتي يُنصح بتقليلها شمالًا وتكثيفها جنوبًا، وقد كانت المباني التقليدية في حلب تستخدم فتحات المدخل العلوي للخارج والفتحات المنخفضة للمساحة المركزية الداخلية (الفناء) لتحسين حركة الهواء (3).

وقد أبرزت الدراسات أيضًا دور الليوان -وهو مساحة مغلقة من ثلاثة جوانب ومفتوحة من جانب واحد بثلاثة أقواس في الجانب الجنوبي للمنزل- الذي يساهم في توفير الحد المطلوب من الإشعاع الشمسي بامتصاصه شتاءً أو الحماية منه صيفًا، ويوفِّر إضاءةً طبيعيةً وتهويةً محسَّنةً أيضًا (1).

مواد البناء: يجمع استخدام الحجر والخشب في الواجهات المعمارية بين الحفاظ على النمط المعماري للمدينة القديمة والتكيُّف مع الظروف المناخية، إذ يساهم الخشب المستمد من الطبيعة في تقليل التأثير السلبي في البيئة، ويساهم الحجر في تقليل التكلفة لأنه متوفِّر محليًّا، ويُنصَح باستعمال مواد عازلة في الجدران الخارجية بدلًا عن الجدران السميكة المجوَّفة التي تميزت بها بيوت حلب القديمة (1,3). 

يسعى المهندسون والعلماء إلى تقديم حلول عمرانية تحافظ على الإرث والهوية التاريخية لمدينة حلب التي أثبتت قدرةً عاليةً على تحقيق المتطلبات المعاصرة بيئيًّا واجتماعيًّا، إضافةً إلى الجمع بين المفاهيم التقليدية والتقنيات الحديثة والمستدامة، فهل ما نوقش في هذه المادة كافٍ لتحقيق هذه المساعي؟

المصادر:

1. Salkini H, Greco L, Lucente R. Towards Adaptive Residential Buildings Traditional and Contemporary Scenarios in Bioclimatic Design (the Case of Aleppo). Procedia Engineering [Internet]. 2017 [cited 13 December 2019];180:1083-1092. Available from: هنا

2. Ajaj A, Pugnaloni F. Re-Thinking Traditional Arab Architecture: A Traditional Approach to Contemporary Living. International Journal of Engineering and Technology [Internet]. 2014 [cited 20 December 2019];:286-289. Available from: هنا

3. Ahmad B, Swied N. Developing a Multi-scale Approach for Rehabilitating the Traditional Residential Buildings within the Old City of Aleppo (Syria). e XIV International Forum “Le Vie dei Mercanti”in World Heritage Degradation: Smart Design, Planning and Technologies [Internet]. 2016 [cited 20 December 2019]. Available from: هنا