الهندسة والآليات > تكنولوجيا الفضاء

تشكيل مادة صناعية أكثر مقاومة للحرارة

يعتقد عديدٌ من الناس أنَّ فرص استمرار البشرية بالحياة على الأرض شبه معدومة، ويرون في استيطان كواكب أخرى مستقبلًا لهم، ممَّا حوَّل المنافسة بين الدول والشركات -التي تعمل في مجال الفضاء- نحو البحث عن طرائق لتصنيع مركبات فضائيةٍ قابلة لإعادة الاستخدام لعمل عدة رحلات فضائية دون حاجةٍ إلى كثير من أعمال الصيانة؛ وذلك لتقليل تكاليف نقل الأشخاص والمواد المختلفة إضافةً إلى تقليل المدة الزمنية الفاصلة بين الرحلات الفضائية، ولكن بناء مثل هذه المركبات يتطلب عديدًا من الأمور مثل مواد ذات مقاومة حرارية عالية وصلابة مرتفعة نسبيًّا (1).

وفي خطوة كبيرة نحو هذه المركبات تمكن علماء المواد السيرامكية الإنشائية من مركز NUST MISIS من الوصول إلى مادة سيراميكية جديدة تُسمَّى كربونتريد الهافنيوم (HfC0.5N0.35) التي تتمتع بأعلى درجة انصهار بين المركبات المعروفة؛ ستساعد هذه المادة في تطوير صناعة المركبات الفضائية وتحديدًا بعض الأجزاء مثل مقدمة المركبة والمحركات النفاثة والأجزاء الحادة الأمامية من حواف أجنحة المركبة التي تتعرض لدرجات حرارة أعلى من 2000 (درجة سيلزيوس ) (1). 

إذ تأتي هنا أهمية المواد ذات المقاومة الحرارية العالية والمستخدمة في عديد من التطبيقات لتأثيرها الكبير في فعالية هذه التطبيقات وإنتاجيتها وتكاليفها، وهناك عديدٌ من العوامل التي تدخل في اختيار المادة المناسبة وتحديد فعاليتها؛ مثل الخواص الميكانيكية والتأكسد ومقاومة التآكل الحراري ووفرة هذه المادة، ولكن عند تعرض هذه المواد لظروف حرارية قاسية لمدة زمنية طويلة يصبح سلوكها معقدًا، ويصعب توقع هذا السلوك تبعًا لنتائج التجارب المخبرية، من هنا تأتي حاجةٌ إلى معدات ذات مقاومة حرارية عالية وتجربة عملية لهذه المواد للحكم على سلوكها في الظروف القاسية ومعرفة كافة المعلومات التقنية الخاصة بها. (1)(2).

ما هذه المادة وكيف يُتوصَّل إليها؟

افترض علماء من جامعة براون (Brown) الأميركية في البداية أن مركب كربونتريد الهافنيوم (Hf-C-N) يتمتع بدرجة حرارة انصهار أعلى بين المركبات (تقريبًا 4200 درجة سيلزيوس) إضافةً إلى ناقلية حرارية عالية ومقاومةٍ للأكسدة، وبناءً على هذا شُكِّل مركب كربونتريد الهافنيوم (HfC0.5N0.35) باستخدام طريقة (self-propagating high-temperature synthesis (1.  

إذ تُجرى هذه العملية عن طريق تسخين جزء صغير من المادة (عادة الجزء العلوي من العينة)، ومن ثَمَّ تبدأ مجموعة من التفاعلات بالحدوث ضمن الأجزاء الأخرى من العينة تدريجيًّا، تتسم هذه العمليات بأنها تطلق كميات كبيرةً من الحرارة، والحرارة الصادرة عن تسخين الجزء الصغير من العينة كفيل بتأمين الحرارة اللازمة لاستمرار هذه التفاعل في بقية أجزاء العينة؛ أي أنَّ التفاعلات التي تحدث في جزء من العينة تحرض حدوث التفاعلات نفسها في باقي الأجزاء عن طريق تأمين الحرارة اللازمة للتفاعل، وحسب الفهم الحالي لهذه العملية تبلغ الحرارة الأديباتية* اللازمة قرابة 1800 درجة سيلزيوس في أثناء مرور موجة الاحتراق هذه ضمن العينة؛ وبذلك تنقي المادة وتحافظ على توازن نسب العناصر المتفاعلة (3).

وتبعًا للتجارب التي أجراها العلماء على المادة الجديدة؛ علموا بأنها مقاومة للآكسدة وذات ناقلية حرارية عالية وصلابة عالية 21.3 GPa، وأن درجة حرارة انصهارها تتعدى 4000 سيلزيوس ولكنَّها لا تزال غير معروفةٍ بدقة؛ وذلك بسبب صعوبة تحديد درجات حرارة الانصهار التي تتعدى هذه القيمة ضمن المخابر، ويسعى العلماء -لاحقًا- إلى إجراء تجارب لتحديد درجة حرارة الانصهار بدقة عن طريق استخدام الليزر أو المقاومات الكهربائية (1)(2).

ويستمر العلماء بإجراء التجارب على هذه المادة لمعرفة خصائصها على نحوٍ أوضح، وتحديد مدى إمكانية الاعتماد عليها؛ إذ تُعدُّ هذه المادة عنصرًا واعدًا في عديدٍ من المجالات وخاصة الصناعات الفضائية، ومن يعلم قد تكون المركبة التي ستقود البشرية عن طريق الفضاء تحتوي على أجزاء مصنعة من هذه المادة.

هامش:

* درجة الحرارة الأديباتية: هي درجة الحرارة التي يُتوصَّل إليها دون أيِّ تبادل للحرارة مع الوسط المحيط. (4).

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا