الطب > مقالات طبية

الساعة البيولوجية والنظم اليوماوي

إن شعور النعاس الذي يرافق أغلب الناس ليلًا، وشعور النشاط الذي يرافقهم صباحًا ليس مجرَّد صدفة! في الواقع، هناك ما ينظِّم شعورنا طوال اليوم، إنه النظم اليومي.

الساعة البيولوجية والنظم اليومي

يعود أصل كلمة النظم اليومي (اليوماوي) Circadian rhythm إلى الكلمتين اللاتينيتين "circa dia" أي "حوالي اليوم" وذلك لأن هذا النظم لا يساوي تمامًا 24 ساعة، بل يختلف من فرد لآخر في مجال أكبر أو أصغر من ذلك بقليل (4,2). ووجد هذا النظم أيضًا في معظم الكائنات الحية الأخرى مثل الحيوانات والنباتات والعديد من الميكروبات الدقيقة (1).

يصف النظم اليومي الظواهر الحيوية التي تتأرجح مع الدورة اليومية، وتتضمن هذه الظواهر: ضغط الدم ودرجة حرارة الجسم ومستويات الهرمونات وعدد الخلايا المناعية في الدم ودورة النوم والاستيقاظ (2)، وتتأثر هذه الظواهر في المقام الأول بالضوء والظلام المحيطين ببيئة الكائن الحي (1).

ولكن، كيف يتم التحكم بهذا النظم؟

تعدُّ الساعة البيولوجية هي المسؤولة عن ضبطه، فتُعرَّف على أنها جهاز توقيت فطري للكائن الحي، تقع الساعة البيولوجية الرئيسية SCN في الوطاء (ما تحت المهاد hypothalamus)، ولكنها ليست الوحيدة حيث توجد ساعات بيولوجية محيطية في مختلف الخلايا والأعضاء والأنسجة كالكبد والكلى والأنسجة الشحمية والقشرة الدماغية، وهي تتكون من بروتينات تتفاعل داخل هذه الخلايا (1,3). 

تأثير الضوء في الساعة البيولوجية

يمكن للساعات البيولوجية التي تعمل بنظم أسرع أو أبطأ من الطبيعي أن تؤدي إلى نظم يومية متقطعة أو غير طبيعية، ولكن كيف من الممكن أن يؤثر الضوء في هذا النظم؟

في الواقع، يمكن لضوء النهار أن يفعِّل أو يثبط الجينات التي تتحكم بالبنية الجزيئية للساعات البيولوجية، لذا فإنَّ تغيير دورات النور والظلام من الممكن أن يبطئ أو يسرِّع أو يعيد ضبط الساعات البيولوجية، مما يغير أيضًا النظم اليومي (1).

علاقة النوم بالساعات البيولوجية

تتحكم الساعة البيولوجية الرئيسية في الجسم بإنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن الشعور بالنعاس. تتلقى هذه الساعة المعلومات من الأعصاب البصرية، والتي توصل المعلومات من العينين إلى الدماغ، وعند تضاؤل كمية الضوء -كما في الليل- فإن هذه الساعة تحرض إنتاج المزيد من الميلاتونين مما يحفز شعور النعاس.

وهنا يجب الإشارة إلى أنَّ التعرُّض لإشعاعات الهواتف المحمولة ليلًا، أو تغيير نظام النوم لدواعٍ كالعمل الليلي أو الدراسة وغيرها من الممكن أن يغير النظم اليومي المألوف (1).

اضطراب الرحلات الجوية الطويلة Jet lag

اضطراب الرحلات الجوية الطويلة هو متلازمة مؤقتة تتميز بتأثيرات فيزيولوجية ونفسية مختلفة تحدث بعد الرحلات الجوية عبر عدة مناطق زمنية، وتنتج على الأرجح عن اختلال التوازن اليومي في الجسم، حيث ستصبح الساعة البيولوجية للمسافر مختلفة عن الوقت المحلي، ولوحظ عدة أعراض مرتبطة بهذه المتلازمة كالتعب والصداع وفقدان التركيز ومشكلات الجهاز الهضمي كعسر الهضم وفقدان الشهية، وغيرها. 

لا ينتج هذا الاضطراب من السفر شمالًا أو جنوبًا لعدم تغير الخط الزمني، وإنما تنتج عن السفر شرقًا أو غربًا فقط.

تعيد الساعات البيولوجية ضبط نفسها ولكن هذا عادةً يأخذ عدة أيام، ومن المثير للاهتمام، أن عملية إعادة الضبط تكون أصعب عند السفر شرقًا من ضبطها حين السفر غربًا (حيث يطول اليوم) وذلك لأن الدورة اليومية بطبيعة الحال تعد أكثر بقليل من 24 ساعة، مما يسمح لها بالتأقلم مع حالة اليوم المتأخِّر على نحو أفضل (1,3,4).

Zeitgebers 

كلمة ألمانية بمعنى "مانحو الوقت time givers" وهي إشارات تعمل على مزامنة النظم الداخلي للجسم (التوتر والحماس..) مع النظم الخارجي (البيئة المحيطة بما فيها الطعام ودرجة الحرارة والضوء..)، وتتجلى أهمية هذه الإشارات في قدرتها على إحداث تغيرات طورية في النُّظم اليومية؛ فإما أن تؤخِّر هذا الإيقاع وإما أن تُسبّقه. 

إنَّ "مانح الوقت" الأكثر أهمية في مزامنة الساعة البيولوجية هو الضوء، إضافة إلى الميلاتونين وكمية الطعام والتعرض للحرارة وممارسة الرياضة (3).

أهمية دراسة الساعات البيولوجية

قد يؤدي فهم آلية عمل هذه الساعات إلى إيجاد علاجات للعديد من الاضطرابات المتعلقة بها، كاضطرابات النوم والسمنة واضطرابات الصحة العقلية ومرض السكري، وغيرها. ويساعد فهمها أيضًا على تحسين طرائق التكيف مع عمل المناوبات الليلية وفهم جسم الإنسان والأنظمة البيولوجية (1).

ختامًا، ومن وجهة نظر سريرية، تشير العديد من الأدلة إلى الارتباط القوي بين النظم البيولوجية والنوم والمزاج والرفاهية والأداء. وقد تبين مؤخرًا وجود العديد من أنواع العلاجات لاضطراب الساعات البيولوجية كالعلاج بالضوء، والعلاج باليقظة وتغيير وقت النوم والاستيقاظ ودمج إحدى هذه الطرائق بالأدوية (3).

المصادر:

1- Circadian Rhythms [Internet]. Nigms.nih.gov. 2020 [cited 18 May 2020]. Available from: هنا

2- Ishida N, Kaneko M, Allada R. Biological clocks. Proceedings of the National Academy of Sciences [Internet]. 1999;96(16):8819-8820. Available from: هنا

3- Postolache T, Raheja U. Body Rhythms/Biological Clocks. Encyclopedia of Mental Health [Internet]. 2016 [cited 3 June 2020];:193-203. Available from: هنا

4- Melool, S. (2016). Jet Lag and the Biological Clock. The Science Journal of the Lander College of Arts and Sciences, 10 (1). Available from: هنا