الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية

زيت السمك بين الشائعات والحقائق

ما إن نبدأ الحديث عن شعورنا بتراجع قدراتنا الذهنية أو نفصح عن قرب الامتحانات حتى نسمع نصائح بتعاطي المكملات "السحرية" ألا وهي حبوب زيت السمك سواء للكبار أم للأطفال، ناهيك عما يُشاع عن تأثيرها في صحة القلب ونمو شعر الرأس وغيرها الكثير..فما صحة هذه الادّعاءات وما الذي أثبته العلم منها؟ إن كنت من مستهلكي زيت السمك أو تفكر بتناوله قريبًا فإن كل ما يلزمك عنه تجده في مقالنا الآتي..

تشير كلمة زيت السمك إلى الدهون المُستخلَصة من أنسجة الأسماك الدهنية أو كبدها، التي تتركب من أحماض الأوميغا-3 بنسبة ٪30، وأنواع دهنية أخرى بنسبة 70٪، إضافة إلى كمية من فيتامينَيْ A وD تتفاوت حسب مصدر الزيت. ويمكن الحصول عليه من تناول الأغذية الغنية به مباشرةً أو عن طريق المكملات (4,5).

ما أهمية زيت السمك؟

يتميز زيت السمك بوجود اثنين من أهم أنواع أحماض الأوميغا-3 هما حمض eicosapentaenoic acid - EPA الذي يكتسبه السمك من تناول الطحالب، ويؤدي دورًا في تركيب الجسم لمواد محاربة لتخثر الدم والالتهاب مثل (البروستاغلاندين-3 والثرومبوكسان-2)، وحمض docosahexaenoic acid - DHA الموجود في جميع أنحاء الجسم خاصة في النطاف وشبكية العين وقشرة المخ والقلب، إضافة إلى حليب الأم (2,6). ولا يستطيع جسم الإنسان اصطناعها بنفسه أو من أحماض الأوميغا-6 المتوفرة بكثرة في الوجبات الجاهزة، إضافة إلى أنّ الزيوت النباتية تفتقر إلى وجودهما، ومن هنا تأتي أهمية زيت السمك لنا (1,5). وقد يؤدي عوز الأحماض الدهنية الأساسية - بما فيها أحماض الأوميغا-3 المكوِّنة لزيت السمك - إلى حدوث التهاب في الجلد، وظهوره بشكلٍ قاسٍ ومتقشر (9).

ما علاقة زيت السمك بصحة الإنسان؟

تتفاوت قوة البراهين المرتبطة بالعلاقة بين زيت السمك وصحة الإنسان، فهمنا ما هو مثبت ومنها ما هو بانتظار الأبحاث لتبتَّ بأمره، نستعرضها معكم فينا يأتي:

الفوائد الصحية المُثبَتة: 

تترأس العلاقة بين شحوم الدم وزيت السمك قائمة الفوائد المُثبَتة علميًّا، ويزداد التأثير بزيادة نسبة الشحوم في الدم وزيادة الجرعة المُتناولة من الزيت، إضافة إلى دوره في زيادة نسبة الكولسترول الجيد HDL. ويبدو أن تناول زيت السمك يمكن أن يقلل مستويات الشحوم الثلاثية عند مرضى الإيدز الذين يعانون ارتفاع الكولسترول نتيجة العلاجات التي يتلقونها.

لكن تأثير زيت السمك يبقى أقل عند مقارنته بأدوية (الفايبرات Fibrates) التي تُوصَف لعلاج المستويات المرتفعة جدًًّا من الشحوم الثلاثية، ولا تنطبق النتائج نفسها أيضًا على الأطفال والمراهقين المصابين بفرط الشحوم الثلاثية بحسب الأبحاث المُجراة حتى الآن (1,3).

الفوائد الصحية المُحتمَلة لتناول زيت السمك:

ما زالت هذه الحالات بانتظار مزيدٍ من الأبحاث قبل التأكد من تأثير زيت السمك فيها، وعلى أية حال يُنصح باستشارة الطبيب دائمًا قبل تناول زيت السمك بهدف علاجي.. وفيما يأتي نذكر بعض الحالات الصحية التي قد يكون لزيت السمك دورٌ في التعامل معها وتحسينها:

1- تقليل احتمال انسداد الأوعية الدموية بعد القثطرة وعمليات مجازة الشريان التاجي، والوقاية من ارتفاع ضغط الدم (1,2,7). 

2- قد يؤدي أدوارًا إيجابية في فترة الحمل؛ مثل خفض احتمال الإجهاض وزيادة معدل بقاء المولود لدى الحوامل المصابات بمتلازمة المناعة الذاتية المُسماة "أضداد الشحوم الفوسفورية" (1)، وقد يساعد استهلاكه في الثلث الأخير من الحمل على تعزيز التطورَ الحسي والحركي والمعرفي لدى الجنين (2). ومن جهةٍ أخرى، قد يدعم تناوله في أثناء الحمل والإرضاع نمو دماغ الجنين، وتطور النمو البصري ومهارات حل المشكلات وتقليل مخاطر الربو والحساسية الغذائية لاحقًا في مرحلة الطفولة (3,5).

3- لوحظ دوره في تحسين الانتباه والوظائف العقلية والسلوكية لدى الأطفال المصابين بمتلازمة (ADHD) نقص الانتباه وفرط النشاط (1). 

4- قد يحسن أعراض الاكتئاب المُصاحِب لاضطراب ثنائي القطب ويحسن مزاج مرضى السرطان، كذلك يمكن أن يقلل تناوله بانتظام في أثناء الحمل خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة (1,2).

5- قد يساعد على تخفيف آلام الطمث وخفض احتمال الإصابة بسرطان بطانة الرحم، ويبطئ معدل فقد عظام الفخذ والعمود الفقري لدى المسنين المصابين بهشاشة العظام (1). 

6- يمكن أن يقلل أعراض الأمراض الالتهابية وخصوصًا الروماتيزم (1,5,7).

التأثيرات الصحية المتناقضة: 

توصلت بعض الأبحاث إلى نتائج متضاربة عند دراسة تأثير زيت السمك في بعض الحالات الصحية، ومن هذه الحالات الصحية نذكر كلًّا من آلزهايمر والخرّف والاكتئاب (خصوصًا حسب شدة الحالة قبل بدء العلاج) وسرطان البروستات والصرع وتليف الكبد والتصلب اللويحي المتعدد والسكري والربو وداء كرون وغيرها الكثير (1,2,4)، لذا يجب الالتزام بتعليمات الطبيب المعالج ووعدم تناول أي نوعٍ من المكملات دون استشارته أولًا.

ما الجرعة الملائمة من زيت السمك؟ وهل يمكن الحصول عليها من الغذاء؟ 

لا توجد توصيات للكمية المناسبة من زيت السمك؛ بل توجد مجموعة توصيات تتعلق بكمية أحماض الأوميغا-3 بأنواعها المختلفة، إضافةً إلى توصيات لنوعَيْها الأساسيَيْن DHA وEPA، مع وجود بعض الاختلافات المتعلقة بالعمر والجنس والحالة الصحية (6).

وتبلغ الحاجة اليومية للبالغين من أحماض الأوميغا-3 بأنواعها المختلفة 1600 ملغ للذكور، و1100 ملغ للإناث، ويُنصَح أن يتراوح المدخول اليومي المرجعي من أحماض EPA وDHA معًا بين 250-500 ملغ، وعادةً يحتوي كل 1000 ملغ من زيت السمك على 300 ملغ من هذين الحمضين معًا.

وعمومًا يمكن الحصول على كمياتٍ جيدةٍ من أحماض أوميغا -3 المتنوعة عن طريق الغذاء، لكن الوصول إلى النسب المذكورة أعلاه يتطلب عادةً تناول 224 غ من الأسماك الدهنية أسبوعيًّا، لذا فإن تناول المكملات قد يكون جيدًا أحيانًا لتعويض أي نقص محتمل، وتتوفر المكملات بشكل حبوب أو كبسولات أو سائل (3,7). ويُنصح هنا بشراء الأنواع التي تحتوي على مضادات الأكسدة والفيتامين E لحمايتها من التزنخ فضلًا عن ضرورة حفظها بعيدًا عن الضوء وتناولها مع الوجبات الرئيسية وخصوصًا التي تحتوي على الدهون (1,5). 

ويجب ألا تزيد الجرعات الفموية عن 3000 ملغ يوميًا؛ أي 3 غ، إذ تسبب الكميات الفائضة صعوبة تخثر الدم وضعف استجابة الجهاز المناعي (1,7)ورائحة عرق كريهة (9) واضطرابات هضمية مثل التجشؤ وحرقة المعدة وعسر الهضم والغثيان والإسهال والغازات، وقد يُحفز إنتاج الغلوكوز مما يرفع مستويات سكر الدم لدى مرضى السكري (8,7,2,1).

ويُنصح الأشخاص الذين يعانون حساسيةً للأسماك وثمار البحر بالحذر عند التعامل مع مكملات زيت السمك (1,2,7)، والحصول على احتياجهم من الأوميغا-3 عن طريق زيت الصويا (3)، وزيت الكانولا (9)، والبيض، وبذور الكتان والقنّب والشيا، والجوز، والفجل، والريحان الطازج، والطرخون المجفف، والخضار الورقية الخضراء الداكنة (2). 

التداخلات الدوائية: 

قد تتعارض حبوب منع الحمل مع دور مكملات زيت السمك في خفض الشحوم الثلاثية (1,7)، ويمكن لتلك المكملات أن تزيد تأثير الأدوية الخافضة للضغط (1,7,8)، فضلًا عن احتمال تداخل تلك المكملات مع مميعات الدم (1,2)(6-8). 

الخاتمة:

يتضح من كل ما سبق أنّ معظم فوائد زيت السمك وأحماض الأوميغا-3 غير مدعمة بنتائج قاطعة حتى اللحظة، لذا تذكر قبل تناول المكملات الغذائية أن فائدتها ربما مبالغ بها، قد لا تحمل الحل لمشكلتك الصحية، بل قد يكمن الحل ببساطة في الاهتمام بالحمية الصحية على نحو أكبر، لا سيما أن تناول المكملات يجب أن تكون دائمًا بإشراف الطبيب المعالج.

المصادر:

1. Fish Oil: Uses, Side Effects, Interactions, Dosage, and Warning [Internet]. Webmd.com. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا

2. Fish oils and omega-3 oils: Benefits, foods, and risks [Internet]. Medicalnewstoday.com. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا

3. Fish Oil Dosage: How Much Should You Take per Day? [Internet]. Healthline. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا

4. Frank K, Patel K, Lopez G, Willis B. Fish Oil Research Analysis [Internet]. Examine.com. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا

5. 13 Important Benefits of Fish Oil, Based on Science [Internet]. Healthline. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا

6. How much omega-3 do people need per day? [Internet]. Medicalnewstoday.com. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا

7. Fish oil [Internet]. Mayo Clinic. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا

8. 8 Little-Known Side Effects of Too Much Fish Oil [Internet]. Healthline. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا

9. Office of Dietary Supplements - Omega-3 Fatty Acids [Internet]. Ods.od.nih.gov. 2020 [cited 7 June 2020]. Available from: هنا