علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

كيف يؤثر الخوف من الالتزام والألفة في حياتنا؟

أولًا: الخوف من الالتزام:

دور الأب والأم أكبر مما نتخيل:

في الواقع يقع لومٌ كبيرٌ على الأهل في زرع الخوف من الالتزام في أطفالهم، إذ تفترض "نظرية التعلق" أنه في أوقات التوتر يسعى الطفل إلى التقرب من مقدّمي الرعاية الخاصة به بغيةَ الدعم العاطفي، فإذا كان الوالد غيرَ مستجيبٍ أو متطفلًا على نحو مفرطٍ، يتعلم الطفل تجنّب مقدم الرعاية الخاص به، وتعكس علاقات البالغين هذه التجاربَ السابقة فعندما تُلبّى احتياجات الطفل في مرحلة الطفولة يقترب بدوره من علاقات الكبار بمزيد من الثقة، ويسعى إلى التقرب والمشاركة والرعاية والمرح، فتجنُّبُ الاعتماد على الشريك هي آلية دفاعية وليس تجنبًا للألفة (1).

ولكن لا تخف، فكثيرٌ من الناس يستخدمون هذه العبارات عرَضيًّا ولكن في الواقع الالتزام (والخوف منه) غالبًا ما يكون معقدًا للغاية، إذ يعد الالتزام مصطلحًا واسعَ النطاق، ولكنه يعود عمومًا إلى تكريس نفسك لشيء ما فترةً طويلةً سواء كان ذلك وظيفةً أو هدفًا أو علاقةً، ويميل مفهوم قضايا الالتزام إلى الظهور في أغلب الأحيان في سياق العلاقات الرومانسية (3)، وقد يؤدي إلى سوء التكيّف الاجتماعي (2).

فهل تعتقد أن لديك خوفًا من الالتزام؟ إليك بعض الأشياء التي يجب مراقبتها:

 من المهم أولًا أن تضع في ذهنك (3):

1. إذا أدركت بعضًا من السلوكيات (التي ستُذكر لاحقًا) في نفسك أو مع شريكك فهذا لا يعني أن علاقتك محكومٌ عليها بالفشل.

2. لا تنشأ مشكلاتُ الالتزام دائمًا بسبب الخوف.

3. الالتزام ليس مثل الحب؛ فمن الممكن أن تحب شريكك ولا تزال تواجه مشكلةً في الالتزام.

قد يكون الحظ العاثر هو السبب في فشل علاقاتك بعد مدةٍ قصيرة، ولكن من جهةٍ أخرى قد تعاني خوفًا من الالتزام سنساعدك على اكتشافه من خلال السلوكيات الآتية:

1) لا تريد المواعدة بجدية.

2) لا تفكر في مستقبل العلاقة: هذا طبيعي تمامًا، إذ يقضي معظم الناس وقتًا بالتفكير فيما إذا كان الشخص الذي يواعدونه سيجعل حياتهم أفضل، فإذا لم يتمكنوا من رؤية المستقبل معه فقد ينهون العلاقة ويمضون قدمًا، لكنّ بعض الناس لا يفكرون في المستقبل على الإطلاق ولا يريدون ذلك!

3) تقضي كثيرًا من الوقت بالتشكيك في العلاقة: ربما لديك مشاعر قوية تجاه شريكك وتستمتع بقضاء الوقت معه ومع ذلك لا يمكنك التوقف عن سؤال نفسك:

من الطبيعي أن تطرح على نفسك أسئلة كهذه من وقت لآخر، خاصةً إن كنت تهتم بالشخص حقًّا ولا تريد أن تفقده.

4) لا تريد وضع الخطط:

هل تتجنب وضع خطط للعطلة؟

هل تعطي ردودًا غامضة مثل "ربما" عندما يحاول شريكك وضع الخطط؟

وهل التفكير في الخطط التي قد وضعتها يجهدك لدرجة أن ينتهي بك الأمر إلى إلغائها؟

تشير عدم الرغبة في وضع خطط في بعض الأحيان إلى أنك لست مهتمًا بالشخص الذي تواعده خاصة إذا كنت تنتظر احتمال وجود خطط أفضل، ولكن عندما تحب هذا الشخص وتستمتع معه ولا تزال تشعر بالقلق فقد تكون المشكلة هنا هي الالتزام.

5) لا تشعر بالارتباط العاطفي:

يمكن أن تتطور مشاعر الالتزام استجابةً لمشاعر القلق أو الخوف من فقدان شريك، فإن كنت تشعر بالارتباط الآمن وتريد استمرار العلاقة يجب أن تعمل كل المطلوب لجعلها تستمر، ولكن إن لم تشعر بأي تعلقٍ عاطفي تجاه شريكك فقد لا تهتم لفقدانه.

التغلب على الخوف من الالتزام (3):

إن كنت ترغب في تعميق التزامك ففكر في هذه الأساليب:

1. العلاج الفردي: من المفيد اللجوء إلى معالجٍ نفسيّ لمعرفة الأسباب وراء مشكلات الالتزام فقد تكون لها صلةٌ بعلاقاتٍ سابقة أو بتجاربِ الطفولة، إذ يمكنهم مساعدتك على معالجة مخاوف الالتزام بطريقة متعاطفة وخالية من الأحكام.

2. العلاج المشترك (مع شريكك): إن كنت تحب شريكك حقًا وترغب في جعل العلاقة ناجحة ولكن هناك ما يعيقك ويمنعك من الالتزام يمكن أن يساعدك هذا النوع من العلاج على نحو فعال.

3. تطوير عادة تلتزم بها مع شريكك: من المفيد تطوير عادات خاصة بينكما تلتزمان بها لتحرركما من خوف الالتزام شرط أن تنبع من الرغبة المشتركة لإنجاح العلاقة.

---------------------------------------------------------

ثانيًا: الخوف من الألفة (التقرب):

ليس صعبًا العثور على الحب فقط ولكن من الصعب قبوله أيضًا، فقد يقول معظمنا أننا نريد شريكًا محبًّا لكن لدى كثيرٍ منا مخاوف عميقة من التقرب، مما يصعب تكوين علاقة وثيقة، وغالبًا ما تهدد تجربة الحب الحقيقي دفاعاتنا الذاتية عندما نفتح أنفسنا أمام شخص آخر، فالوقوع في الحب لا يجلب الإثارة والإنجاز فقط، بل يسبب القلق والمخاوف من الرفض والخسارة المحتملة ولهذا السبب يتجنب كثيرٌ من الناس العلاقاتِ العاطفية (4).

الأسباب:

1. الطفولة:

 يبدأ "الخوف من التقرب" بالتطور منذ الطفولة، فعندما نعاني الرفضَ أو الألم العاطفي نتعلم عدم الاعتماد على الآخرين بوصفه آليةً للتكيف، وقد نبدأ حتى بالاعتماد على إشباع الخيال بدلًا من التفاعلات مع الآخرين، وعلى عكس الناس لا يمكن للأوهام أن تؤذينا، ومع مرور الوقت قد نفضل هذا الخيال على التفاعلات الشخصية الفعلية لأننا نخشى التعرض لتجربة الألم العاطفي مرة أخرى، ولكن على الرغم من أن الخوف من التقرب عمليةٌ غير واعيةٍ إلى حدّ كبير فإنه من الممكن ملاحظة تأثيرها في سلوكنا عند دفعنا للشريك بعيدًا عنا أو عندما نجعل من محبتنا أمرًا صعبًا. ربما تقلل هذه السلوكيات خوفنا من التقرب لكنها تكلفنا الكثير، فالتصرف بناءً على مخاوفنا يحافظ على صورتنا السلبية الذاتية ويمنعنا من تجربة المتعة والفرح العظيمين اللذين يقدمهما الحب (4).

2. الخوف من الفقدان:

يعد سببًا رئيسًا للخوف من التقرب، وقد يتعايش هذان الخوفان في كثير من الأحيان على الرغم من اختلافهما عن بعضهما بعضًا على نحو كبير (5).

3. الخوف من الهجر:

غالبًا ما ينتج ذلك عن التخلي العاطفي أو الجسدي للطفل من قبل أحد الوالدين أو أي شخص مقرّب آخر (5).

4. الخوف من الانقياد:

أولئك الذين لديهم خوف من الانقياد يخافون السيطرة أو "فقدان أنفسهم" في العلاقة (5).

5. الرهاب الاجتماعي:

قد يحدث الخوف من التقرب نتيجة اضطراب الرهاب/ القلق الاجتماعي، ويعدّ جزءًا منه (5).

كيفية التغلب على الخوف من التقرب (5):

1. العلاج النفسي: اختر المعالج الخاص بك بعناية؛ لأن علاقة الاحترام المتبادل والثقة ضرورية للشفاء، كذلك يعاني العديد من الأشخاص الذين لديهم خوف من التقرب مشكلاتِ الاكتئاب وتعاطي المخدرات والقلق التي يجب معالجتها، إذ يمكن للمعالج أن يساعد في هذه المخاوف الفردية أيضًا.

2. الاستعداد للتقبل: من المهم تقبل حقيقة أنه لا توجد ضمانات في الحياة أو في العلاقات الإنسانية فكل اتصال مع شخص آخر هو مقامرة في نهاية المطاف، وعلى الرغم من ذلك فإن العلاقات الاجتماعية هي الهدف الأساسي لوجود الإنسان.

3. الشفقة على النفس: إذا كنت تعرف حقًّا قيمتك الخاصة وتقدرها فأنت تعلم أن الرفض ليس مدمرًا كما قد يبدو، بل ستكون قادرًا على التعامل مع أي وضع تتعرض له.

4. انظر إلى ماضيك: معظمنا لا يريد التفكير سلبيًّا في أحد الوالدين، ولكن حاول تقييم علاقات طفولتك بصدق في محاولة للتركيز على المساهمات المحتملة لخوفك من الألفة.

5. انظر إلى أهدافك: ماذا تريد في الحياة؟ هل تريد علاقة حميمة طويلة الأمد؟ إذا كان الأمر كذلك كيف دفعت بالناس بعيدًا في الماضي؟ ولذلك خصص بعض الوقت لمراجعة رغباتك وأهدافك.

6. امنح نفسك الوقت: لن تتغلب على الخوف من التقرب بين عشية وضحاها، حاول ألا تنظر إلى خوفك على أنه عيب في الشخصية بل ببساطة شيء ينبع من ماضيك البعيد الذي يمكنك العمل عليه من أجل الحصول على مستقبل أفضل.

المصادر:

1- 'Commitment-phobic' adults could have mom and dad to blame [Internet]. ScienceDaily. 2020 [cited 26 April 2020]. Available from: هنا

2- APA Dictionary of Psychology [Internet]. Dictionary.apa.org. 2020 [cited 26 April 2020]. Available from: هنا

3- Fear of Commitment: 16 Signs and Tips [Internet]. Healthline. 2020 [cited 26 April 2020]. Available from:هنا

4- Understanding Fear of Intimacy [Internet]. PsychAlive. 2020 [cited 1 May 2020]. Available from: هنا

5- How a Fear of Intimacy Can Cause You to Avoid or Sabotage Relationships [Internet]. Verywell Mind. 2020 [cited 1 May 2020]. Available from: هنا