كتاب > روايات ومقالات

مراجعة كتاب (غرفة المسافرين): لماذا نسافر؟

 يُعدُّ (عزت القمحاوي) كاتبًا متنوعًا فقد كتب في أجناس أدبية عديدة مثل الرواية والقصص القصيرة والمقالات والنص المفتوح، ونالت روايته (بيت الديب) جائزة نجيب محفوظ عام 2012، ووصلت روايته (يكفي أننا معًا) إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد في دورتها الثانية عشر، وتُرجمت بعض أعماله إلى الإنجليزية والإيطالية والصينية، ويُعدُّ كتاب (غرفة المسافرين) أحدث إنتاجاته الأدبية.

تتحدث مقالات الكتاب عن السفر ومعناه وفلسفته فيرى أنَّ السفر قد يكون عن طريق قصة في كتاب، فيتحدث في الباب الأول المُعنون بـ(في المعنى) عن بعض قراءاته التي يسافر بطلها إلى مكان آخر أو يُشاع أنَّه سافر إلى مكان آخر، ويتحدث عن ولعه بالسفر الذي بدأ منذ الطفولة عندما رأى في مجلة ما صورةً للريف الإنجليزي فرغب في زيارته.

ويفترض الكاتب أنَّ ولع الإنسان بالسفر بدأ منذ أن عرف الإنسان ألم الوجود؛ فالمسافر يسعى إلى العيش الكثيف طالما أنَّ وقتنا على الأرض محدود، وقد تكون رغبة الإنسان في السفر لتوسيع المكان، وبعض المسافرين يفعل ذلك بتشرُّب المشاعر والأحاسيس التي يتيحها المكان الجديد، ويطلق بعضهم الكاميرات لاقتناص أكبر كمية من الصور على أمل العودة إليها واجترارها فيما بعد، ويطلق بعضهم الخيالات الجامحة، فيرى هؤلاء ما حلموا برؤيته، لا ما يرونه بالفعل.

"يحتاج المسافر إلى ساقين قويتين تحملانه وذراعين قويتين تجرّان الحقيبة، ومعدة قوية تستجيب لنزواته، وما لا أدري من مظاهر القوة اللازمة لإشباع رغباته، لكنه يحتاج إلى عينين أكثر من كل شيء."

وتبقى العينان أكثر شيء يحتاجه المُسافر ليرى جمال البلاد التي يزورها؛ فمع ابتداع شركات السياحة لوسائل تخدم المكفوفين بوصف ما يُعرض أمامهم من تحف أو أماكن طبيعية، فهو يحتاج إلى عين شخص مُحب تنقل له ما ترى لا عين المُرشد السياحي الذي ينقل المعلومة دون مشاعر.

بالإضافة إلى أنَّ الغموض أبرز ما يحرِّك رغبة الإنسان في السفر؛ فيحقق متعة الاكتشاف وفكَّ الغموض عن هذا المكان أو ذاك، أو تجريب متعة غموض رحلة السفر نفسها وما قد يلاقيه من متاعب أو تسهيلات، ومن سيجلس بجانبه في الطائرة؟ هل هو رجل أم امرأة؟ هل هو شابٌّ أم شيخ؟ هل هي فتاةٌ أم أُمٌّ لطفلٍ رضيع؟

وعلى الرغم من المتعة التي تصاحب المسافر في رحلته، هناك شعور بالخوف من الموت، فقد يكون السفر -في رأي الكاتب- محاولة لاستئناس الموت؛ إذ لا مَهرب منه، فقد يموت المُسافر في رحلته بدلًا من الاستمتاع بها، ويبقى هذا الشعور مسيطرًا على المسافر حتى يصل إلى وجهته بسلام، وعلى الجانب الآخر يتعامل الأهل والأصدقاء مع المُسافر وكأنَّه غير موجود في حياتهم، فلا يثقلونه بأيَّة أخبار أو أحداث سيئة حدثت في غيابه؛ لئلا ينغصوا عليه رحلته، ولأنَّ معرفته بتلك الأخبار لن تفيدهم بشيء لعجز المسافر عن مساعدتهم في مشكلاتهم.

"يخفف السفر من ارتباطات الإنسان بماضيه، بتقاليده، ويكون المرء جاهزًا لتمثيل العودة إلى البدائية الأولى عندما لم يكن للإنسان ماضٍ ولا رغبة في الثروة أو المجد."

فلا يمانع تجربة نوع جديد من الطعام لم يألفه في بلده، أو ينام في العراء مع غرباء عنه بدون خوف.

ولا يصف الكتاب الأماكن التي زارها على نحوٍ ينقل القارئ إلى هناك على الرغم من تحدثه عن تلك الأماكن بقدر ما يصف شعور المسافر وفلسفة السفر وأنواع المسافرين، وحتى حقائبهم وما قد تقوله تلك الحقائب عنهم، وقد استعرض بعض الكتب والأفلام التي تتحدث عن السفر حتى؛ ليترك للقارئ  بعض عناوين لكتب وأفلام لا يعرفها من قبل أو يعرفها، ولكن؛ عندما يقرؤها ويشاهدها مرة أخرى يراها بعين أخرى ووجهة نظر أخرى.

معلومات الكتاب:

القمحاوي، عزت. (2020). غرفة المسافرين. (ط.1). مصر: الدار المصرية اللبنانية. عدد الصفحات: 239.