الموسيقا > سلسلة الأوبيراهات

سلسلة الأوبريهات: (قيثارة البعث) أوبرا أورفيو و يوريديس;

القصة الكاملة:

عُرف أورفيو "ORFEO" ، ابن الملك إيغرو " Eagro "  ملك  تراشيا " Tracia " ، بكونه أشهر شاعر وموسيقي على الإطلاق في عصره لما منحه  إله الشمس والموسيقا والنبوءة  أبولو  APOLLO من قوة ليس لها حدود من خلال الموسيقا، فلم يكن له منازع سوى الآلهة، فقيثارته السحرية وغنائه العذب أعطته القدرة على ثني الأشجار وتحريك الصخور وترويض الحيوانات المتوحشة وتحويل مجرى الأنهار وحثّ الجميع على اتباعه.

كان أورفيو، إضافة إلى كونه موسيقياً جيداً فتى شجاعاً جداً؛ إذ قرر المغادرة مع مجموعة من البحارة  إلى كولشيس بحثاً عن الصوف الذهبي "Vello d'oro" الذي - وفقا للميثولوجيا الإغريقية- لديه القدرة على شفاء جروح من يرتديه، ليتزوج من EURIDICE بعد عودته من هذه المغامرة (4).

في أحد الأيام، بالقرب من تيمبي في وادي نهر بينو، قابلت يوريديس أريستو "Aristeo" عند مصبّ النّهر، والذي حاول التحرش بها وفي محاولتها للهرب  من أريستو تدوس على ثعبان في الغابة، فيعضّها  مما يتسبب في وفاتها لاحقاً .

  قرر ORFEO الشجاع، اليائس لموت حبيبته، النزول إلى العالم السفلي عبر بوابة "Tartarus" على أمل إعادتها إلى الأرض (4). 

عند وصوله إلى العالم السفلي لم يتمكن فقط من أن يسحر المارد " تشارون" شيطان العبّارة الذي يقود الأرواح إلى هايديس عبر نهري Styx و Acheron واللذين يفصلان عالم الأحياء عن العالم السفلي، بل تمكن أورفيو أيضاً من أن يسحر قضاة الموت الثلاثة بموسيقاه العذبة والرائعة، ليصل إلى هايديس ويتمكن من أن يأسر قلبه بموسيقاه وإقناعه بإعادة حبيبته EURIDICE  إلى عالم الأحياء (4).

لكن مع ذلك فرضت الجحيم شرطاً، وهو أنه في خلال صعوده بوابة العالم السفلي " Tartarus" ، عليه ألا يتراجع ORFEO ولا يتكلم حتى تصل EURIDICE إلى برّ الأمان وترى ضوء الشمس. طوال رحلة العودة اتّبعت يوريديس صوت قيثارة ORFEO، ولكن بمجرد أن رأى أورفيو النور، استدار ليتحقق مما إذا كان EURIDICE  خلفه لتشاهده هي الأخرى ويفقدها إلى الأبد (4).

من الميثولوجيا الإغريقية وصولاً إلى صالات العرض العالمية:

عُرضت Orfeo ed Euridice للكاتب كريستوف ويليبالد غلوك " Christoph Willibald Gluck " أول مرة في مسرح Burg النمساوي في العاصمة فيينا في الخامس من تشرين الأول / أكتوبر من العام 1762 في يوم الاحتفال السنوي باسم الإمبراطور هابسبورغ فرانسيس الأول "Habsburg Francis I " .

لقد شهد ذلك اليوم بداية تجديد لمسار أوبرا التنوير في قالب ثوري متوازن وبسيط في ذات الوقت والذي ألقى بثقله على ساحة التكوين الدرامي من عصر موزارت" Mozart " وفاجنر "Wagner " وديبوسي " Debussy " ومَن بعدهم …

وفي العام نفسه أُدِّيَ هذا العمل الأوبرالي ما يزيد عن الـ 19 مرة في النمسا وحدها، وخلال عقد من الزمن ذاع صيت

" Orfeo ed Euridice " في كامل أرجاء أوروبا ليصل بذلك غلوك إلى بوابة الشهرة العالمية بعد اعتراف عدد من النقاد مثل "Voltaire " و "Rousseau " بذلك (1).

ما الذي يميز أوبرا "Orfeo ed Euridice" ؟!

الجدير ذكره أن مهارة غلوك في التأليف لم تكن السبب الوحيد وراء جمال هذا العمل وطابعه الدراميّ المميز، فعبقرية الملحن وكاتب الأغاني " Ranieri de’Calzabigi " الذي استخدمَ نسخة موسيقية محدّثة التي ستشكل لَبِنة الأساس لأعمال موسيقية أخرى لاحقة، إذ قُلل وجود التفاصيل والانتقالات الصوتية والمقاطع الغنائية الفردية المسماة ( da capo aria) التي كانت سائدة في عصر الباروك لتنتقل إلى استخدام المقاطع الجماعية الطبيعية وغير المصطنعة ليبرز دور الكورال جلياً فيها متاثراً بالنمط الفرنسي السائد آنذاك " Tragédie lyrique "، والذي ارتبط بالأساطير والروايات الرومانسية والملاحم في ذلك الوقت.

تعرضت أوبرا غلوك الشهيرة إلى عدد من المراجعات النقدية وإعادة الإخراج بنسخ مختلفة لاحقاً، لكن النسخة الأصلية في عام 1762 تبقى صاحبة الرواية الدرامية المتماسكة ذات التعابير الموسيقية المهيبة، ليغدو الهدف الأساسي لهذه الدراما التنويرية هو تصوير جوهر المشاعر الإنسانية بوضوح . اعتمد رانييري على استخدام الأسلوب الصوتي المباشر قدر الإمكان؛ إذ أن العمل الأوبرالي لا يحتوي إلا على ثلاثة تكرارات قلبية في صرخات "Euridice" ل " Orfeo " إضافة إلى خلوّ الموسيقا التصويرية من الزينة الصوتية ornaments وغناها بألوان الموسيقا الداكنة.

يبرز ذلك في مشهد جوقة الجنازة الافتتاحية، فتظهر أصوات الجحيم والنحيب بوضوح من الجوقة في الخلفية تارةً وأصوات الطبيعة من العصافير والمياه المتدفقة، وأنابيب الرعاة تارةَ أخرى، لتُدمَج في قالب موسيقي واحد لإضفاء مزيد من التناسق الدرامي إلى العمل (1).

العمل الأوبرالي :

تتجسد أوبرا غلوك الشهيرة في ثلاثة فصول ملتزمةَ إلى حد ما بالأسطورة القديمة دون النهاية

المشهد الأول: Act I

في افتتاحية المشهد الأول يظهر Orfeo حزيناً على قبر Euridice -التي ماتت بعضّة ثعبان وفقاً للاسطورة- وسط غناء الحوريات والرعاة في جوقة جنائزية حزينة، وفي تحدٍ للقدر قرر أورفيو إعادة يوريديس من الموت، يغادر المُشيعون تاركين أورفيو وحده بالقرب من حبيبته ليجيب نداءه صدى بعيدا فيَظهر له الحب على هيئة ملائكية ويُخبِرَهُ أنه لديه إذن لدخول مملكة الموتى المحظورة مستخدماً قوة الموسيقا فقط في رحلته لتطويع حراس العالم السفلي لكن بشرط واحد ألا ينظر أورفيو إلى يوريديس حتى عودتهم إلى عالم الأحياء وإلا ستضيع منه إلى الأبد (2,3).

المشهد الثاني: Act II 

يقف أورفيو على مشارف أبواب العالم السفلي ليرى ما يقف في طريقه، فهناك جوقة مرعبة من آلهة الانتقام المسماة " Furies" تحذّره من التهديدات القادمة، لكن أورفيو تمكن من خلال عزفه على القيثارة وغنائه، من تهدئة كل من سيربيروس ( الوحش ثلاثي الرؤوس الحارس لبوابة الجحيم وفقاً للميثولوجيا الإغريقية) وآلهة الانتقام، ليصل أورفيو إلى هايديس ويجلب يوريديس معه، مع مراعاة تعهده بعدم النظر إليها في طريق العودة (2,3).

المشهد الثالث: Act III 

تنظر يوريديس مع الملائكة التي تحملها إلى أورفيو صاعدين في درب الجحيم بهدوء لتحيط بهم أشعة الشمس القادمة من عالم الأحياء، وبدوره يقاوم أورفيو الإغراء ويرفض بعناد النظر إلى ايروديس، فتسأله يوريديس وتناديه مراراً بغية معرفة سبب هذا السلوك اللاعقلاني، لكنه يرفض الشرح ولكن بدأ صبر أورفيو ينفد قبيل وصولهم إلى نهاية درب العودة وينظر إلى يوريديس، فيُبطل بذلك شرط العالم السفلي الوحيد ويخسر يوريديس إلى الأبد (1,2) …

على الرغم من عدم وجود رقص في أداء هذه الأوبرا في الوقت الحاضر، لكن وجود الباليه فيها كان حاسماً في ذلك الوقت، فلقد كان أداةً لإحداث التناغم الحركي مع تراتيل الجوقة في الخلفية والآلات على الجانبين، لينتقل إلى حذف مشهد الباليه المطول في نهاية العمل الأوبرالي لاحقاً، ويصبح هذا العمل المعدل مشهوراً على وجه الخصوص جامعاً التناظر والتوازن بين الخير والشر، الحب والغيرة، الضوء والظلام، الملائكة والشياطين، وبالطبع عالم الأحياء والأموات.

المصادر:

1- Willibald Gluck, C., 2020. Orfeo Ed Euridice. [online] Available at: هنا  [Accessed 2 May 2020].  

2- Eurydice, O., 2020. Orpheus And Eurydice | Discover Opera | English National Opera. [online] Eno.org. Available at: هنا  [Accessed 4 May 2020]. 

3- Worldofopera.org. 2020. Ancient Story, Cutting Edge Opera: Gluck's 'Orfeo Ed Euridice'. [online] Available at: هنا  [Accessed 4 May 2020].

4- Lee, M., 2020. The Myth Of Orpheus And Eurydice In Western Literature. [online] Open.library.ubc.ca. Available at: هنا  [Accessed 4 May 2020].

5- Woodlief, A. (n.d.). The story of Orpheus and Eurydice. Retrieved May 14, 2020, from: هنا