الفنون البصرية > فن الشارع

تاريخ الفن البيزنطي

في عام 330 بعد الميلاد، نقلَ قسطنطين الكبير* العاصمة الإمبراطورية القديمة من روما إلى مدينة بيزنطة الواقعة في أقصى شرق القارّة الأوروبية في تقاطعٍ رئيسٍ للتجارة بين الشرق والغرب. وقد أعاد الإمبراطور تسمية هذه المدينة الساحليّة القديمة إلى القسطنطينية (إسطنبول حاليًّا)، كانت تُسمّى أيضًا "روما الجديدة"؛ بسبب مكانتها الجديدة كونها عاصمة سياسية للإمبراطورية الرومانية.

حكمت الدولة المسيحية التي كانت تتحدّث اليونانية في النهاية من تلك المدينة التي أطلق عليها المؤرخون المعاصرون بيزنطة (3،1).

*الإمبراطور قسطنطين الكبير.

امتاز الفنُّ البيزنطيّ عمومًا بالابتعاد عن التقليد الكلاسيكي الأعمى متّجهًا نحو الأُسلوب المتجرّد، على الرغم من أنَّ السيادة  كانت للأعمال الفنية التي تحتوي على رسالة دينية، إلّا أن الفنَّ البيزنطي أصبح أكثر تعبيرًا وخيالًا بحلول القرن الثاني عشر الميلادي.

أدّى الفنانون البيزنطيون دورهم بتجميل كلّ شيءٍ ابتداءً من المباني وصولًا إلى الكتب باستخدام الأحجار الزّاهية، والفُسَيفَسَاء الذّهبية، واللوحات الجداريّة النابضة بالحياة، والعاج المنحوت بحرفيّة عالية، والمعادن الثّمينة عمومًا، وبلا أدنى شك إنّ إرثَهم الأكبر والأطول هو الأيقونات المستمرّة -حتى اليوم- في تزيين الكنائس المسيحية حول العالم.

أيقونة بيزنطية لعذراء وطفل، معروفة باسم "أيقونة فلاديمير" (1).

لما كانت بيزنطة القسمَ الشرقي للإمبراطورية الرومانية في مرحلتها الأولى، فإنه ليس من الغريب أنّ التأثير الروماني كان قويًّا، فقد غلب على التأثير البيزنطي؛ إذ استمرّوا في التقليد الروماني، وفيه يُجمع الفن العتيق ويُقدّر ويُعرض خاصةً بين الطبقات الأكثر ثراءً في بيزنطة. 

أُعيدت صياغة موضوعات مثل التقاليد الكلاسيكيّة والمَشاهد الدينيّة التقليديّة لقرنٍ تلو الآخر، ولكن في الوقت نفسه يكشفُ الفحص الدقيق للأعمال الفرديّة تفاصيل النهج المتغيّر باستمرارٍ للفنّ كما هو الحال في السينما الحديثة التي تُعيد تشكيل قصة مألوفة بانتظامٍ بالإعدادات نفسها والشخصيات نفسها، عمل الفنانون البيزنطيّون في حدود معيّنة لاتّخاذ خيارات حول أفضل طريقة لتقديم موضوع ما، وما يمكن إضافته وحذفه من تلك التأثيرات الجديدة التي جاءت. 

ربّما من المهم أن نتذكّر أنَّ الإمبراطوريّة البيزنطيّة كان التأثير اليونانيّ فيها أكثر بكثير من الرومانيّ في العديد من الجوانب؛ إذ استمرّ الفنُّ الهلنستي* في التأثير، وخاصة فكرة الطبيعة.

في الوقت نفسه كان للمدى الجغرافي للإمبراطورية أثره في الفنِّ في الإسكندرية، انطلق النمط القبطي الأكثر صلابة في القرن السادس الميلادي ليحلّ محلّ الأسلوب الهلنستي (Hellenistic style). 

كان هناك مؤثّرات أُخرى على الفن؛ إذ تُبنّي أسلوب الاستشراق (Orientalizing style)، وهو دمج الزّخارف من الفن الفارسي وآسيا الوسطى، مثل شجرة الحياة، والمخلوقات مزدوجة الجناحين، إضافةً إلى صورٍ أمامية كاملة تظهر في فن سورية (1).

صورة لكأس بيزنطية، مصنوعة من الأحجار شبه الكريمة وجذع مذّهب، ومزين بلوحات مطلية (1).

العمارة البيزنطية:

أدَّى مزيجُ المهندسين المعماريين البيزنطيين للبازيليكا والهياكل الدينية المتناظرة -دائريّة أو متعددة الأضلاع- إلى تصميمٍ مميّزٍ للكنيسة البيزنطية -على شكل صليب يونانيّ- المؤلّفة من كتلة مركزيّة مربّعة، وأربعة أذرُعٍ متساوية الطول، وبلا أدنى شك إنَّ السقفَ المقبّب كان السمةَ الأكثر تميُّزًا، فتتمركز القُبَّةُ فوق أربعة أضلاعٍ، وتمتاز الهياكل البيزنطية بالمساحات الواسعة، والزُّخْرُف الفخمِ مع الأعمدة الرُّخامية المُرصَّعة، والفُسَيْفَساء على الأقبية، وفي بعض الأحيان كُنَّا نُشاهد أسقُفًا مغطاةً بالذَّهبِ.

امتدت هندسة القسطنطينية في جميع أنحاء الشرق المسيحي وفي بعض الأماكن الأُخرى، ولا سيّما روسيا، وقد بقيتْ قيد الاستخدام حتّى بعد سقوط القسطنطينية (1453م) (2).

مثالٌ على العمارة البيزنطية، آيا صوفيا في تركيا، اسطنبول (Hagia Sophia).

الفُسَيْفَسَاء:

تُعدًّ فُسَيْفسَاء قصر القسطنطينية الكبير -التي يعود تاريخها إلى القرن السادس الميلادي- مزيجًا مثيرًا للاهتمام من مَشاهد الحياة اليومية (الصيد خصوصًا) مع الآلهة الوثنية والمخلوقات الأُسطورية؛ مما يُسلّط الضوء مرّة أُخرى على أنَّ الموضوعات الوثنيّة لم تُستبدل بالكامل من قِبل المسيحيين في الفنِّ البيزنطيّ. (1).

تمتّعت الأيقونات الفُسَيْفَسائيّة المُصغّرة بشعبيّة خاصة -خلال القرون البيزنطية المتأخّرة- مع أسطحها الرائعة ووهم الفخامة المكوّنة من مواد أكثر تواضعًا، مثل الحجر الملوّن، والأحجار شبه الكريمة، والزُّجاج المحتوى في الشمع على دعامة خشبية. (3)

بعضٌ من الفُسَيْفساء الأكثر شهرةً هي تلك الموجودة في كَنيسة سان فيتالي (the church of San Vitale) في رافينا، إيطاليا، والتي يعود تاريخها إلى عام 540 م، من خصائصها استخدام البلاط الذهبي لخلق خلفية متلألئة لشخصيات المسيح والعذراء مريم والقدّيسين، ومن أكثر الصور دَهشةً هي صورةُ يسوع المسيح في قُبَّةِ دافني ( The dome of Daphni) في اليونان (1).

صورة للقبة الفسيفسائية كنيسة سان فيتالي في رافينا، إيطاليا.

الأيقونات:

يمكن تعريف الأيقونات بأنّها تمثيلٌ للشخصيات المقدّسة، فقد أُنشئت للتبجيل من قبل المسيحيين البيزنطيين من القرن الثالث الميلادي؛ غالبًا ما تُرى في الفُسَيْفَساء، واللوحات الجدارية، والأعمال الفنيّة الصغيرة المصنوعة من الخشب أو المعدن أو الأحجار الكريمة أو العاج. 

توجد بعض أقدم الأيقونات البيزنطية الباقية في دير القدّيسة كاترين (Monastery of Saint Catherine) بجبل سيناء، يعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، ومنها أيقونة السيد المسيح "يسوع المسيح بانتوكراتور" (Jesus Christ Pantokrator)، وهي أقدمُ أيقونةٍ معروفةٍ تُصوّر يسوع المسيح (القرن السادس) (1).

يسوع المسيح بانتوكراتور (Jesus Christ Pantokrator).

النحت:

أُنتج النحتُ الصغير في الإمبراطورية البيزنطية؛ إذ كان الاستخدام الأكثر شيوعًا للنحت في المنحوتات البارزة الصغيرة المنحوتة من العاج، والمستخدمة في أغلفة الكتب، وصناديق الآثار، والأشياء المماثلة (5).

غلاف كتاب بيزنطي مع أيقونة عاجية لمشهد صلب السيد المسيح، بالإضافة إلى الفضة المذهبة مع الكريستال والزجاج والياقوت (1).

* قسطنطين الكبير: أوّلُ حاكمٍ مسيحيٍّ للإمبراطوريّة الرومانيّة. (3)

* الفترة الهلنستية :كانت حقبة في اليونان القديمة استمرّت من 323 قبل الميلاد إلى 31 م. (4)

المصادر: 

1- Cartwright M, Cartwright M. Byzantine Art [Internet]. Ancient History Encyclopedia. 2020 [cited 18 May 2020]. Available from: هنا

2- Byzantine architecture [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 18 May 2020]. Available from: هنا

3- [Internet]. Metmuseum.org. 2020 [cited 18 May 2020]. Available from: هنا

4- How the Natural Beauty of Hellenistic Sculpture Has Captivated the World for Centuries [Internet]. My Modern Met. 2020 [cited 20 May 2020]. Available from: هنا

5- Byzantine art [Internet]. Encyclopedia Britannica. 2020 [cited 21 May 2020]. Available from: هنا