الغذاء والتغذية > الفوائد الصحية للأغذية

المياه القلوية تحت عدسة العلم

لا شك أنه قد تردد على مسامعكم وجود فعالية "سحرية" لبعض الأطعمة والمشروبات، ومن هذه المنتجات التي تدور عنها العديد من الإشاعات هي المياه القلوية؛ فهل كل العناوين والضجة المثارة عن فوائد هذه المياه صحيحة؟ 

لنعرف ذلك في المقال الآتي..

لا شك أنه قد تردد على مسامعكم وجود فعالية "سحرية" لبعض الأطعمة والمشروبات والمنتجات في علاج الأمراض المستعصية، ومن هذه المنتجات التي تدور عنها العديد من الإشاعات هي المياه القلوية فهل كل العناوين والضجة المثارة عن فوائد هذه المياه صحيحة؟

قبل البدء بالخوض عن المياه القلوية Alkaline Water والضجة المثارة عنها لنعرف ما المقصود بالقلوية Alkalinity:

الرقم الهيدروجيني pH هو مقياس لمعرفة حموضة أو قلوية أي مادة بقيمة تتراوح بين 0-14، بمعنى آخر عندما تكون قيمة الرقم الهيدروجيني لمادة تساوي 1 فهذا يعني أنَّها حامضية جدًّا، أما عندما تساوي 13 مثلًا فهذا دليل على أنَّها ذات قلوية عالية (1). 

عادة ما يكون لمياه الشرب العادية درجة حموضة محايدة تبلغ 7، أما درجة حموضة المياه القلوية عادة ما تكون 8 أو 9؛ أي إن درجة حموضة المياه القلوية أعلى من مياه الشرب العادية. وبسبب هذا؛ يعتقد بعض المروجين لفوائد المياه القلوية أن هذه الميزة يمكن أن تُعدِّل الحمض في الجسم. ومع ذلك، فإن الرقم الهيدروجيني وحده لا يكفي لوصْف الماء بأنه ماء قلوي، فالمياه القلوية تحتوي أيضًا على معادن قلوية وهي ذات كمون أكسدة وإرجاع سلبي؛ أي إن لها خواص مضادة للأكسدة (1)، وتتميز بأنَّها ذات طعم مختلف عن المياه العادية مائلٍ إلى المرارة، ولذلك قد تغير طعم أي شيء تُستخدم في إعداده، مثل القهوة والشاي (3).

طبيعيًّا، تتشكل المياه القلوية عندما تكون المياه جارية على تماس مع الصخور يسمح لها بالتقاط المعادن منها (كما هو الحال في الينابيع)، الأمر الذي يزيد رقمها الهيدروجيني ويرفع قلويتها. أما في الوقت الحالي فيمكن الحصول على المياه القلوية عن طريق عملية كيميائية تسمى بالتحليل الكهربائي Electrolysis؛ إذ يُستخدَم مؤين لزيادة الرقم الهيدروجيني للمياه العادية، لكن العلماء ينصحون باستخدام التناضح العكسي Reverse-Osmosis لتنقية المياه من الملوثات الموجودة فيها قبل توصيل المؤين القلوي بغرض زيادة الرقم الهيدروجيني وإضافة المعادن إليها (1).

وبالعودة إلى الحديث عن فوائد المياه القلوية والهالة البراقة المثارة عنها، نجد إجماع المختصين في الصحة بأنه لا يوجد دراسات كافية تؤكد فائدة المياه القلوية، وجميع الدراسات التي تؤيد فوائدها هي دراسات صغيرة، مثل دراسة أجريت في عام 2012 بيَّنت أن شرب المياه المكربنة طبيعيًّا من الآبار الارتوازية ذات الرقم الهيدروجيني 8.8 يساعد في إبطال مفعول أنزيم البيبسين Pepsin؛ وهو الأنزيم الذي يسبب الارتجاع الحمضي (8). واقترحت دراسة أخرى أن شرب الماء القلوي المتأين قد يكون له فوائد للأشخاص الذين يعانون ارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع الكوليسترول (9). ووجدت دراسة أحدث شملت 100 شخصٍ اختلافًا كبيرًا في لزوجة الدم الكامل whole blood viscosity بعد استهلاك الماء مرتفع الرقم الهيدروجيني مقارنة بالمياه العادية بعد التمرين الشاق؛ علمًا أن اللزوجة هي القياس المباشر لكفاءة تدفق الدم عبر الأوعية (10).

يدل ما سبق على الحاجة إلى مزيدٍ من البحث خارج هذه الدراسات الصغيرة، والرد على الادعاءات الأخرى التي أدلى بها أنصار المياه القلوية الذين ما زالوا يؤمنون بفوائدها الصحية التي تشمل -حسب زعمهم- كلًّا مما يأتي (1):

- خصائص مضادة للشيخوخة (عن طريق مضادات الأكسدة السائلة التي تمتص بسرعة أكبر في جسم الإنسان).

- خصائص تطهير القولون.

- دعم جهاز المناعة.

- الترطيب، وصحة الجلد، وغيرها من خصائص إزالة السموم.

- فقدان الوزن.

- مقاومة السرطان.

ووفقًا لـ Mayo Clinic، فإن المياه العادية هي الأفضل لمعظم الناس، ولا وجود لدليلٍ علمي يثبت الادعاءات التي قدمها أنصار المياه القلوية تمامًا (1,11). ويُذكر أنه في الماضي ساد اعتقاد بأنَّ تناول الأطعمة والمشروبات الحامضية (ذات الرقم الهيدروجيني pH المنخفض) يزيد من خطر الإصابة بالسرطان ظنًّا بأنها تشكِّل غذاءً للخلايا السرطانية وتسبب انتشارها، في حين تعمل المياه القلوية على تقليل درجة حموضة الدورة الدموية وموازنة درجة حموضة الجسم وتجويع الخلايا السرطانية، فضلًا عن زيادة معدل الاستقلاب وتحسين قدرة الجسم على امتصاص العناصر الغذائية (2). لكن العلم يدحض كل تلك الاعتقادات السابقة، إذ لا يوجد أي دليل علمي يثبت قدرة المياه القلوية على علاج السرطان، إضافة إلى أنَّه لا يمكن إحداث تغيير كبير بدرجة حموضة الدم عن طريق الطعام والشراب (2).

وللأسف فإن جميع الفوائد المذكورة سابقًا هي ذات هدف تجاري ولا تستند إلى أسس علمية صحيحة أو دراسات قوية، ففي الواقع يُعدِّل جسم الإنسان الرقمَ الهيدروجيني الخاص به ليصبح متعادلًا ومستقرًا على الدوام؛ إذ تعمل الكلى عمل نظام فلترة مدمج ومن وظيفتها الحفاظ على توزان الحمض في الجسم فعندما تزيد حموضة الدم بدرجة كبيرة يمكن خفضها عن طريق استنشاق المزيد من الهواء وطرح غاز ثاني أكسيد الكربون. إضافة إلى أنَّ للمعدة دور مهم في حدوث توازن الحموضة ويعود السبب في ذلك إلى العصارات الهاضمة (مزيج من الأنزيمات الهضمية وحمض الهيدروكلوريك) إذ تعدِّل حموضة أي شي تأكله أو تشربه وبالطبع يشمل ما ذكر سابقًا تعديل قلوية المياه التي شُربَت وقبل أن تقدم لك أي فائدة (3).

الآثار الجانبية والمخاطر المحتملة لتناول المياه القلوية:

على الرغم من عَدِّ المياه القلوية آمنةً وصالحةً للشرب إلا أنَّه يوجد لها بعض الآثار الجانبية:

- لا يُنصح بتناولها من قِبل الأشخاص الذين لديهم مشكلات في الكلى (3).

- قد تقلِّل حموضة المعدة التي تُسهم عادةً في قتل البكتيريا ومنع دخول بعض الممرضات غير المرغوبة إلى مجرى الدم (1،2).

- قد تسبب زيادة القلوية حدوث مشكلات في الجهاز الهضمي وتهيجٍ في الجلد، وقد تؤدي إلى حدوث القلاء الاستقلابي Metabolic Alkalosis الذي تنتج عنه عدة أعراضٍ منها الغثيان والإقياء وارتعاش العضلات وحدوث وخز في الوجه والأطراف، إضافةً إلى انخفاض نسبة الكالسيوم الحر في الجسم مما يؤثر في صحة العظام (1).

ويجب توخي الحذر عند شرب المياه القلوية المصنَّعة بطريقة التحليل الكهربائي لأنّها قد تكون ملوثة، إضافة إلى محتواها النهائي من المعادن يكون أخفض نسبيًا مقارنةً بالمياه القلوية الطبيعية؛ وإن كان الحال كذلك فإنَّ الإكثار منها قد يؤدي إلى حدوث نقص بالمعادن في جسمك في نهاية المطاف (1). ومن الجدير بالذكر وجود دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية WHO حذرت فيها من الاستهلاك المباشر لمياه الشرب المقطرة أو المارَّة على تجهيزات التناضح العكسي؛ إذ تكون هذه المياه منخفضة المحتوى بالمعادن مما يؤدي إلى سحبها من الجسم تدريجيًا (7).

في ختام هذا المقال، لا بد من بعض النصائح إن كنت عازمًا على تجربة المياه القلوية وشربها (2):

1- تنتج عن استقلاب المياه القلوية منتجات ثانوية تزيد من قلوية البول.

2- لا تشرب المياه القلوية مع وجباتك لأنها تؤثر سلبًا في عملية الهضم.

3- استشر طبيبك بمجرد الشعور بأية أعراض غير اعتيادية.

4- لا تبالغ في شربها اعتقادًا منك أنها مفيدة.

المصادر والدراسات المرجعية:

1- Goldman R, Nagelberg R. What Are the Benefits and Risks of Alkaline Water? [Internet]. Healthline. 2019 [cited 20 April 2020]. Available from: هنا

2- Hansen K. Can Alkaline Water Treat Cancer? [Internet]. Healthline. 2019 [cited 20 April 2020]. Available from: هنا

3- What Is Alkaline Water? [Internet]. WebMD. 2019 [cited 20 April 2020]. Available from: هنا

4- Zeratsky K. Alkaline water: Better than plain water? [Internet]. Mayo Clinic. 2020 [cited 20 April 2020]. Available from: هنا

5- N K. Potential benefits of pH 8.8 alkaline drinking water as an adjunct in the treatment of reflux disease. - PubMed - NCBI [Internet]. Ncbi.nlm.nih.gov. 2012 [cited 20 April 2020]. Available from: هنا

6- Mohsin M, Safdar S, Asghar F, Jamal F. [Internet]. 2013 [cited 20 April 2020]. Available from: هنا

7- Kozisek, F. Health Risk from Drinking Demineralized Water. 2004. Rolling Revision of the WHO Guidelines for Drinking Water Quality. هنا

8- Koufman J, Johnston N. Potential Benefits of pH 8.8 Alkaline Drinking Water as an Adjunct in the Treatment of Reflux Disease. Annals of Otology, Rhinology & Laryngology. 2012;121(7):431-434. هنا

9- WANG Yu-lian, Preliminary observation on changes of blood pressure, blood sugar and blood lipids after using alkaline ionized drinking water, Shanghai Journal of Preventive Medicine, 2001 هنا

10- Weidman J, Holsworth R, Brossman B, Cho D, St.Cyr J, Fridman G. Effect of electrolyzed high-pH alkaline water on blood viscosity in healthy adults. Journal of the International Society of Sports Nutrition. 2016;13(1).  هنا

11- Alkaline water: Better than plain water? [Internet]. Mayo Clinic. 2020 [cited 22 April 2020]. Available from: هنا