الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

عندما تصبح الموضة عدوَّة الطبيعة

هل تعلم أن إنتاج بنطال جينز واحد يستهلك 7500 ليتر من الماء؟

نعم هذا صحيح، والمفاجأة أيضاً أن هذه الكمية تعادل ما يحتاجه شخص بالغ من الماء مدة سبع سنوات.

إن هذه المعلومة هي إحدى الحقائق المروعة التي خرجت بها الأبحاث البيئية الأخيرة عن صناعة الموضة؛ فاقرأ مقالنا الجديد الذي سيغيِّر نظرتك إلى الملابس وسيدفعك إلى التفكير مجدداً قبل شراء أية قطعة ثياب جديدة.

عندما نتحدث عن الشحن البحري أو الجوي؛ فإن أول ما يجول في أذهاننا هو الكميات الهائلة من الانبعاثات الناجمة عنها، ولكن ما لا نعرفه هو أن الانبعاثات الناجمة عن صناعة الألبسة تشكِّل قرابة 10% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وتفوق الانبعاثات الناتجة عن الشحن البحري والجوي معاً (1).

يُسبِّب الطلب المتزايد على الملابس وصيحات الموضة المزيدَ من الإنتاج؛ هو الذي يقترن بدوره بآثار بيئية ضارة؛ إذ تسهم صناعة الموضة بقرابة 10% من انبعاثات الكربون الناجمة عن البشر، كذلك تستهلك كثيراً من المياه والموارد المائية (2).

لتوضيح ذلك الطلب المتزايد؛ تخيَّل أن شراء الناس الملابسَ قد ارتفع بنسبة 60% عام 2014 عما كان عليه عام 2000. وفي السياق ذاته؛ كانت كبرى شركات الأزياء الأوروبية تنتج مجموعتين من الألبسة في السنة عام 2000 ليرتفع العدد إلى خمس مجموعاتٍ عام 2011. ليس ذلك فقط؛ بل تجاوزت بعض الشركات الضخمة هذا العددَ بكثير؛ إذ تطرح مجموعة زارا (Zara) قرابة 24 مجموعةً، في حين تطرح مجموعة إتش آند إم (H&M) قرابة 12 إلى 16 مجموعة سنوياً (3,2).

ويُشير تقريرٌ صادرٌ عن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المناخ (UNFCCC) أن زراعة كيلو غرام واحد من القطن اللازم وإنمائه لإنتاج بنطال جينز واحد يستهلك 7500 ليتر من الماء، وهي كمية الماء التي يستهلكها شخص بالغ طوال سبع سنوات (2,4).

من ناحيةٍ أخرى؛ تُسبِّب عملية غسيل الملابس تَحَرُّرَ قرابة 500000 طن من الألياف الدقيقة سنوياً إلى المحيطات، أي ما يعادل 50 مليار عبوة بلاستيكية. وتتكوّن النسبة العظمى من هذه الألياف من مادة البوليستر (وهي مادة بلاستيكية توجد في 60% من الملابس) التي يؤدّي إنتاجها إلى انبعاث ضعفَين إلى ثلاثة أضعاف كمية الكربون الناجمة عن إنتاج القطن، ثم إن البوليستر لا يتحلل في المحيطات (2).

كذلك أشار تقريرٌ صادرٌ عن الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) عام 2017 أن 35% من كافة الجزيئات البلاستيكية الموجودة في المحيطات تَنتُج عن غسيل المنسوجات وتعد هذه الجزئيات مواد غير قابلة للتحلل العضوي.

وبصورةٍ عامة؛ تشكّل دقائق البلاستيك قرابة 31% من النفايات البلاستيكية في المحيطات (2).

ما مصير هذه الملابس؟ وما الحل؟

ما تزال خيارات إعادة التدوير محدودةً بعض الشيء؛ إذ تنتهي 60% من الملابس المصنَّعة إلى مكبَّات النفايات بعد سنة من إنتاجها. ولإدراك حجم الكارثة؛ تخيَّل أن شاحنةً من الملابس تُنقَل إلى المكبِّ كل ثانية (3).

كذلك قُدِّر أن أقل من 1% من مواد صناعة الملابس تخضع لإعادة التدوير في بعض الدول، في حين ترتفع هذه النسبة إلى 13% في دول أخرى (3).

ليس ذلك فحسب؛ بل إن للموضة مشكلات أخرى ترتبط بتلوِّث المياه؛ إذ تعدُّ عمليةَ صبغ الأقمشة ثاني أكبر عملية ملوِّثة للمياه بسبب نقل المياه الناجمة عنها إلى الأنهار والمجاري المائية دون معالجتها، وتستهلك هذه العملية كميةً من المياه سنوياً تكفي لملْء مليونَي مسبح أولمبي! (2).

وعلى الرغمِ من هذه الإحصائيات والمعلومات المخيفة؛ هناك تحرُّكات بيئية واستهلاكية إيجابية في قطاع الموضة، فمثلاً بدأ عددٌ من الشركات -منها بعض شركات بيع التجزئة العالمية- باعتماد معايير الاستدامة في خطط العمل الخاصة بها؛ مثل شركة إتش آند إم (H&M) العالمية، وخط إنتاج ملابس الجينز غيس (Guess)؛ الشركتان اللتان تمتلكان خططاً خاصة لجمع الملابس المستعملة من إنتاجهما من المستهلكين بدلاً من رميها في النفايات، وشركة باتاغونيا (Patagonia) التي بدأت بإنتاج الستر والمعاطف من البوليستر الناجم عن إعادة تدوير الآنية البلاستيكية (4,5).

وقد كان للشركات الصغيرة أيضاً دورٌ فعَّال في إطار الحفاظ على البيئة وإدخال معايير الاستدامة في خطط العمل الخاصة بها؛ إذ إن شركة فغايتاغ (Freitag) السويسرية تُعيد تدوير أحزمة الأمان وأغطية الشاحنات لإنتاج حقائب يد وظهر، وشركة إيندوسول (Indosole) تصنع الأحذية من العجلات التالفة، وشركة نوفل سابلي (Novel Supply) الكَنَدية تقدِّم للمستهلكين والزبائن خيارَ إعادة الملابس المستعملة عندما تصبح غير قابلة للاستخدام ليتسنَّى للشركة إعادة تدويرها وبيعها مجدداً (4).

كل هذا الضغط الهائل على الموارد الطبيعية سيقودنا إلى كوارث لم تكن بالحسبان، وأخطرها شحّ المياه الذي بدوره سيعمل على خلق أزمة في الغذاء، والسبيل الوحيدة هو وعينا لهذه القضية والحفاظ على الموارد التي ستساعدنا على الاستمرار.

المصادر:

1. [Internet]. Unfccc.int. 2020 [cited 7 April 2020]. Available from: هنا

2. The fashion industry emits more carbon than international flights and maritime shipping combined. Here are the biggest ways it impacts the planet. [Internet]. Business Insider. 2020 [cited 7 April 2020]. Available from: هنا

3. The price of fast fashion. Nature Climate Change [Internet]. 2020 [cited 7 April 2020];8. Available from: هنا

4. UN launches drive to highlight environmental cost of staying fashionable [Internet]. UN News. 2020 [cited 7 April 2020]. Available from: هنا

5. Size F, Size F, Size F, Size F, Size F, WIRE B. GUESS Launches Nationwide Wardrobe Recycling Program with Partner I:CO [Internet]. Businesswire.com. 2020 [cited 7 April 2020]. Available from: هنا