الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

نقلة نوعية في مجال الجراحة الروبوتية

تُعدُّ الأيدي الثابتة  والرؤية الواضحة المصحوبة بالتركيزالعالي أمرًا بالغ الأهمية عند إجراء عملية جراحية على الأعضاء الحساسة مثل الدماغ أو الأوعية الدموية الرقيقة، ففي حين أضافت الكاميرات العالية الدقة كثيرًا من التفاصيل المهمة لما يراه الجراحون في أثناء الجراحة؛ تبقى اليد البشريةُ في كثيرٍ من الحالات غير جديرة بالثقة الكاملة، أمَّا التقنيات الجراحية الجديدة  مثل الأذرع الروبوتية المتطورة التي يُوجهها الجراح عن بُعد فما زالت بحاجة للتطوير؛ إذ يوجد بعض الخطورة في استخدامها، ويبدو في نهاية المطاف أنَّ يد الإنسان  ويدَ الروبوت تحتاجان إلى مزيد من الدقة والتحكم، ويؤدي هذا الضعف إلى مشكلات خطيرة في أثناء الجراحة، كي نتجاوز هذا التحدي دعونا نأخذ فكرة مبسطةً عن العمليات الجراحية بمساعدة الأذرع الروبوتية. (1)

الجراحة الروبوتية عن بعد:

يتحكم الطبيب في أذرع  روبوتية عن طريق واجهة تحكُّم تستجيب عن بُعد؛ إذ يُحرِّك أصابعه فتحاكي أصابع الروبوت هذه الحركة.

يعتمد الطبيب على بث مباشر من كاميرا مثبتةً على الأذرع كي يدركَ المسافة بين الأذرع وبين المريض ومدى قرب هذه الأصابع الروبوتية من بعضها البعض كي يتسنى له تحريكها بدقة. (1,2)

لكن ما فائدة هذه التكنولوجيا؟

تُتيح هذه التكنولوجيا للجراحين تنفيذ إجراءات معقدة عن بُعد ممَّا يساعدهم على تقديم الرعاية الطبية لعدد أكبر من المرضى في الوقت نفسه، وتحتاج الأصابع الروبوتية الصغيرة إلى جروح أصغر من تلك التي يستخدمها الجراح العادي كي يدخل يده في جسد المريض، ولكن هذه المزايا تواجهها صعوبات كثيرة. (1)

تسمح الجراحة عن بُعد للجراحين أن يؤدوا العملية الجراحية -تمامًا- كأنهم يعملون بأيديهم، ولكنَّ فقدان حاسة اللمس يخفض من الدقة في أثناء التعامل مع جسد المريض، وهذا مقلق جدًّا وبخاصة في العمليات على المخ  والأنسجة الحساسة؛ إذ يؤدي ذلك إلى ضغط الأصابع الروبوتية بقوة على الأنسجة البيولوجية دون قصد، وقد يكون هذا ضارًا لبعض الأنسجة والأعضاء الحساسة. (2،3)

 إذ يقول هانغ بارك Hangue Park (وهو أستاذ مساعد بقسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات):

"إنَّ أحد التحديات التي تواجه الأصابع الروبوتية هو ضمان إمكانية التحكم فيها بدقة كافية للتعامل برفق مع الأنسجة البيولوجية". (1)

إضافةً إلى ذلك أنه لا يمكننا الاعتماد على ما تبثُّه الكاميرا (أو ما يسمى بردود الفعل المرئية visual feedback) اعتمادًا مطلقًا؛ إذ تعطينا الكاميرات معلوماتٍ محدودة لأنها لا تصور كلَّ شيء، ولكن تصور بزاوية محددة أي خط رؤية في اتجاه واحد، ثم إنها لا تعطينا صورة واضحةً أحيانًا بسبب الهياكل التشريحية والدماء.  (1،3)

دفعت هذه  التحديات بارك  وفريقه للبحث عن طريقة بديلة لإدراك المسافة على نحو أدق وأفضل من الطريقة الصورية (كاميرا وشاشة عرض)، وبالفعل توصلوا إلى طريقة بسيطةٍ ودقيقة. (1)

ما تلك الطريقة؟

استعان الباحثون بتيارات الكهرباء؛ إذ مرَّروا نبضات صغيرةً  ومختلفة التردد من التيارات الكهربائية على أطراف أصابع اليد عن طريق ارتداء قفازات مجهزة لتحفيز المستشعرات مع تدريب عدد من المتطوعين على استخدامها. (1،3)

دُرِّب المستخدمون على ربط تردد النبضات بالمسافة الحالية بين الذراع الروبوتية والهدف، فكلما زاد تردد النبضات الكهربائية على أطراف الأصابع كان ذلك مؤشرًا على قرب المسافة من الشيء أو الجسم تحت الإختبار؛ بمعنى آخر تردد النبضات يتناسب عكسيًّا مع المسافة. (1،3)

ولكن كيف تُنقل المعلومات إلى المستخدم؟

تنقل المعلومات عن طريق قياس المسافة بين أطراف أصابع الروبوت والهدف بواسطة مستشعر ضوئي للمسافة (optical distance sensor)، وتُرسل هذه المعلومة على شكل نبضات كهربائية صغيرة -تتناسب عكسيًّا مع المسافة كما أشرنا سابقًا- إلى أطراف أصابع المستخدم. (3) 

الهدف:

يهدف الباحثون إلى تطبيق ضغطٍ من قبل الأصابع الروبوتية على الأنسجة البيولوجية أكثر رفقًا ومرونة من أجل تقليل قوة اللمسة الأولى، ومن ثَمَّ تقليل الإصابات العرضية، فبواسطة هذا التصميم سوف يدرك الجراحون على نحو أكثر دقة مدى بُعد أصابعهم الروبوتية عن لمس شيء ما، وهذه معلومة قيِّمة جدًّا يمكن استخدامها فيما بعد للمس الأعضاء الحساسة بالقوة والضغط المناسبَين. (1،3) 

النتائج:

نجحت الطريقة الجديدة  في إثبات كفاءتها، فقد قارن بارك وفريقه بين مجموعتين من المستخدمين.

-المجموعة الأولى: هم الذين استخدموا التصميم الجديد إضافةً إلى الكاميرا.

-المجموعة الثانية: الذين اعتمدوا على الكاميرا فقط.

أوضحت النتائج أنَّ المجموعة الأولى كانت أكثر إدراكًا بمدى قربها من الأسطح واستطاعوا التحكم بقوة اللمسة الأولى (أو الاتصال الأولي-initial contact) بنسبة أفضل بـ 70%، وهذا أداء أفضل كثيرًا من المجموعة الأخرى. (1،3)

ستزيد هذه الطريقة الجديدة القدرة على المناورة عمومًا في أثناء الجراحة مع تقليل مخاطر إلحاق الضرر بالأنسجة بسبب القوة الزائدة غير المقصودة في أثناء التعامل معها. (1)

إذ يقول بارك: "كان هدفنا هو الوصول إلى حلٍّ لتحسين دقة  تقدير قرب المسافة دون زيادة عبء التفكير المطلوب لهذه المهمة على الجراح "ويضيف" عندما تكون تقنيتنا جاهزة للاستخدام في غرف الجراحة سوف تزداد قدرة الأطباء على معرفة مدى بعد أصابعهم الروبوتية عن الأجسام الحساسة، ممَّا يزيد من قدرتهم على التركيز النشط لأجل تحسين النتائج الجراحية لمرضاهم. (1)

يبدو أن هذه الطريقة ستزيد من دقة التحكم في الأذرع الروبوتية وهذه إضافة مهمة إلى جراحة المخ والأعصاب التي تتطلب دقة عالية في التحكم، ومع ذلك؛ هذا الابتكار ليس حكرًا على الجراحة فقط، بل يمكن استخدامه في المهمات التي تُنجز عن بعد وتتطلب دقة عالية في التحكم  والاقتراب؛ مثل مهمات الإنقاذ أو الصيانة عن بعد للهياكل في الفضاء أو تحت الماء، برأيكم هل سننتظر كثيرًا حتى نرى هذا الابتكار يُستخدم في المهمات المختلفة؟ (3)

المصادر:

1- Texas A&M Researchers Help Give Robotic Arms A Steady Hand For Surgeries [Internet]. Texas A&M Today. 2020 [cited 11 May 2020]. Available from: هنا

2- Zhou T, Cabrera M, Low T, Sundaram C, Wachs J. A Comparative Study for Telerobotic Surgery Using Free Hand Gestures. Journal of Human-Robot Interaction [Internet]. 2016 [cited 11 May 2020];5(2):1. Available from: هنا

3- Park H, Zhao Z, Yeo M, Manoharan S. Electrically-Evoked Proximity Sensation Can Enhance Fine Finger Control in Telerobotic Pinch. A Nature Research Journal [Internet]. 2020 [cited 12 May 2020];. Available from: هنا