الطب > أمراض نسائية وتوليد

الحمل ونقص الصفيحات، ما بين أسباب متعدِّدة وخطورة يمكن تفاديها

إن حدوث نقص الصّفيحات (Thrombocytopenia) في أثناء الحمل ولدى حديثي الولادة هو أمر شائع؛ إذ يُعدُّ ثاني أكثر الاضطرابات الدمويّة شيوعاً في الحمل بعد فقر الدم. وعلى الرغم أنّ نقص الصفيحات في الغالب ليس له عواقب خطيرةٌ على الأمّ أو الجنين؛ ولكن في بعض الحالات قد يرتبط بمضاعفاتٍ خطيرة. 

وتشارك الصّفيحات في تخثِّر الدم البدئي عن طريق ملء مواقع أذيّة بطانة الأوعية الدمويّة، ويكون تعداد الصّفيحات الطّبيعي 150000-450000 صفيحة لكلّ ميكرولتر (2).

إنَّ المعدل الإجمالي لنقص الصّفيحات في أثناء الحمل 8-10٪، ويوجد العديد من الأسباب المؤدّية إلى نقص الصّفيحات في أثناء الحمل؛ منها: نقص الصّفيحات الحمليّ (Gestational thrombocytopenia GT)، وفرفرية نقص الصّفيحات المناعيّ (Immune thrombocytopenia ITP)، وما قبل الإرجاج (pre eclampsia)، ومتلازمة (HELLP)، وبعض الأخماج والأمراض الجهازية الأخرى (2).

ما نقص الصّفيحات الحملي (GT)؟ وما درجة خطورته؟

يتميَّز نقص الصفيحات الحمليّ (GT) بما يأتي:

- عادةً ما تكون درجة نقص الصّفيحات خفيفةً وغير عرضيّة (التّعداد يكون عادةً > 70000/ ميكرولتر).

- لا يوجد تاريخ ما قبل الحمل لـ (نقص الصّفيحات).

- حدوثه في الثلث الأخير من الحمل؛ إذ يكون تعداد الصّفيحات قبل وفي بداية الحمل طبيعياً.

- لا يرتبط مع نقص الصّفيحات الجنيني.

- يزول تلقائياً بعد الولادة، وعادةً ما يعود التّعداد الطّبيعيّ للصّفيحات في خلال 2-12 أسبوعاً.

إنّ (GT) هو السبب الأكثر شيوعاً لنقص الصّفيحات في أثناء الحمل، ويحدث فيما يصل إلى 5 ٪ من النّساء الحوامل، ويكون حميداً في معظم الحالات ولا يتطلّب علاجاً (4).

ولقد لُوحظ أنّ (GT) يحدث على نحوٍ أكثر تواتراً في حمل التوائم؛ إذ ذكرت الدراسات أنّ تعداد الصّفيحات كان أقلّ في حمل التّوءم منه في حالات الحمل الفردي، وذلك يبقى قيد الافتراض. 

ولا تزال الأسباب الدقيقة لـ (GT) غير معروفة، ولكن اقتُرِح أنّ أحد الأسباب هو تمديد الدم في أثناء الحمل (فنتيجةً لزيادة السوائل؛ يحدث نقصٌ نسبيٌّ في التّعداد الخلويّ لمكونات الدم) أو بسبب تحطّم الصّفيحات الدمويّة في المشيمة. ولحسن الحظّ فإنّ نقص الصّفيحات الحمليّ لا يُشكّل أيّ خطر على الأمّ أو الجنين/الوليد (4).

ماذا عن فرفرية نقص الصّفيحات المناعيّة (ITP)؟ وكيف تؤثّر في سير الحمل؟

فرفرية نقص الصّفيحات المناعيّة (ITPّ) مرضٌ مناعيٌّ ذاتيٌّ نادر، يحدث فيه نقصٌ في الصّفيحات نتيجة تشكّل الأضداد الموجّهة ضدّ البروتينات السّكريّة الموجودة على سطح الصّفيحات، إضافةً إلى ضعف إنتاج نِقيّ العظم نتيجة خللٍ في الخلايا النواءة (megakaryocyte) التي تُشتقّ منها الصفيحات، وزيادة تحطّم الصّفيحات في الدوران المحيطي والطحال (3)،

وبذلك يتطوّر نقص الصّفيحات في وقتٍ مبكّرٍ من الحمل، وكذلك تتشابه السّمات السّريريّة لـ (ITP) في الحمل مع تلك التي لدى النّساء غير الحوامل؛ إذ من الممكن أن تكون الإصابة بـ (ITP) في أثناء الحمل غير عرضيّة أو قد تتظاهر عبر كدماتٍ أو نزيفٍ في الأغشية المخاطيّة (الرّعاف أو نزيف اللّثة) أو نمشات (2,1).

وعلى الرغم من ندرة مضاعفات النّزف؛ وُجد أنّ النّساء المصابات بـ (ITP) قبل الحمل قد يحدث لديهنّ ارتفاعٌ في معدّل فقدان الأجنّة، وانخفاض وزن الولادة، إضافة إلى ارتفاع معدّل حدوث الولادة المبكّرة (3)، وأيضاً تتعرّض الأمّهات لخطر النّزف العفويّ، خاصّةً عندما ينخفض تعداد الصّفيحات إلى أقلّ من 20000 ميكرولتر (2).

كيف يتأثّر حديثو الولادة في نقص الصّفيحات المناعيّ؟

تَعبُر الأضداد المتشكّلة لدى الأمّ المشيمة ومن الممكن أن تتسبّب في نقص صفيحاتٍ مناعيٍّ لدى الجنين (NAIT Neonatal alloimmune Thrombocytopenia). ومن الممكن أن يحدث لدى حديثي الولادة الذين يعانون (NAIT) عقابيلٌ عصبيّةٌ دائمة، وتلفٌ في الأعضاء، ونزيفٌ داخل الجمجمة أو الأحشاء (1).

وقد أظهرت الدراسات عدم وجود فرقٍ بين الولادة المهبليّة والولادة القيصريّة فيما يتعلّق بـ (NAIT). وفي المقابل أظهرت دراساتٌ أخرى انخفاضاً في تعداد صفيحات حديثي الولادة بعد الولادة المهبليّة مقارنةً بالقيصرية (5). ولكن يبقى من الصعب التنبّؤ بنقص الصّفيحات لدى حديثي الولادة.

إذاً هل من الممكن تشخيص (ITP) وعلاجه في أثناء الحمل؟

لا يُوجد اختبارٌ يمكن أن يميّز (ITP) عن الأسباب الأخرى لنقص الصّفيحات الأموميّة، وتشمل الاستقصاءات: تعداد الدم الكامل (CBC)، وفحص لطاخة الدم المحيطيّة لاستبعاد الأسباب الثانويّة لنقص الصّفيحات، ونادراً ما يكون بزل نقيّ العظم ضرورياً للتقييم (2).

ومن المهمّ مراقبة  تعداد الصّفيحات شهرياً في أثناء الحمل؛ ولأنه من النادر حدوث نزفٍ عفويٍّ إذا كان تعداد الصّفيحات أكثر من 20000 ميكرولتر؛ فلا حاجة إلى العلاج في حالة عدم وجود أعراض ما لم ينخفض ​​عدد الصّفائح الدمويّة عن هذا المستوى (1).

ويرى كثيرون أنّ الستيروئيدات القشريّة (Corticosteroids) هي العلاج الأوّل لـ (ITP) في الحمل. مع الانتباه إلى آثارها الجانبيّة واحتماليّة سمّيّتها وتأثيراتها المشوّهة للأجنّة؛ إذ تُثبّط الستيروئيدات القشريّة عمليّةَ بَلْعَمَة الصّفيحات جزئيّاً، إضافةً إلى تخفيض إنتاج الأضداد، وكذلك تُعدّ الغلوبولينات المناعيّة وريدياً (IVIg) أحد الخطوط العلاجيّة المهمّة لـ (ITP) المرتبط بالحمل (2).

وفي حال فشل العلاجات الدوائيّة؛ يُعدُّ استئصال الطحال علاجاً مناسباً للحالات الوخيمة المعنّدة على العلاجات الدوائيّة. وفي حال الحاجة إلى استئصال الطحال في أثناء الحمل؛ يُفضَّل إجراؤه في الثّلث الثّاني من الحمل. وأيضاً لا ننسى وجوب تمنيع النّساء اللواتي تعرضنَ لاستئصال الطحال ضدّ المكوّرات الرّئويّة (pneumococci)، والمكوّرات السّحائيّة (meningococci)، والمستدمية النزليّة (h. Influenza)(1).

ولا ننسى أحد الأسباب المهمّة لنقص الصّفيحات في أثناء الحمل؛ ألا وهي: ما قبل الإرجاج (preeclampsia)، ومتلازمة (HELLP)؛ إذ تشمل ما قبل الإرجاج ما يُقارب 6٪ من حالات الحمل الأوّل، وتُعدُّ السّبب الأكثر شيوعاً للوفيات المرتبطة بالحمل، وتشمل معايير تشخيص ما قبل الإرجاج: ضغط الدم 140 ملم زئبقي الانقباضي أو 90 ملم زئبقي الانبساطي أو أكثر؛ وذلك في النّصف الثّاني من الحمل لدى امرأة كانت تعاني ضغطَ دمٍ طبيعيٍّ سابقاً، وبيلة بروتينيّة تُقدّر بقرابة 0.3 غرام من البروتين أو أكثر في عيّنة بول 24 ساعة. وتؤثّر متلازمة (HELLP) في 0.5-0.9٪ من الحمول، وتشمل انحلالاً في الدم، وارتفاعاً في خمائر الكبد، ونقصاً في الصّفيحات (2).

وعموماً يسير حمل النّساء المعرّضات لنقص الصفيحات دون مضاعفاتٍ خطيرة، ولا يبدو أنّ الحمل يؤثّر في مسار أيّ من الأمراض السّابقة في أغلب الحالات، ويبقى من المهمّ مراعاة الحالات الشّديدة أو المعنّدة أو عند الحاجة إلى تناول أدويةٍ ذات تأثيراتٍ مشوّهة للأجنّة، وحينها يُنصَح بتأجيل الحمل إلى وقتٍ لاحق  (1).

المصادر:

1- Immune Thrombocytopenia and Pregnancy: Practice Essentials, Pathophysiology, Epidemiology [Internet]. Emedicine.medscape.com. 2019 [cited 24 April 2020]. Available from: هنا
2- Thrombocytopenia in pregnancy [Internet]. Taylor & Francis. 2016 [cited 24 April 2020]. Available from: هنا
3- Lambert M, Gernsheimer T. Clinical updates in adult immune thrombocytopenia [Internet]. ncbi.nlm.nih.gov. 2017 [cited 24 April 2020]. Available from: هنا
4- Clinical features of gestational thrombocytopenia difficult to differentiate from immune thrombocytopenia diagnosed during pregnancy [Internet]. obgyn.onlinelibrary.wiley.com. 2014 [cited 24 April 2020]. Available from: هنا
5- Neonatal Outcomes of Pregnancy with Immune Thrombocytopenia [Internet]. ncbi.nlm.nih.gov. 2016 [cited 24 April 2020]. Available from: هنا