الطبيعة والعلوم البيئية > علم البيئة

حروب المياه؛ حقيقة أم وهم؟

هل سيتعين على العالم مستقبلاً مواجهةُ حروب المياه بدلاً من حروب النفط التي شهدها سابقاً؟ لنتعرف الإجابة في هذا المقال.

لا بد من أنك ستطلق على الأرض لقبَ الكوكب الأزرق لو شاهدت صورةً لها من الفضاء؛ إذ تحتل المياهُ ثلاثة أرباع مساحة الكوكب. ولكن معظم هذه المياه تحتلها المحيطاتُ والبحارُ ذات المياه المالحة غير الصالحة للاستخدام. أما المياه العذبة فهي ذات مصادر محدودة جداً، تتضمن الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية وكذلك الثلوج والأنهار الجليدية. ولا تكمن المشكلة فقط في محدودية مصادر المياه العذبة، بل في صعوبة الوصول إليها؛ إذ لا تتعدى نسبة المياه العذبة المتاحة قيمة 1% (1).

تُعدُّ المياه أحد مقومات الحياة الأساسية؛ إذ يحتاج الفرد يومياً إلى 2.5 لتر من الماء ليبقى بصحة جيدة (1)، فضلاً عن أهمية المياه الكبيرة في تنمية الاقتصاد والاستدامة البيئية. وقد نشأ عن هذه الحاجة الماسة إلى المياه -التي تأخذ بعين الحسبان محدوديةَ مصادر المياه العذبة- المزيدُ من النزاعات الدولية؛ فالمياه لا تعرف حدوداً يجب أن يتوقف جريانُها عندها. 

في هذا الصدد نستذكر قول أحد مسؤولي البنك الدولي السابقين: "دارت حروب هذا القرن بسبب النفط، ولكن حروب القرن القادم ستدور حول المياه، ما لم نغير طريقة إدارتنا لهذه المياه" (6) . 

فهل حقاً سنشهد حروباً وصراعات على المياه؟

يمكن النظر إلى إمكانية حدوث حرب بسبب المياه من عدمها، من وجهتَي نظر مختلفتين وفقاً للدراسات والأبحاث ذات الصلة؛ فمن وجهة نظر متفائلة، تميل الدول إلى حلِّ نزاعات المياه سلمياً، لا سيما أنها حاجة ضرورية لاستمرارها؛ مما يرجح تعاونها لإيجاد حلول ملائمة بدلاً من إقحام نفسها بنزاع دولي. أما من وجهة نظر أخرى؛ فإنه في حالات مجاري المياه المشتركة بين الدول لا بدَّ من نشوب نزاعات مستمرة بأشكال مختلفة، نظراً إلى زيادة الإجهاد المائي بتأثير تطور الاقتصاد وزيادة التعداد السكاني، وذلك في حال عدم وجود نيَّة جادَّة بتجنب حرب واتخاذ إجراءات ذات معنى في إدارة موارد المياه المتوفرة (2). 

ويمكن شرح العلاقة بين الدول التي تتشارك في حدودها المائية وفق نظريتَين (2): 

- نظرية السيادة المطلقة الإقليمية (لا تشاور مع دول المصب) التي تتبنَّاها دولُ المنبع القوية (مثل تركيا: دولة المنبع لنهري دجلة والفرات). 

- نظرية النزاهة المطلقة الإقليمية (يجب أن تذهب غزارة المياه كاملة إلى المصب)، وهي التي تتبنَّاها دولُ المصبِّ ذات النفوذ (مثل مصر: دولة المصب لنهر النيل).

إن الخوف من فقدان السيطرة على المياه في أحواض المياه المشتركة في ظلِّ الحاجة المتزايدة إليها لتغطية حاجات السكان الذين يتزايد تعدادهم باضطراد (1)، إضافة إلى تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والصناعية الزراعية… إلخ، يُهيأ استعداداً لخوض الحرب، فيما لو كانت هي الخيار الوحيد لفرض السيطرة. وهذا الاستعداد الكامن للحرب ليس شيئاً جديداً، بل إنَّ التاريخ يبرهن على وجود مثل هذه الصراعات (2). ولكن هناك رأي آخر (3) يقول بأنه لا دلائل كافية لحدوث حروب فعلية بسبب الصراع على المياه، وحتى لو نشبت بعضُ النزاعات؛ فإنها غالباً ما كانت تُفضي للتوصل إلى اتفاقات برعاية دولية تبعد أثر أي شبح للحرب.

يعيش ما نسبته 40% من سكان العالم في 276 حوض مائي؛ تشترك فيها دولتان أو أكثر (1) (3). ومن هذه الأحواض نذكر حوض نهر الإندوس (Indus)، والنجير (Niger)، والنيل (Nile)، والميكونغ (Mekong)، والدانوب (Danube)، ودجلة (Tigris)، والفرات (Euphrates). 

تبين الصور أدناه الأحواض المائية المشتركة في العالم، وعدد الدول التي تتشارك في هذه الأحواض (3):

لنأخذ مثالاً: حالة حوض النيل 

ينبع نهر النيل من إثيوبيا؛ ما يجعلها تسهم في غزارة تقدَّر بـ 86% من غزارة النهر الذي يمرُّ من السودان ليصب في مصر على شاطئ المتوسط (2). ويمكن لإثيوبيا أن تستثمر على نحو كبير في مجال الطاقة الكهرمائية نظراً إلى وجود المنبع ذي الغزارة الكبيرة فيها، لكنها لم تستثمر جدياً في هذا المجال نظراً إلى ذهاب الحصَّة الكبيرة من مياه النهر إلى مصر التي يُمثِّل نهرُ النيل شريان الحياة لكل مفاصل الحياة فيها. وقد قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات سابقاً: "إن أي إجراء من شأنه أن يُعرِّض النيلَ الأزرق للخطر سيواجه بشكل حازم من قبل الجانب المصري، حتى لو قاد ذلك إلى الحرب" (7).

عادت أزمةُ النيل إلى الواجهة من جديد في ظلِّ عقد إثيوبيا العزمَ على استثمار سدِّ النهضة الضخم الذي بُنِيَ على نهر النيل بتكلفة 4 مليار يورو، بهدف توليد 6000 ميغا واط من الطاقة الكهربائية؛ أي ما يعادل ست محطات تعمل بالطاقة النووية (4)، لا سيما أن نهر النيل يؤمِّن 95% من احتياجات المصريين مثل مياه الشرب، والاستخدامات المنزلية، والزراعة، والسياحة، والنقل المائي وتوليد الطاقة الكهربائية (5).

صورة لسد النهضة في إثيوبيا

على الرغم من أن البلدان ذات الصلة لم تصل إلى حالة الحرب حتى الآن، وإنما عُقِد العديد من الاجتماعات، عدا عن تشكيل لجنة علمية من خبراء البلدان المشتركة في حوض النيل لدراسة الآثار المترتبة على دخول السد في الخدمة (4)، والهدف الأساسي تقريب وجهات النظر والوصول إلى حلول ملائمة لجميع الأطراف؛ مما يرجح وجهة النظر القائلة بعدم كفاية الأدلة على نشوب حروب من أجل المياه، ولكن لا يثبت قطعاً عدم حدوث مثل الحروب مستقبلاً. وفي هذا الصدد يمكنكم قراءة مقالنا عن الصراع الدائر بين إثيوبيا ومصر من أجل سد النهضة:

هنا

قد تصبح حروب المياه أمراً واقعاً إذا لم يُؤخذ خطرُ حدوثها مستقبلاً على محمل الجد؛ مما يبرز أهمية إدارة موارد المياه العذبة المشتركة، وضرورة حل النزاعات المائية سلمياً بين الأطراف المعنية بما يسهم في تنمية هذه الموارد المحدودة على نحو فعَّال ومستدام.

المصادر:

1. Water crisis: Journal of Comparative Social Welfare: Vol 26, No 2-3 [Internet]. [cited 2020 Apr 15]. Available from: هنا

2. (PDF) Water Wars in 21st Century: Speculation or Reality? [Internet]. [cited 2020 Apr 15]. Available from: هنا

3. Water Wars | United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization [Internet]. [cited 2020 Apr 15]. Available from: هنا

4. Egypt, Sudan, Ethiopia agree study of contentious Nile dam [Internet]. [cited 2020 Apr 15]. Available from: هنا

5. Managing risks of the Grand Ethiopian Renaissance Dam on Egypt - ScienceDirect [Internet]. [cited 2020 Apr 15]. Available from: هنا

6. Serageldin I. Water: conflicts set to arise within as well as between states. Nature 2009;459:163–163. هنا

7. Kendie D. Egypt and the Hydro-Politics of the Blue Nile River. Northeast African Studies 1999;6:141–69. هنا