الهندسة والآليات > التكنولوجيا الطبية

هل اقتربنا من دمج الحاسوب مع الدماغ البشري؟

يتضمن جهاز الثدييات العصبي مليارات الأعصاب المسؤولة على نحو رئيس عن استقبال المعلومات من البيئة المحيطة ومعالجتها ونقلها إلى أعضاء الجسم كافةً. إضافة إلى التطور الكبير في مجال علم الأعصاب، إلا أننا ما زلنا نجد صعوبةً في فهم الظروف التي تعمل بها الأعصابُ وتنقل الإشارات فيما بينها، ويعود ذلك إلى محدودية الأدوات القادرة على قراءة هذه الإشارات وتحسسها؛ إذ إن حدوث أي اضطراب أو خلل في الجملة العصبية ينجم عنه أمراض يصعب أو قد يستحيل علاجها، مثل داء باركنسون والسكتات الدماغية والأمراض العصبية الناجمة عن إصابات الدماغ والنخاع الشوكي الشديدة. (1).

وقد ظهرت تطبيقات واجهات التخاطب بين الدماغ والحاسب (Brain Computer Interface BCI) في السنوات الأخيرة في المجالات الطبية بوصفها حلًّا مبتكرًا للأشخاص الذين يعانون مشكلات عصبية لمساعدتهم على التفاعل مع العالم الخارجي، مثل التحكم بالكرسي الآلي أو الأطراف الصناعية وما إلى ذلك، وأيضًا تُستخدم هذه الواجهات حاليًا في العديد من الأبحاث الطبية المتعلقة بالدماغ (2). وتُؤمِّن واجهاتُ الـ (BCI) للشخص التحكمَ المباشر عن طريق الدماغ بأجهزة تقنية مثل الحاسب وأجهزة التواصل المعززة؛ إذ تتألف عمومًا من العناصر الآتية (3):

1) عنصر الحصول على الإشارة من الدماغ وتضخيمها. 2) عنصر استخلاص خصائص الإشارة ومعالجتها. 3) عنصر ترجمة الخصائص وترميزها. 4) واجهات التحكم وعناصر التحكم بالأجهزة.

ومع نجاح أجهزة التسجيل المستخدمة حاليًّا في واجهات الـ (BCI) في العديد من التطبيقات الطبية؛ إلا أن التعقيد الكبير للجهاز العصبي والدماغ يُشكِّل عائقًا أمام تطور هذه التقنيات (1،3). 

وهنا تكمن أهمية الجهاز المبُتكر؛ فقد نجح باحثون من جامعة ستانفورد مؤخرًا في تطوير جهاز يربط الدماغَ مباشرة بأجهزة تقنية مصنوعة من السيليكون؛ فإن الجهاز يتميز بقدرته على تسجيل بيانات بكميات أكبر من عناصر واجهات الـ (BCI) المتوفرة حاليًّا، حيث يتضمن الجهاز الجديد مجموعةً من الأسلاك المتناهية الصغر (mircowires)، وكل سلك قطره أقل من نصف قطر أصغر شعرة عند الإنسان؛ إذ تُدخل هذه الأسلاك بعناية إلى الدماغ وتتصل من الطرف الآخر (الخارجي) مباشرةً بشريحة من السليكون؛ فإن الشريحة تعمل على تسجيل الإشارات الكهربائية المارة في كلٍّ من هذه الأسلاك، والأمر أشبه بتسجيل فيلم للنشاط العصبي الكهربائي. (2).

وقد جُمعت مئاتُ الأسلاك في النسخ التجريبية من هذا الجهاز، ويعمل الباحثون حاليًّا على تطوير الجهاز وحزم آلاف الأسلاك في كلِّ جهاز، ولكن إحدى العواقب التي واجهت الباحثون في أثناء تصميم الجهاز؛ هي كيفية تنسيق الأسلاك المتناهية الصغر وحزمها معًا؛ فلا بد من أن تكون قوية ومتينة، فقد عالج الباحثون المشكلة بتغليف كلِّ سلك ببوليميرات آمنة بيولوجيًّا، ثم جمعها مع بعض وحزمها ضمن حلقة معدنية؛ مما يضمن بقاء الأسلاك منفصلة عن بعضها ويسهل من توجيهها على نحو صحيح، ومن ثم تُجرد الأسلاك أسفل الحلقة من الغلاف البوليميري، لإمكانية توجيه كل سلك منفردًا نحو الدماغ (2).

ما الذي يُميِّز الجهاز الجديد عن أجهزة التسجيل المستخدمة حاليًّا في واجهات لـ (BCI)؟

يقول (Jun Ding) مساعد بروفيسور في علم الأعصاب والجراحة العصبية وأحد المؤلفين للورقة البحثية عن هذا الجهاز: "يختلف تصميم هذا الجهاز تمامًا عن أي جهازِ تسجيل عالي الكثافة موجود حاليًّا، كذلك يمكن تغيير الشكل والحجم وكثافة مجموعة الأسلاك بكل بساطة في أثناء عملية التصنيع؛ أي بإمكاننا تسجيل إشارات من مناطق مختلفة من الدماغ في الوقت ذاته وعند أعماق مختلفة باستخدام أي نظام ثلاثي الأبعاد نظريًّا(2).

يُجري الباحثون حاليًّا -بعد انتهائهم من تجاربهم الأولية على خلايا شبكية العين لأحد الجرذان وعلى الفئران- تجارب طويلة المدى على الحيوانات، بهدف التحقق من متانة مجموعة الأسلاك وأداء النسخ الأكبر حجمًا(2).

يبدو هذا الجهاز هو الأمل الواعد لمعالجة كثيرٍ من الأمراض العصبية التي يصعب إيجاد علاج لها في وقتنا الحالي، إذ يأمل فريق العمل في ستانفورد أن يتمكنوا من استخدام هذا الجهاز في تحسين التقنيات الطبية المخصصة لمساعدة المرضى مثل الأطراف الصناعية الميكانيكية، والأجهزة التي تساعد على استعادة النطق أو النظر (2).

المصادر:

1- Chen R, Canales A, Anikeeva P. Neural recording and modulation technologies. Nature Reviews Materials. 2017;2(2). هنا

2- University S. Bringing silicon computing power to the brain | Stanford News [Internet]. Stanford News. 2020 [cited 7 May 2020]. Available from: هنا

3- Thompson D, Huggins J. A Multi-Purpose Brain-Computer Interface Output Device. Clinical EEG and Neuroscience. 2011;42(4):230-235. هنا