المعلوماتية > عام

الذكاء الصنعي وجائحة Covid-19

في الثلاثين من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2019؛ نبّهت شركة الذكاء الصنعي BlueDot -التي تستخدم تعلم الآلة لرصد تفشي الأمراض المُعدية في أنحاء العالم جميعها- عملاءَها بما في ذلك مختلف الحكومات والمستشفيات والشركات إلى نتوء غير عادي في حالات الالتهاب الرئوي في ووهان Wuhan الصينية، لُتعلن لاحقًا منظمة الصحة العالمية عمّا يُعرف حاليًا بـ Covid-19 جائحةً عالمية (1).

لم تكن شركة "BlueDot" وحدها؛ فقد التقطت خدمة آلية أخرى تُسمى "HealthMap" في مستشفى بوسطن للأطفال Boston Children’s Hospital تلك العلامات أيضًا، إضافة إلى أنموذج تديره "Metabiota" التي يقع مقرّها في سان فرانسيسكو San Francisco.

هناك ثلاثة مجالات رئيسة يمكن أن يساعد فيها الذكاء الصنعي (1):

التنبؤ (Prediction):

تستخدم شركات مثل BlueDot وMetabiota مجموعةً من خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية Natural Language processing:NLP لرصد المراكز الإخبارية وتقارير الرعاية الصحية الرسمية بلغات مختلفة في أنحاء العالم؛ مما يشير إلى ما إذا كانت تذكر أمراضًا ذات أولوية عالية مثل الفيروسات التاجية (عائلة فيروس كورونا المستجد Sars-Cov-2)، إضافة إلى أنها أدرجت أكثر الدول احتمالًا للإبلاغ عن حالات جديدة، متضمّنةً الصين وإيطاليا وإيران والولايات المتحدة (1).

التشخيص المبكر (Early diagnosis):

فضلًا عن التنبؤ بمسار الوباء، يأمل كثيرٌ من الناس أن يساعد الذكاء الصنعي على تحديد الأشخاص المصابين؛ إذ يمكن لنماذج تعلم الآلة التي تفحص الصور الطبية أن تلتقط العلامات المبكرة للمرض والتي يصعب على الأطباء البشريين ملاحظتها؛ بدءًا من أمراض العيون إلى أمراض القلب والسرطان، لكن عادةً ما تتطلب هذه النماذج كثيرًا من البيانات للتعلم منها (1).

العلاج (Cure-all):

تؤدي البيانات دورًا كبيرًا بمساعدة الذكاء الصنعي على تطوير علاجات المرض، وتتمثل إحدى التقنيات في استخدام خوارزميات تعمل على توليد علاجات وتجريبها نظريًّا على الحاسوب -بالاعتماد على بنية الفيروس مثلًا- *والبحث بسرعة عبر ملايين الهياكل البيولوجية أو الجزيئية؛ مما ينتج عددًا كبيرًا من النتائج المحتملة، ومن ثم ترشيح أبرز الحلول والعلاجات التي يمكن تجريبها مخبريًّا (1).

أنموذج شبكة عصبونية تلافيفية لتشخيص الإصابة بالكورونا من صور لمنطقة الصدر

لمّا كان للذكاء الصنعي دورٌ مهم في التشخيص؛ عمل الباحثون على شبكة عصبونية يمكن أن تساعد على تقصي الإصابة بفيروس Covid-19 عن طريق صورة الصدر الشعاعية البسيطة Chest x-rays، **علمًا أن التحليل الوحيد الذي يمكن أن يؤكد الإصابة هو تحليل Polymerase Chain Reaction المعروف اختصارًا بـ PCR، ولذلك؛ إيجادُ حل مساعد قد يخفف الضغط على المخابر لإجراء التحليل (2).

إنّ Covid-Net هي شبكة عصبونية مفتوحة المصدر -يوجد شبكات عصبونية أخرى سبقتها لكنها مغلقة المصدر-، أُطلِقَت للعامّة لمساعدة الباحثين في أنحاء العالم على تطوير أداة ذكاء صنعي يمكنها فحص المرضى لتقصي الإصابة بفيروس Covid-19.

ما هي Covid-Net؟

هي شبكة عصبونية تلافيفية (convolutional neural network)، وهي نمط من الذكاء الصنعي يتميز بقدرة عالية على تعرف الصور، طوّرها كلٌّ من Linda Wang وAlexander Wong من جامعة Waterloo وشركة DarwinAI للذكاء الصنعي في كندا (2)، وقد دُرِّبت هذه الشبكة لتعرف علامات الإصابة بفيروس Covid-19 في صور الصدر الشعاعية البسيطة (chest x-rays) باستخدام 16،756 صورة أُخِذت من 13،645 حالة مرضية لمرضى يعانون حالاتٍ رئوية مختلفة بما فيها الإنتانات الجرثومية، وأُرفِقت مجموعة البيانات إلى جانب الأداة لتكون متاحة لأي باحث أو أي شخص يود البحث والاطلاع عليها (3).

تسير هذه الشبكة على نهج قصص نجاح سابقة، فالعديد من الخطوات المتقدمة في مجال الرؤية الحاسوبية على مدى السنوات العشر الماضية تدين بالشكر لـ ImageNET؛ وهي مجموعة بيانات (data set) ضخمة تضم الملايين من الصور اليومية، إضافة إلى AlexNet؛ وهي شبكة عصبونية تلافيفية (convolutional neural network) دُرِّبت لإنجاز هذا الأمر؛ إذ يبني الباحثون أعمالهم على الشبكة ومجموعتَي البيانات سابقتي الذكر حتى الآن (2).

ماذا عن المنهجية المستخدمة في تصميم هذه الشبكة؟ 

إنها شبكة عصبونية تلافيفية عميقة يغلب فيها استخدام طبقة أطلقوا عليها اسم "PEPX1.1"، وهي اختصارٌ لـ projection-expansion-projection، تتألف مما يأتي (3):

وقد نُفِّذت اعتمادًا على ImageNet بالإضافة إلى مجموعة البيانات الجديدة التي أطلقوا عليها اسم "COVIDx" باستخدام Adam optimizer لتصحيح الأخطاء في أثناء عملية التدريب، وباستخدام معدل تعلُّم متغير؛ أي يتناقص في أثناء التدريب اعتمادًا على معامل آخر هو Patience.

كذلك طُبِّق عديدٌ من عمليات ما قبل المعالجة على الصور -من تدوير وتحريك وانسحاب وغيرها- لإغناء مجموعة  البيانات بمزيد من المعلومات في أثناء التدريب، ونُفِّذت باستخدام مكتبة Keras للتعلم العميق (Deep learning) المضمّنة ضمن إطار العمل Tensorflow، ويمكن الوصول إلى الشيفرات البرمجية (code) ومجموعات البيانات كافة من خلال الرابط الآتي على موقع Github:

هنا

ويُظهر الجدول الآتي تقييم الشبكة بالنسب المئوية ونجاحها في تعرف حالة المريض من الصورة الشعاعية (Positive predictive value (PPV:

(3)

وكما ذكرنا، أعلن عدة باحثين عن التوصل إلى أدوات ذكاء صنعي يمكنها تشخيص Covid-19 بواسطة الصور الشعاعية البسيطة في الأسابيع القليلة الماضية، ولكن لم يكن أيٌّ منها متاحًا للعامة على نحو كامل؛ مما جعل تقدير دقتها أمرًا صعبًا، في حين تمتلك شركة DarwinAI حالة مختلفة؛ فقد نبّهت الشركة إلى أن أداة Covid-Net ليست -ولا بأية وسيلة- حلًّا نهائيًّا جاهزًا للعمل، ولذلك؛ هي تشجع الآخرين لمساعدتها على تحقيق هذا الأمر (1).

لا نعلم لأي مدى يمكن أن يصبح الذكاء الصنعي فعالًا في تنبؤ الأوبئة وتشخيص الحالات المرضيّة، ولكن؛ يجب أن نسخّر كل ما يمكن أن يوفره من خدمات لمساعدة الكوادر الطبية على الحد من خطورة الموقف، ولربما الكشف المبكر عن الأوبئة القادمة.

هوامش

*يمكن الاطلاع على مقال "فيروس كورونا المستجد والحواسيب الفائقة" الذي يتناول كيف تسرّع الحواسيب عمليةَ البحث عن الأدوية الممكنة هنا

**يمكن الاطلاع على مقال "ما هو PCR؟ وكيف يشخص COVID-19؟" هنا

المصادر:

1- Heavena W. AI could help with the next pandemic—but not with this one [Internet]. MIT Technology Review. 2020 [cited 1 May 2020]. Available from: هنا

2- Heaven W. A neural network can help spot Covid-19 in chest x-rays [Internet]. MIT Technology Review. 2020 [cited 1 May 2020]. Available from: هنا

3- Wang L، Wong A. COVID-Net: A Tailored Deep Convolutional Neural Network Design for Detection of COVID-19 Cases from Chest X-Ray Images [Internet]. arXiv.org. 2020 [cited 1 May 2020]. Available from: هنا