البيولوجيا والتطوّر > شخصيات في عالم البيولوجيا

العلماء يتوصلون إلى نقطة ضعف بطيئات الخَطو

اكتُشفت بطيئات الخَطو أول مرة منذ قرابة 250 سنة، وتُقسَّم إلى 700 نوع مختلف، منها ما يعيش في المياه العذبة ومنها في البحار ومنها على اليابسة، (6) ولكن؛ لماذا نتكلَّم عليها في مقالنا اليوم؟ وما أهميتها؟ وما الذي يجعلها هدفًا للأبحاث العلمية؟

تكمُن الإجابة في بطيء الخطو نفسه، فهو كائن مجهري لافقاري مائي، يُعدُّ هدفًا لكثيرٍ من الأبحاث وخاصةً في دراسة التطور؛ نظرًا إلى قصر دورة حياته، وهذا يتيح للعلماء متابعة دراسته على عدَّة أجيال منه، وهو كذلك سهل التربية ويسهل التعامل معه في المختبر والحصول عليه لكثرة انتشاره في مختلف البيئات، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ بطيء الخطو يملك قدرة عالية على التكيُّف مع مختلف التغيرات البيئية، وهذا ما جعله هدفًا لدراسات التَّطور والتكيُّف ودراسات الفضاء، وجديرٌ بالذِّكر بأنَّ هذه الكائنات أضحت محور اهتمام علماء الفضاء البيولوجيين؛ بسبب قدرتها الهائلة على تحمُّل الضُّغوطات الناتجة عن الرحلات الفضائية. (2,3,5) 

ولنتعرَّف معًا آليَّةَ تكيُّف بطيئات الخطو مع البيئة المحيطة:

بما أنَّ بطيئات الخطو حيوانات مائية، فهي تحتاج إلى أن تكون محاطةً بطبقة من غلاف مائي لتكون قادرة على التغذِّي والتكاثر وأداء النشاط الاستقلابي، وعند وجودها في ظروف بيئية قاسية كالجفاف أو نقص الأكسجين أو وجود مواد سامَّة بتركيز عالٍ، أو درجات حرارة منخفضة للغاية، أو تراكيز عالية من الذَّوائِب (تغيُّر درجة الملوحة)، تدخل عندها في حالةٍ لا استقلابية (وتعرف بحالة السُّبات أو الحالة الكامنة) قابلةٍ للعكس ريثما تعود البيئة المحيطة ملائمةً لنشاطها. (1) 

فمثلًا؛ عندما توجد في مواطن برية صغيرة مع انقطاع مؤقت للمياه العذبة، فإنَّها تتأقلم مع نقص المياه بأن تتحول إلى حالة جافة غير نشطة استقلابيًّا، وتترافق هذه الحالة مع تغيرات شكلية فتنقبض وتسحب أرجلها إلى الداخل (لاحظ الصورة المرفقة، في الأعلى الحالة النشطة استقلابيًّا وفي الأسفل حالة السُّبات).

ولكي يحمي بطيء الخطو نفسه من قساوة البيئة، عليه أن يحمي أغشيته وبروتيناته عن طريق سكريات أو بروتينات تُشكِّل ما يسمى بـ"حالة صلبة غير متبلورة" وكأنَّها دروع واقية تحمي مكوناته الخلوية.(1,4)

والسُّؤال هنا، هل بطيئات الخطو هذه كائنات جبَّارة لا تُقهر فعلًا؟ أم أنَّها تملك نقاط ضعف كباقي المخلوقات؟

عند مراجعة الأبحاث التي أُجريت بهذا الخصوص وفق منهجيات مختلفة على مختلف الأنواع من بطيئات الخطو، نرى وجود فروق -وإن كانت طفيفةً- بين أنواع بطيئات الخطو من ناحية قدرتها على تحمُّل درجات الحرارة العالية.

وقد بيَّنت الأبحاث أنَّ هذه الكائنات قادرة على البقاء على قيد الحياة في درجات حرارة تقارب 70 درجة مئوية تقريبًا مدَّة ساعة في حالتها الجافة الكامنة، وأنَّ تعريضها إلى درجات حرارة أعلى يؤدي إلى انخفاض كبير في القدرة على البقاء على قيد الحياة؛ إذ لم تنجُ عينة واحدة عند التعرض إلى حرارة 100 درجة مئوية.

وكَشفت دراسة أخرى أُجريت على تسعة أنواع من بطيئات الخطو الأرضية أنَّ الأنواع الأكثر تحمُّلًا أظهرت انخفاضًا حادًّا في القدرة على البقاء على قيد الحياة عند حرارة أعلى من 100 درجة مئوية؛ إذ ماتت العينات جميعها تقريبًا عند درجات حرارة أعلى من 103 مئوية. (1) 

وعلى النقيض من الدراسات المذكورة أعلاه على بطيء الخطو في الحالة الكامنة، شملت الدراسات الحديثة أفرادًا في حالة النشاط الاستقلابي، وأظهرت انخفاضًا حادًّا في القدرة على البقاء على قيد الحياة في درجات الحرارة فوق 28-30 مئوية مع معدل وفيات 100٪ عند 36-38 درجة مئوية، وتَبيَّن أنَّ درجة الحرارة المطلوبة لتحقيق معدل وفيات 50٪ هي 29-39 مئوية حسب النوع المدروس. (1,2 ) 

وإلى حدِّ الآن، لم يُعرف مدى تحمُّل بطيئات الخطو في الحالة الكامنة لدرجات حرارة مرتفعة مدةً تزيد على ساعة واحدة، ولكنَّ هذا المقال سيجيب عن هذا التساؤل.

لنبدأ بدراسة تأثير درجات الحرارة المرتفعة في بطيئات الخطو النشيطة استقلابيًّا أولًا:

وُزِّعت حيوانات التجربة على خمس مجموعات تتألف كل منها من عشرين عينة، وعُرَّضت كل مجموعة مدة 24 ساعة إلى درجة حرارة معينة (30، 35، 37، 40 مئوية، إضافة إلى مجموعة بقيت ضمن درجة حرارة 5 مئوية، وهي الحرارة التي حُفظت فيها بطيئات الخطو قبل بدء التجربة). 

وقد لاحظ الباحثون تناقص نسبة بطيئات الخطو النشيطة بعد التعرض إلى درجة حرارة 37 مئوية، ولاحظوا كذلك أنَّ الحيوانات التي تعرضت إلى درجة حرارة 40 مئوية جميعها فقدت نشاطها.

وكرَّر العلماء في هذا البحث التجربة نفسها، ولكن؛ بعد تعريض الحيوانات إلى فترة تكيف حراري؛ إذ سمحوا لها بالتكيف مدة ساعتين في درجة حرارة 30 مئوية، ومن ثمَّ ساعتين في درجة حرارة 35 مئوية وذلك قبل تعريضها إلى الدرجتين 37 و40 مئوية، وكانت النتيجة أن ازدادت نسبة الحيوانات النشيطة مقارنة بالتجربة السابقة التي لا تتضمن فترة تكيف حراري؛ إذ كانت نسبة بطيئات الخطو النشيطة في التجربة الأولى بعد 48 ساعة من تعرُّضها إلى حرارة 37 مئوية 54% مقابل ارتفاع هذه النسبة إلى 72.2% في التجربة الثانية، وبناء على ذلك، فقد حدد الباحثون أنَّ درجة الحرارة اللازمة لقتل 50% من حيوانات التجربة النشيطة تعادل وسطيًّا 37.1 درجة في حال عدم وجود فترة تكيف حراري وتقابلها 37.6 درجة مئوية في حال التكيف.

ولم يكتفِ الباحثون بدراسة تأثير الحرارة المرتفعة في بطيئات الخطو النشيطة استقلابيًّا، بل ودرسوا تأثيرها في بطيئات الخطو بحالتها الكامنة أيضًا:

عرَّض العلماء بطيئات الخطو الجافة إلى درجات حرارة مرتفعة إما مدة ساعة واحدة (المجموعة الأولى) وإما مدة 24 ساعة (المجموعة الثانية)؛ إذ وُضعت الحيوانات في درجة حرارة الغرفة لكي تدخل في حالتها الكامنة بعد أن كانت موجودة في مياهٍ درجة حرارتها 5 مئوية.

وبعد تعريضها إلى درجة حرارة 70 مئوية، لاحظ الباحثون أنَّ 94% من حيوانات المجموعة الأولى بقيت نشيطة بعد 48 ساعة من التجربة، في حين لم ينجُ أيٌّ من حيوانات المجموعة الثانية عند التعرُّض إلى درجة الحرارة نفسها.

وقد عرَّض الباحثون -أيضًا- حيوانات المجموعة الأولى إلى درجات حرارة 40 و50 و60 مئوية، ولاحظوا بعد 48 ساعة من هذه التجربة تناقص نسبة بطيئات الخطو الحية بازدياد درجة الحرارة، وبناء على ذلك، قدَّر الباحثون أنَّ درجة الحرارة اللازمة لقتل 50% من حيوانات التجربة بحالتها الكامنة تعادل وسطيًّا 82.7 درجة مئوية في حال تعرضها مدَّة ساعة إلى درجات حرارة عالية وتقابلها 63.1 درجة مئوية في حال التعرُّض مدة 24 ساعة.

واستنتج العلماء من هذه التجارب أنَّ درجة الحرارة وكذلك وجود فترة تكيف حراري أو انعدامها هي عوامل تؤدي دورًا كبيرًا في تحمُّل بطيئات الخطو النشيطة استقلابيًّا لدرجات حرارة عالية، أما في حالتها الكامنة (الجافة) فإنَّ درجة الحرارة وكذلك فترة التعرض هي العوامل الأساسية لتحمُّلها درجات حرارة عالية. (1)

ويبقى السؤال، كيف يمكن للاحتباس الحراري أن يؤثر في تكيف بطيئات الخطو مع ارتفاع درجات الحرارة؟

المصادار: 

  1. Neves R, Hvidepil L, Sørensen-Hygum T, Stuart R, Møbjerg N. Thermotolerance experiments on active and desiccated states of Ramazzottius varieornatus emphasize that tardigrades are sensitive to high temperatures. Scientific Reports. 2020;10(1).
  2. Reproductive Evolution [Internet]. Matemaattis-luonnontieteellinen tiedekunta. 2020 [cited 5 May 2020]. Available from:  هنا
  3. Weronika E, Łukasz K. Tardigrades in Space Research - Past and Future. Origins of Life and Evolution of Biospheres. 2016;47(4):545-553. 
  4. Tardigrades [Internet]. American Scientist. 2020 [cited 5 May 2020]. Available from: هنا
  5. Jarreau P, Jarreau P. Tardigrade: Hardiest Critter on Earth — FromTheLabBench [Internet]. FromTheLabBench. 2020 [cited 5 May 2020]. Available from:  هنا
  6. Boothby T, Tapia H, Brozena A, Piszkiewicz S, Smith A, Giovannini I et al. Tardigrades Use Intrinsically Disordered Proteins to Survive Desiccation. Molecular Cell. 2017;65(6):975-984.e5.