التاريخ وعلم الآثار > شخصيات من سورية

نازك العابد ... جان دارك العرب

في القرن الثامن عشر، أبصرت نازك العابد النور في محيط متنوّر لعائلة مثقّفة.

أتقنت العربية، التركية، الإنكليزية، والفرنسية، كذلك الألمانية، تلقت علومها في عدة مدارس في دمشق، لاحقاً نُفيت عائلتها إلى إزمير التركية، فتابعت علومها هناك، كما ألحقت دراستها بتعلم فن التصوير والعزف على البيانو، واهتمام كبير بالتمريض والإسعاف.

هذه السيدة المتنوّرة استطاعت منذ شبابها أن تنشر العلم و الأدب في كل مكان حطت فيه.

فحين عادت من منفاها بدأت بالكتابة في عدة صحف مثل "لسان العرب" و "العروس"، ترأست جمعية "نور الفيحاء" لمساعدة ضحايا الثورة السورية الكبرى، كما شجعت على حق المرأة على الإنتخاب، كل ذلك في مرحلة زمنية باكرة حين كانت سوريا ما تزال ترزح تحت وطأة تأثير الحكم العثماني الظلامي.

منحت رتبة عسكرية فخرية "نقيب" في الجيش زمن الملك فيصل نتيجة لمواقفها البطولية والوطنية. حيث قام الملك"فيصل بن الشريف حسين" بتعيينها في وقت سابق رئيسة لجمعية النجمة الحمراء 1920 لتقوم لاحقاً بإصدار أول مجلة أدبية اجتماعية تحت اسم "نور الفيحاء".

هذه الفتاة الجميلة اللطيفة المعشر، المتنوّرة والمثقّفة، والتي عنت بالشأن الأدبي والتوعوي لبنات وأبناء بلدها، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام زحف الجيش الفرنسي إلى دمشق في بداية الانتداب الفرنسي على سوريا. الجميلة نازك العابد بدأت بتنظيم المظاهرات للفتيات السوريات تنديداً بالانتداب، وجاهدت سرّاً و جهراً، إلى أن قامت فرنسا بإغلاق مجلّتها وضيّقت عليها الخناق مانعةً إياها من إلقاء المحاضرات وإقامة الندوات. فما كان منها إلا أن اتجهت إلى المقاومة السرّية.

بلباسٍ عسكري، شقّت نازك العابد طريقها وسط الجنود منشأةً المشفى الميداني لمداواة الجرحى، ولتنشر في صفوف الجيش الروح المقاتلة القوية التي لا تهاب أحد.

كان لها موعد مع النفي مرّة أخرى .. حيث أُبعدت إلى اسطنبول لمدة عامين، لتعود إلى الوطن وتضطرها المضايقات التي تعرضت إليها إلى اللجوء إلى الأردن، لا لكي تعتزل النضال، بل لتبدأ نضالاً من نوع آخر.

"جان دارك العرب" كما لُقّبت، قامت بنشر أسباب الثورة السورية وملابساتها، وتكلمت عن حق بلادها في الحرية والاستقلال بكل جرأة واندفاع لا مثيل له.

عادت إلى وطنها لتُفرض عليها الإقامة الجبرية في إحدى ضواحي دمشق، وليخيّل لسلطات الاحتلال أنّها قد اعتزلت العمل الثوري بالفعل، حيث عملت في الزراعة. حينها كانت نازك العابد واحدة من ثوار ثورة 1925 غير آبهة بالأخطار المحدقة بها.

بعد زواجها، انتقلت إلى بيروت، حيث تابعت عملها التنويري هناك، مؤسّسةً عدة جمعيات هناك مثل "ميتم أبناء شهداء لبنان" و "جمعية المرأة العاملة".

عن عمر يناهز الثانية والسبعين، رحلت نازك العابد التي كانت بما قدّمت مفصلاً هاماً في إحدى أهم المراحل من تاريخ سوريا. ولتكون هذه الفسحة 1887-1959 مساحة من النور والعلم نشرتها بصبرِ وأناةِ ابنة عائلة سورية عريقة، نازك العابد.

المصادر :

هنا