العمارة والتشييد > التصميم المعماري

ارتباط المنازل بالراحة النفسيَّة لسكانها

يمثِّل المنزل مرجعًا مكانيًّا لكل فرد؛ فهو يمتلك تأثيرًا كبيرًا على الصحة، والراحة النفسَّية، والسعادة الاجتماعيَّة، عدا عن كونه ملاذًا يلجأ إليه البشر بعد ضغوطات الحياة اليوميَّة؛ لذا يجب أن يوفر سبل الراحة، وأسس الارتباط بالمكان والهوية؛ إذ تؤثر العمارة الداخلية للمنازل بشكلٍ كبيرٍ في الجوانب النفسية والسلوكية لشاغليها من نواحٍ مختلفة (1).

تعدُّ البيئة الداخلية  indoor environment المريحة شرطًا أساسيًّا لتحقيق بيئة سكنٍ صحيَّة، وتتأثر بالسمات النفسَّية والسلوكيَّة للسكان، إضافةً إلى تأثرها بالظروف المعمارية، مثل: أبعاد المبنى وتخطيط المنزل وعدد الغرف وعوامل الإضاءة والتهوية (1).

إذ تختلف السمات النفسية للسكان تبعاً للفروقات العمرية والجسدية والثقافية والاجتماعية فيما بينهم؛ ولذا يحتاج التَّصميم المعماريُّ الداخلي الواعي بالتأثيرات النفسية للعمارة في السكان إلى معرفةٍ بالأبعاد المختلفة الواجب أخذها بعين الاعتبار (1)، ويمكن تعريف معنى الراحة في المنازل من خلال مسحٍ مكوَّنٍ من ثلاثة أبعادٍ رئيسةٍ مقترحةٍ وموضحةٍ في الشكل الآتي.

يعدُّ عامل الأثر النفسي للهوية الاجتماعيَّة والثقافيَّة للسكان عاملًا مؤثرًا في التصاميم المعماريَّة، ويتنوع تأثير هذا العامل في العمارة الداخليَّة من نطاقٍ واسعٍ على مستوى الثقافة والدين والمدينة، إلى نطاق أضيق على مستوى المنزل والحي والأسرة، ويتضح ذلك في تفاني البشر عبر التاريخ في إبراز جذورهم؛ إذ قدمت كلُّ حضارةٍ من الحضارات المعروفة هويَّةً معماريَّةً مختلفةً متأثرةً بثقافتها وبيئتها؛ ما يبرهن أنَّ هوية المكان المعماريَّة لا ترتبط فقط بهيكلة الفراغ الماديِّ؛ بل هي نتاج مجموعة عوامل متداخلةٍ يرتبط بعضها بالنواحي الحسيّة والنفسية والاجتماعية. 

لذلك يجب أن تحافظ العمارة عمومًا والعمارة الداخلية خصوصًا على هوية السكان والمجتمعات، وأن تحترم روتينهم اليومي بما يؤمن الاحتياجات الحالية لهم، وأن تكون ملائمةً مستقبلًا، ويمكن ذلك عن طريق استخدام المواد والتقنيات المرتبطة بالبيئة المحليَّة في البناء، مثل: الحجر والجبس والرخام، ومعالجة الفتحات والنوافذ والأبواب معماريًّا بما يتناسب وتحقيق هذا الهدف (1). 

وتتأثر الصحة النفسية للسكان بدرجةٍ كبيرةٍ بمجموعةٍ من العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار في العمارة الداخلية لمنازلهم. أهم هذه العوامل: 

1- جودة الهواء الداخلي Indoor Air Quality

يشير مصطلح جودة الهواء الداخلي IAQ إلى جودة الهواء داخل وحول المبنى، ويشمل ذلك تأثيرها في صحة شاغلي المكان وراحتهم، ويُحدِّد هذا المعيار تبعًا لنوعيَّة الملوثات، وطريقة التَّحكم في معدل انتشارها؛ بهدف تقليل الآثار الصحيَّة والنفسيَّة الناتجة عنها على المدى القصير والطويل (4). ويُتعامل مع تحسين جودة الهواء الداخلي للمبنى من خلال عدَّة أمورٍ، منها:  زيادة معدل التهوية، والحد من مصادر التلوث داخل البناء وخارجه، ويجب أن يتناسب معدل توفير الهواء الدَّاخل وكميَّة الملوثات التي تختلف بحسب حمولة المبنى، سواءً الأجهزة المستخدمة فيه أو سكان البناء أنفسهم، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أنَّ التهوية الطبيعيَّة قد تكون ضارَّةً في البلدان التي يرتفع فيها التلوث (3).

2- الراحة الحرارية  Thermal Comfort

يعدُّ معيار الراحة الحرارية من أهم المعايير المؤثرة في جودة البيئة الداخليَّة IEQ؛ وتتأثر الراحة الحراريَّة بستة عوامل، أربعةٌ منها بيئَّيٌة، تشمل درجة حرارة الهواء، والإشعاع الحراري، والرطوبة النسبيَّة للهواء، وسرعة الهواء أمّا العاملان الآخران فيتعَّلقان بشاغلي المبنى أنفسهم  من ناحية معدّل التمثيل الغذائي، والعزل الحراري من خلال الملابس، وكلُّ تلك العوامل يجب أخذها بالحسبان في مرحلة التصميم المعماري (3).

3- الراحة الصوتيَّة Acoustic Comfort

يشير معيار الراحة الصوتيَّة إلى حماية شاغلي البناء من الضوضاء، وتوفير بيئةٍ ملائمةٍ من ناحية الضجيج تخدم الغرض الذي أُنشئ البناء من أجله (3). ويعدُّ عامل الضجيج من العوامل الهامة المؤثرة  في راحة السكان، ويزداد تأثيره لدى سكان شقق الطوابق السفلَّية، وتزداد مستويات عدم الراحة لدى السكان عندما تقلُّ القدرة على التحكم بمستوى الضجيج (2). ويجب تصميم المباني لاحتواء الضجيج ومقاومته، وتأمين العزل الصوتي كون السكان لا يستطيعون التحكم به كاملًا.

4- الراحة البصريَّة Visual Comfort

يحدد مفهوم الراحة البصريَّة ظروف الإضاءة والمنظر العام المحيط بالمبنى؛ وهو عاملٌ مؤثِّرٌ تأثيرًا كبيرًا في أداء السكان وإنتاجيَّتهم، ويجب أن يضمن التصميم المعماريُّ تأمين الإضاءة الطبيعيَّة، وحتى الصناعيَّة. ويشمل ذلك دراسة النوافذ، والمساحات الضوئية، وكميَّة الزجاج وتوزيعه، ودراسة الضوء خلال النهار وشدته، وتقنيَّة توفير الإضاءة الاصطناعيَّة الملائمة…،  بحيث يشمل المعايير ذات الصلة كلها (3). 

يظهر الشكل (2) توظيف تصميم النوافذ في تأمين الإضاءة الطبيعية

اعتبارات إضافية في التصميم الداخلي لتحقيق الراحة النفسية للسكان

- مرونة التَّصميم الداخلي:

لمرونة التَّصميم الداخلي دور كبير في تحقيق راحة السكان النَّفسية، ويُقصد بالمرونة هنا: القدرة على تغيير التكوينات المكانيَّة (الغرف وأماكن الأثاث) للمنزل، تبعاً للاحتياجات المختلفة، مثل: الُّنمو العائلي أو تخصيص جزءٍ من المنزل لإجراء الأعمال، وغيرها من الاحتياجات، كما أنَّ المرونة في التحكم بتكوينات المنزل تبعث على الرضا لدى السكان، وتحفِّز المشاعر الإيجابيَّة والقدرة على الإنتاجيَّة لديهم (1،2)، ويُساعد التَّصميم المناسب للنوافذ على مراعاة جميع القدرات البدنية، وسهولة الوصول للآلات الكهربائية وتشغيلها، واختيار مواد البناء والتأثيث طويل المدى في تحقيق أكبر قدرٍ ممكنٍ من المرونة (1).

توضح الصورة أهمية التحكم بالفراغ المعماري الداخلي وفقًا لمتطلبات السكان وراحتهم النفسية. 

- الخصوصيَّة:

تعدُّ الخصوصيَّة من أهم الاحتياجات البشرية التي يجب الاهتمام بها في التَّصميم المعماري، وهي تتعلق بتحقيق التوازن مع العلاقات الاجتماعية. وتعني حقَّ شاغلي المكان في تحديد مدى نقل المعلومات الخاصة بهم للآخرين وكيفيَّة ذلك؛ إذ يتعامل البشر مع هذا المفهوم بحذرٍ وقلقٍ، ويشعرون بالغضب وعدم الارتياح عندما تُكشَف معلومات شخصيَّةٌ خاصةٌ بهم تتجاوز الحد المسموح به من قبلهم (1)، ويعدُّ سكان شقق الطوابق السفلية القريبة من مستوى الشارع أكثر ميلًا إلى عدم الرضا عن مستويات الخصوصيَّة (2).

و لتدارك هذه القضية، يجب التحكم في درجة توزيع الإضاءة المباشرة وغير المباشرة، ومراعاة الفرق بين مستوى الشارع ومستوى الطابق الأرضي، والاهتمام بتصميم النوافذ والأبواب وأسلوب فتحها، كما أنَّ التصميم الدقيق للمساحات المغلقة يعزِّز الخصوصيَّة من خلال العزل السمعي والضوئي (1).

شكل 4

يظهر هذا الشكل تزويد واجهات البناء بشاشاتٍ لتأمين نوع من الخصوصية

- الأمان:

يزداد التأثير النفسيُّ المتعلِّق بتأمين معايير الأمان والسلامة والرعاية الصحيَّة في البناء عندما يتعلق الأمر بوجود الأطفال، وكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة. 

لا سيما أنّ التصميم المعماري غير الملائم قد يتسبب بالعديد من الإصابات، مثل: الحروق وحوادث السقوط على سبيل المثال (1)، كما قد يؤدي استخدام مواد بناء غير معتمدة ومطابقة للمواصفات إلى كثيرٍ من المشاكل الصحيَّة، خصوصًا التنفسية والعصبيَّة (3).

ويمكن تحقيق تصميمٍ آمنٍ عن طريق تصميم سياجاتٍ آمنة، تُجِّنبُ التغُّيرات المفاجئة في المناسيب التي تؤدي لتعثُّر الأشخاص، وتحسين مقاومة الأرضيات للانزلاق، واختيار أبعادِ مناسبٍة للمداخل والأدراج (2).

توضح الصورة تصميمًا لدرج بناءٍ يراعي معايير السلامة

هناك علاقةٌ واسعةُ جدًّا بين التصميم المعماري وعلم النفس؛ بسبب التفاعل الواسع مع العوامل الاجتماعيَّة والثقافيَّة والبيئيَّة، ويعتمد التصميم الناجح على تحقيق التوازن بين المفاهيم المعمارية والعوامل المذكورة أعلاه، لكن ما المستوى المطلوب إدراكه من المهندس المعماري لقيم علم النفس البشرية؟ وما أهم العوامل المؤثرة في راحة السكان في المنزل من وجهة نظرك؟ 

المصادر: 

1. Hamdy Mahmoud H. Interior Architectural Elements that Affect Human Psychology and Behavior. Cities’ Identity Through Architecture and Arts (CITAA) [Internet]. 2017 [cited 14 March 2020]. Available from: هنا

2. Lee T, Cho S, Kim J. Residents’ Adjusting Behaviour to Enhance Indoor Environmental Comfort in Apartments. Indoor and Built Environment [Internet]. 2011 [cited 14 March 2020];21(1):28-40. Available from: هنا

3. Al horr Y, Arif M, Katafygiotou M, Mazroei A, Kaushik A, Elsarrag E. Impact of indoor environmental quality on occupant well-being and comfort: A review of the literature. International Journal of Sustainable Built Environment [Internet]. 2016 [cited 14 March 2020];5(1):1-11. Available from: هنا

4. US EPA O. Introduction to Indoor Air Quality [Internet]. US EPA. 2014 [cited 2020 Apr 4]. Available from: هنا