البيولوجيا والتطوّر > علم الأعصاب

فهم جديد لكيفية تشكُّل الذاكرة

تُعدُّ الذاكرة أحد أهم الموضوعات التي تشغل الباحثين، فآلية تشكل الذاكرة واستعادتها ما زالت موضع تساؤل وبحث. 

وتشير الأبحاث إلى أنَّ الذاكرة عبارة عن إعادة تفعيلٍ لمجموعة محددة من العصبونات تشكلت من التغير المتكرر في قوة الاتصالات بين هذه العصبونات، ومن ثمَّ يمكن النظر إلى الدماغ بصفتها شبكة اتصالات كبيرة، وعوضًا عن التفكير بالذاكرة كونها شيئًا يتشكل في الدماغ، تشير الأبحاث إلى أنَّ الذكريات القابلة للاستعادة تتشكل نتيجة اتصال شبكات محددة ضمن المنطقة القشرية وتحت القشرية، ولهذا يمكن القول إنَّه كلما ازدادت قوة الاتصالات المرتبطة بذكرى معينة ازدادت قوة هذه الذكرى، وتعدُّ هذه النظرية الأكثرَ انتشارًا بين الباحثين (1)، ولكن؛ لا بد من اختبار صحتها، وهذا ما فعلته الباحثة دينيس كاي (Denise Cai) من كلية آيكان الطبية (Icahn School of Medicine) في مانهاتن. 

هدف البحث: ركَّزت الباحثة في بحثها على دراسة آلية الارتباط بين الذكريات عن طريق دراسة النشاط الدماغي عند الفئران وكيفية ترميز البيئات المختلفة في دماغ هذه الفئران، واستخدمت الباحثة في تجربتها مجهرًا صغيرًا مصنوعًا من حساس كاميرا مأخوذ من هاتف محمول، ليُركَّب على رؤوس الفئران ويُستخدم في تسجيل نشاط مئات الخلايا الدماغية في أثناء تشكيلها للذكريات. (2)

ووُضعَت الفئران في ثلاث بيئات مختلفة تمامًا عن بعضها بعضًا وجديدة كليًّا بالنسبة إلى الفئران؛ إذ وُضعت الفئران في البيئة الأولى (أ)، ثم بعدها بأسبوع عُرِّضت للبيئة الثانية (ب)، في حين لم يفصل بين التعرُّض للبيئة (ب) والبيئة (ج) سوى (5)ساعات.

وفي كل تعرُّض جديد، سُجِّل وسطيًّا نشاط (600) خلية عصبية تعمل للتعرُّف إلى البيئة الجديدة وتذكُّرها.

وقد لاحظ الباحثون أنَّه عند تعريض الفئران لمنبِّه مكرِّه في البيئة (ج) فإنَّها ستتردد في الدخول إلى هذه البيئة في المرة الثانية، ولكنَّها ستتردد في الدخول إلى البيئة (ب) أيضًا؛ لأنَّ استرجاع ذكريات البيئة (ب) أدى إلى تحفيز تذكر البيئة (ج) التي تعرضت فيها الفئران للمنبه المكرِّه، ومن ثمَّ يمكن القول إنَّ الأحداث المرتبطة زمنيًّا ببعضها بعضًا قد تتشارك مجموعةً من العصبونات المتداخلة، وهو ما يعاكس النظرية السائدة التي تعتقد أنَّ كل بيئة تمثِّلها مجموعات مختلفة من الخلايا العصبية. 

وقد استنتج الباحثون من التجربة السابقة أيضًا أنَّ الفئران تربط الخوف الذي تعرضت له في أثناء تجربة جديدة بذكريات محايدة تعرضت لها قبل التجربة الجديدة بأيام، ومن المعروف أن اضطراب الكَرْبِ الذي يلي الرَّضْح post-traumatic stress disorder هو اضطراب نفسي يتولد عن حادثة مؤلمة فوق القدرة البشرية السوية، ويتصف بمعاودة ذكريات العارضة والشعور بها؛ لذا يعتقد الباحثون أنَّه في حال القدرة على فهم تجربة مشابهة لهذا الاضطراب على المستوى الخلوي، يمكننا بذلك الاقتراب من وضع خطة علاجية تقي مرضى هذا الاضطراب من الوقوع ضحية نكسات الخوف.

أمَّا فيما يتعلق بالدراسات اللاحقة، فيسعى الباحثون لاستخدام قدرتهم على قياس النشاط الدماغي في تشخيص الأمراض المرتبطة بالذاكرة؛ كألزهايمر والخرف، وذلك قبل ظهور الأعراض على أمل إمكانية التدخل في المراحل الأولى من المرض. (3)

المصادر:

1. How are memories formed? [Internet]. Qbi.uq.edu.au. 2020 [cited 26 April 2020]. Available from: هنا

2. Cai Lab | Neuroscience Labs - Icahn School of Medicine [Internet]. Labs.neuroscience.mssm.edu. 2020 [cited 26 April 2020]. Available from: هنا

3. American S. Watching Memories Being Made [Internet]. Scientific American. 2020 [cited 26 April 2020]. Available from: هنا