علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

تعدُّد المهام

بسبب ما نعيشه اليوم من تطوّرٍ تكنولوجيٍّ، فإننا نعتقد بأننا قادرون على أداء عدة مهامٍ في الوقت ذاته، إذ نستخدم هواتفنا الذكية عندما نأكل أو نمشي، وحتى في وقت العمل أو في خضمِّ حديثنا مع شخصٍ آخر. وقد نؤدي مهمتين عن طريق التبديل سريعاً بينهما، لاعتقادنا بأننا نوفر بذلك مزيداً من الوقت لأنفسنا، وهذا ما نطلق عليه اليوم اسم تعددية المهام.

وَجدت إحدى الدراسات لعلم النفس التجريبي أنَّ العقل يتباطأ عندما يتنقل بين المهام، وأنَّ الطريقة الوحيدة لإيقاف هذا التضارب الفكري هي من خلال توفير المزيد من الوقت له، عن طريق التوقف -ولو بضع ثوانٍ- بين المهام، وتشير دراسةٌ ثانيةٌ إلى أنَّ الدماغ لا يتعامل جيداً مع تعدد المهام، إذ طُلب من المشاركين (في إحدى الدراسات) الاستماع إلى نصٍ أثناء مقارنةٍ بصريةٍ بين شكلين، وعلى الرغم من أنَّ هذه المهام تستخدم أجزاء مختلفة من الدماغ فإنَّ الإدخال البصري انخفض بنسبة 29% بينما نقصت جودة الاستماع إلى 53%.

وبالنسبة للأشخاص الذين يؤدون الكثير من المهام في وقتٍ واحد، فإنه من الممكن أن يَنتج عن قلقهم الإضافي فرطاً في التوتر، بسبب إفراز الأدرينالين والذي يمكن أن يُلحق الضرر بالخلايا التي تشكّل الذكريات الجديدة في الدماغ، مما يقلل من معدّل الانتباه (1).

ما الذي يجعل تعدد المهام قاتلاً للإنتاجية؟

قد يبدو أنك تؤدي أشياء متعددة في ذات الوقت، لكنَّ ما تفعله حقاً هو تحويل انتباهك وتركيزك بسرعةٍ من شيءٍ إلى آخر، وإنَّ هذا التبديل من مهمةٍ إلى أخرى يجعل من الصعب ضبط الانحرافات الذهنية، ويمكن أن يسبب مطباتٍ عقليةٍ قد تبطئك.

وجد علماء النفس أنَّ العقل والدماغ لم يُصمما لأداء مهامٍ متعددةٍ في وقتٍ واحد، بل إن وظائف الدماغ أشبه ما تكون بالتحكم في حركة الملاحة الجوية، إذ يمكن أن يؤدي الحمل العقلي الزائد إلى كارثة. وتشير البحوث إلى أنَّ عمليات تعدد المهام تنطوي على مرحلةٍ أولى هي "تبديل الأهداف" (اتخاذ قرارٍ جديدٍ بدلاً عن السابق) والمرحلة الثانية "تنشيط الأدوار" (إيقاف تشغيل قواعد المهمة السابقة، وتنشيط قواعد المهمة التالية)، وإنَّ كلتا المرحلتين تساعد الناس دون وعي على التبديل بين المهام.

على الرغم من أن مُدد التبديل بين المهام قد تكون صغيرةً نسبياً، ولا تزيد عن بضعة أعشارٍ من الثانية في بعض الأحيان، فإنها يمكن أن تتزايد على نحوٍ كبيرٍعندما يتنقل الأشخاص مراراً وتكراراً بين المهام، وبالتالي قد تبدو المهام المتعددة فعالةً ظاهرياً لكنها في الحقيقة تستغرق وقتًا أطول وتتضمن أخطاءً أكثر، وقد تصل مدة التبديل بين المهام إلى 40% من وقت إنتاج شخصٍ ما (3)، (4).

إنّ الفهم العميق لهذه النتائج الخفية لتعدد المهام يساعد الأشخاص على اختيار الإستراتيجيات التي تعزز كفاءة عملهم عن طريق تجنّب تعدد المهام وخاصةَ المعقدة منها. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي فقد نصف ثانيةٍ فقط من وقت التبديل بين المهام إلى إحداث تغييرٍ في الحياة أو الموت بالنسبة للسائق الذي يستخدم الهاتف الخليوي، والذي يسير بسرعة 30 ميل في الساعة، فإنه خلال الوقت الذي لا يركز فيه السائق تماماً على قيادة السيارة، يصبح قريباً بما فيه الكفاية للاصطدام بعائق، ربما كان من الممكن تجنبه (3).

تبقى تأثيرات تعددية المهام على الدماغ وعلى الأداء قيد البحث والدراسة، ومن المفارقات هنا؛ أن سلسلةً من التجارب الحديثة أثبتت بأنَّ وهم اعتقادنا بأننا نؤدي مهاماً متعددة -بينما نؤدي مهمةً واحدةً في الواقع- يعزز من أدائنا بجعلنا أكثر تركيزاً على المهمة التي نؤديها بها (2).

المصادر:

1.    The Difficulties of Multi-tasking [Internet]. Psychology Today. 2020 [cited 11 February 2020]. Available from:هنا

2.    The illusion of multitasking boosts performance [Internet]. ScienceDaily. 2020 [cited 11 February 2020]. Available from:هنا

3.    Multitasking: Switching costs [Internet]. هنا. 2020 [cited 11 February 2020]. Available from:هنا

4.    Multitasking undermines our efficiency، study suggests [Internet]. هنا. 2020 [cited 11 February 2020]. Available from:هنا