الغذاء والتغذية > عادات وممارسات غذائية

لماذا نأكل عندما نتوتر؟ وما الحل؟

عندما نمر بفتراتٍ من التوتر والضغوط النفسية، تزداد رغبتنا بتناول بعض الأطعمة أكثر من غيرها.. لكن لماذا يحدث ذلك؟

وكيف يمكننا التخفيف من تأثير التوتر هذا؟

دعونا نتعرف إلى ذلك في المقال الآتي..

يختلف الأشخاص في كيفية تعاملهم مع التوتر، فبعضهم يُكثر من التدخين أو تناول الحلويات، فيما قد يلجأ البعض الآخر إلى مشاهدة التلفاز أو شرب القهوة والمشروبات المنبِّهة أو الكحول في محاولة منهم للسيطرة على التوتر، كلٌّ حسب ما يراه مساعداً في مواجهة هذا الحالة والتغلب عليها (1). لكن كيف يؤثر التوتر فينا؟ ولماذا تختلف خياراتنا من الأطعمة والمشروبات في فترات الضغوط النفسية؟

بدايةً، يؤدي التوتر على المدى القصير إلى فقد الشهية، فهو يدفع الجهاز العصبي إلى إرسال إشاراتٍ إلى الغدتين الكظريتين The adrenal glands محرضًا إياهما على إفراز هرمون الإبينفرين Epinephrine (الأدرينالين Adrenaline) الذي يضع الجسم في حالةٍ من التأهب والاستنفار تدعى باستجابة القتال أو الهرب Fight-or-flight response، وتترافق هذه الحالة مع تجاهل الرغبة بتناول الطعام أو تأجيله وفقد الشهية.

لكن استمرار التوتر فتراتٍ طويلة يغير تلك الأمور، إذ تفرز الغدتان الكظريتان في المرحلة التالية هرموناً مختلفاً هو هرمون الكورتيزول Cortisol الذي يزيد الشهية ويحرّض الرغبة بتناول الطعام. ولا تنخفض مستويات الكورتيزول إلا بانتهاء حلقة التوتر تلك، لكن استمرارها سيُبقى مستويات الكورتيزول مرتفعةً، وهذا ما ينجم عنه استمرارٌ في زيادة الشهية والرغبة بتناول الأطعمة بإفراط (2).

لكن التوتر لا يزيد رغبتنا بتناول الطعام فحسب، بل يؤثر أيضاً في خياراتنا الغذائية، فماذا يعني ذلك؟

أظهرت دراساتٌ عديدةٌ أن المرور بشدة نفسية أو جسدية تؤدي إلى زيادة الوارد من الأغذية الغنية بكل من الدهون والسكريات، ويُعتقَد أن ذلك ينجم عن المستويات العالية من هرموني الكورتيزول Cortisol والأنسولين Insulin، كذلك وجدت بعض الدراسات أن هرمون الغريلين Ghrelin (وهو هرمون الجوع) يؤدي دوراً في هذه العملية أيضاً. وعادةً يرتبط تناول هذه الأطعمة بتولُّد تأثيرٍ باعث على الراحة، فيشعر الإنسان بعد تناولها أنها فعلاً تقلل من توتره، ما يدفعه إلى الإكثار من تناولها وحتى الإدمان عليها.

ولا يقف تأثير التوتر عند الإسراف في الأطعمة فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى الحرمان من النوم وانخفاض النشاط البدني والإفراط في شرب الكحول، وجميع هذه السلوكيات قد تؤدي في النهاية إلى زيادة الوزن (2).

ما دور التغذية في التعامل مع التوتر النفسي؟

إن التغذية الجيدة أداةٌ مهمة للسيطرة على التوتر وإدارته، فعندما لا يحصل الإنسان على ما يكفيه من الغذاء الصحي، يزداد تأثير التوتر على صحته (1). وترتبط التغذية بالتوتر ارتباطاً قوياً، إذ تعمل بعض الأطعمة؛ مثل الشوفان، على تعزيز مستويات السيروتونين Serotonin في الدماغ؛ وهو مادةٌ كيميائية ذات تأثيرٍ مهدئ، في حين تعمل بعض الأطعمة على خفض مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، فيما تدعم أطعمة أخرى جهاز المناعة وتخفض ضغط الدم، مساعدةً الجسم على السيطرة على التوتر (3).

وفيما يأتي بعض نصائح التغذية الصحيحة والسلوكيات المناسبة في فترات التوتر:

1- تناول الطعام على فتراتٍ منتظمةٍ للحفاظ على استقرار مستويات الغلوكوز (سكر الدم)، والذي يحتاجه الدماغ للعمل على النحو الأمثل (1).

2- الحصول على مقدار كافٍ من الدهون الصحية؛ فالحموضُ الدهنية من نوع أوميغا-3، والموجودةُ في الجوز وبذور الكتان وزيت السمك، تساعد الدماغ على القيام بوظيفته، في حين يؤدي نقصها إلى الاكتئاب والقلق (1).

3- الحرص على تناول الأطعمة ذات المحتوى العالي من الألياف (مثل الشوفان والجوز والفاصولياء)، لأن تناولها يرتبط بزيادة اليقظة وانخفاض التوتر المُدرَك (1).

4- الإكثار من الخضار والفواكه نظراً لغناها بالفيتامينات A و C وE والمعادن مثل النحاس والزنك والمنغنيز، التي تفيد في تحييد الجزيئات الضارة التي ينتجها الجسم عندما يمر في حالة من التوتر (1).

5- الاعتدال في تناول الكربوهيدرات، إذ يمكن لها أن تزيد مستوى السيروتونين في الدماغ مما يعدل المزاج، لكن يُنصَح بالاعتماد على الكربوهيدرات المعقدة مثل الحبوب الكاملة والمعكرونة أكثر من الكربوهيدرات البسيطة، فعلى الرغم من أن الأخيرة تؤدي إلى حدوث ذروة سريعة في إفراز السيروتونين لكنَّ هذا الارتفاع لا يستمر فترةً طويلة، بل ينخفض بسرعةٍ مسبباً عودة الشعور بالاكتئاب والتوتر، الأمر الذي يدفعنا إلى تناول المزيد منها (3).

6- الاستعاضة عن الكافيين بزيادة النوم، إذ يسبب الإكثار من الكافيين ارتفاع ضغط الدم وقد يزيد القلق خصوصاً إن كان الإنسان عرضة لذلك. وعلى الرغم من أن الكافيين يساعد ظاهرياً على التركيز على نحو أفضل، لكنه يرمم ما قد فُقِد بسبب قلة النوم، لذا يُنصح بالاعتماد على الداعم الطبيعي؛ وهو النوم، بدلاً من الاعتماد على الكافيين في أثناء التوتر (1).

7- خزِّن وجباتٍ خفيفة (سناكات) صحية إن كنت تعلم أن الفترة القادمة في حياتك ستكون حافلة أو متوترة، فالاستعداد لها بتخزين وجبات خفيفة صحية وغنية بالبروتين والألياف (مثل اللوز والفستق والجزر والحمص واللبن والفواكه) سيقلل احتمال استهلاكك من الوجبات الخفيفة غير الصحية الغنية بالدهون والسكريات البسيطة (1).

كذلك تساعد ممارسة الرياضة على تجنب التأثيرات السلبية للتوتر (2).

من جهةٍ أخرى، يمكن أن يساعد التأمل في تقليل التوتر لدى بعض الأشخاص، فقد تبين في بعض الدراسات أنه قد يساعد الإنسان على زيادة وعيه تجاه الخيارات التي يجب أن يتخذها في اللحظات العصيبة - بما في ذلك الوعي تجاه الخيارات الغذائية. وأخيراً، يساعد الحصول الدعم الاجتماعي من قبل أفراد العائلة والأصدقاء على تجاوز فترات التوتر بأقل الأضرار (2).

في المرة القادمة التي تشعر فيها بالتوتر، تذكر أن طريقة تعاملك مع التوتر هي خيارٌ عائدٌ لك، فلا تلجأ إلى الأمور التي تفسد صحتك وتزيد الأمر سوءاً، بل كن مصراً على السيطرة على التوتر من خلال اتباع الحلول الصحية واتخاذ القرارات الصحيحة تجاه سلوكياتك اليومية.

المصادر:

1. Nutrition and Stress | Campus Health [Internet]. Campushealth.unc.edu. 2020 [cited 12 April 2020]. Available from: هنا

2. Publishing H. Why stress causes people to overeat - Harvard Health [Internet]. Harvard Health. 2020 [cited 12 April 2020]. Available from: هنا

3. Foods That Help Tame Stress [Internet]. Webmd. 2020 [cited 12 April 2020]. Available from: هنا