منوعات علمية > العلم الزائف

موقف العلم تجاه النسبة الذهبية

استحوذت النسبة الذهبية التي سُمِّيت أيضاً بالرقم الذهبي أو النسبة الإلهية تفكير عديد من الناس، وتباينت الآراء بين مؤيد ومعارض لها -كونها موضع نقاشٍ في كثير من الكتب والمقالات- مما جعلها أمراً جدلياً مهماً (1). إذ ظهر هذا الرقم متكرراً في تاريخ البشرية، بدءًا من الإغريقيين القدماء عند بنائهم معبد البارثينون الشهير تحت إشراف الفنان Phidia في القرن الخامس قبل الميلاد إلى عصر النهضة، عن طريق توضيح العالم دافينشي كتاب "De Divina Proportione" للإيطالي لوكا باسيولي Luca Pacioli الذي تحدث فيه عن النسبة الذهبية وتطبيقاتها على الفن والهندسة المعمارية، انتهاءً بالدراسات العلمية المعاصرة (2).

يُعرَّف الرقم الذهبي بما يسمى بالرمز فاي φ (نسبة إلى Phidia) على أنَّه عدد غير نسبي (قياسي) يساوي تقريباً 1.61803. وتعددت الطرائق التي شرحت كيفية الحصول على هذا الرقم نتيجة اكتشافها مراتٍ عدة، ومن أشهر الطرائق هو تعريف عالم الرياضيات إقليدس Euclid لها كالآتي:

تُقسم قطعة مستقيمة إلى قطعتين بحيث تكون قسمة طول الخط الكلي على طول الجزء الطويل يساوي قسمة طول الجزء الطويل على طول الجزء القصير كما نراه موضحاً:

وتُعدُّ متتالية فيبوناتشي من الطرائق الشهيرة أيضاً في تعريف هذه النسبة، وتُمثِّل حدود المتتالية الأولى:

1،1،2،3،5،8،13،21،34….

إذ ينتج كل حدٍّ فيها عن جمع العددين السابقين له، وكلما كبرت الأعداد اقتربت نسبة كل عددين من هذه المتتالية إلى الرقم فاي (1،2).

إنَّ الخصائص الرياضية للنسبة الذهبية هي صحيحة عموماً، ولكن كثير مما يُنسب لها في الفن والأدب والهندسة والجمال والبيولوجيا يُعدُّ مضللاً وخالياً من الصحة، وقد استحوذت -للأسف- تفكير كثيرين مؤخراً واحتلت مكاناً حتى في بعض المناهج المدرسية (1،3). 

نتطرق فيما يأتي للاعتقادات التي تصف وجودها في مختلف مجالات الحياة وموقف العلم منها:

النسبة الذهبية في البيولوجيا:

تعددت الدراسات التي سلطت الضوء على انسجام العديد من الأنظمة البيولوجية مع الرقم φ؛ فوضحت بعضها ظهور هذه النسبة في نبات البروكلي، عن طريق ما يُدعى بالتشابه الذاتي auto similarity، وهو سمة تطلق على بنية شيء ما عندما تُنتج هذه البنية عن نسخ أصغر من نفسها، ووصفت أخرى أن ترتيب الأوراق على ساق نبتة يتبع متتالية فيبوناتشي بقصد توجيه كل ورقة لأشعة الشمس بأقصى طريقة ممكنة، وأيضاً ترتيب البذور في عباد الشمس التي تتبع نمطاً حلزونياً ذهبياً لضمان توزيعها بأفضل صورة على مساحة صغيرة (2). وقد اقتُرح حديثاً وجود النسبة الذهبية في الجينوم البشري، إذ وُصِفَ نمط تضاعف الـ DNA بأنه مشابه لنمط متتالية فيبوناتشي (3).

ولكن النسبة الذهبية ليست الرقم الوحيد الذي يتكرر ظهوره في الطبيعة فهنالك العديد من الأرقام التي تظهر في الأنظمة البيولوجية نتيجة خاصية التكرار الذاتي Self-replication مثل الرقم 1.22074، إذن أليس من البديهي عند تحويل الأشياء إلى رياضيات أن تُوجد أرقام ذهبية تتكرر في كل ما يحيط بنا؟!

النسبة الذهبية والأهرامات:

والآن إلى عُشاق هذه النسبة؛ ظهرت كثير من الاعتقادات التي صرَّح أصحابها أنَّ لأبعاد الهرم الأكبر (خوفو) في الجيزة صلة وثيقة بالنسبة الذهبية، وأضافت مزيدًا من الغموض عن هذا الرقم السحري! فهل كان المصريون القدماء على درايةٍ بهذه النسبة عند بنائهم للأهرامات؟ وإن كانوا فعلاً كذلك، فهل كان اختيارهم لها لتصميم بنائهم الذي يُعدُّ من عجائب الدنيا السبع بقصد تخليدها؟

في الواقع، ونتيجة دراسات وأبحاث تاريخية عديدة، فقد تبَيَّن أنَّ هذه الادّعاءات خاطئة ومضللة، وعلى الرغم من أنَّ نسبة الارتفاع الجانبي (المائل) لوجه الهرم إلى نصف طول القاعدة تساوي في يومنا هذا الرقم فاي تقريباً، لكن طول ارتفاع الهرم الأصلي قد تغير منذ بنائه منذ أربعة آلاف سنة، ولم يكن للمصريين القدماء أي معرفة بما يتعلق بهذه النسبة الخارقة (3).

علاقة النسبة الذهبية بالجمال:

كان لهذه النسبة نصيبٌ كبير في أعمال العديد من الفنانين، فقد تبدو واضحة في بعض أعمال دافنشي مثل لوحة الموناليزا، وكذلك في لوحة مايكل أنجلو الشهيرة "خلق آدم" (2).

وقد وصلت النسبة الذهبية إلى الجسم البشري؛ فقد أظهرت مقالاتٌ شتى أنَّ المسافة بين سرَّة جسم الإنسان وقدمه نسبة لطول الجسم الكامل تساوي فاي، وأنَّ النسبة بين طول المسافة من أعلى الرأس إلى حلمة الصدر والمسافة بين الحلمة والركبة تساوي فاي أيضاً، إضافة إلى تضمينها في كيفية تموضع أعضاء الحواس في الوجه وبعدها عن بعضها. ولكن لم ترافق هذه الادعاءات أي بيانات أو أدلة واضحة توثق أقوالهم وتثبتها، ولا يصح أيضاً أن نَعدَّ الركبة نقطة فريدة يمكن القياس بدءاً منها لاحتلالها مساحة كبيرة نسبياً في الأطراف السفلية (1،2).

وأوضح بعض أصحاب هذه الاداعاءات لاحقاً أنَّ النسبة لا تتحقق سوى للأشخاص الذين يملكون صفة الجمال! (2)، ولكن ما المقياس الذي يُعتمد عليه لتحديد الجسم أو الوجه المثالي الجميل؟

النسبة الذهبية وعلم النفس:

تعود أولى الدراسات التجريبية على الخصائص الجمالية للنسبة الذهبية إلى أصول علم النفس، وتتالت العديد من الدراسات في هذا المجال، فقد وضَّح عالم النفس الألماني غوستاف فيشنر Gustav Fechner في دراسته التي أجراها عام 1865 أنَّه من بين 10 مستطيلات تربَّع المستطيل الذهبي على عرش الجمال باحتلاله نسبة 35% من الأصوات على أنَّه الأكثر جاذبية، مع انعدام نسبة الأصوات التي تصفه بالأقل جمالاً!

تبعت هذه الدراسة العديد من الدراسات على مختلف الأشكال الهندسية الأخرى، وكان للأشكال التي تحقق النسبة الذهبية نصيباً جيداً من الأصوات التي عدَّتها الأجمل في العديد من الاستبيانات، ولكنها في ذات الوقت لم تلقَ أي اهتمام في دراسات أخرى، مما دفع الباحثين للبحث عن السبب وراء هذا، إذ توجَّه بعض الباحثين في دراستهم إلى نظرة الأشخاص بحد ذاتها، فتبيَّن لهم أنَّ هذه النسبة مفضلة عند الأشخاص المنفتحين أكثر من الأشخاص الانطوائيين، وبيَّنت دراسة أخرى أنَّ الغربيين يفضلونها أكثر من الشرقيين، والعديد العديد من الدراسات الأخرى التي تتباين نتائجها بين مؤيدة لهذه النسبة ومعارضة لها (2).

وتُعدُّ الدراسة التي أُجريت عام 2007 -التي تناولت صورتين عُرضتا على فئة من الناس لاختيار الأجمل- من أحدث الدراسات، إذ كانت صورة لمعلم يحقق النسبة الذهبية في تصميمه وصورة معدَّلة للمعلم نفسه لا تحقق تلك النسبة، كانت نتيجة هذه الدراسة لصالح الصورة الأصلية (أي تلك التي تدعم فاي). ولكن في الواقع، تلك النتيجة ليست دقيقة، فَبعض الناس استطاعوا تمييز الصورة الأصلية من المعدلة مما دفعهم لاختيار الأولى (2).

النسبة الذهبية وعلاقتها بالقلب والحركة:

بصورةٍ مشابةٍ للنظرية التي وضحت أن الأوراق تتموضع على الساق بأبعاد توافق φ، بينت نظريات أخرى أنَّ عدد الشعيرات الدموية المتفرعة عن الأوعية القلبية تتوزع على نحوٍ يتوافق مع φ، ولكن هذه الدراسة اعتمدت على التجربة مفتقرةً إلى الأرقام (2)؛ وكما قال عالم الفيزياء البريطاني ويليام طومسون William Thomson: "عندما لا تستطيع قياس ما تقوله وتعبرعنه بالأرقام، فإن معرفتك مشكوك فيها".

أما فيما يخص الحركة فقد ادعى كثيرون بأن حركة المشي توافق النسبة الذهبية، فالمدة بين حركة تأرجح الرجل وخبطها على الأرض توافق تلك النسبة، بالمقابل أُبطِلت هذه الادعاءات الضعيفة لأن حركة المشي تخضع لعوامل عدة بما فيها العمر، والسرعة، والسطح الممشيّ عليه وغير ذلك (2). 

ختاماً، إنَّ النسبة الذهبية صحيحة في جوانبها الرياضية ولكنها في الوقت ذاته هشَّة في الجوانب الأخرى (2)، ويكمن السؤال دائماً ليس في وجودها في الأشياء، إنما إن كان وجودها فعلاً مقصوداً من الفنانين والمعماريين وغيرهم أم هي مجرّد صدفة!

المصادر:

1- Markowsky G. Misconceptions about the Golden Ratio [Internet]. Math.cuhk.edu.hk. 2017 [cited 12 April 2020]. Available from: هنا

2- Iosa M, Morone G, Paolucci S. Phi in physiology, psychology and biomechanics: The golden ratio between myth and science. Biosystems. 2018;165:31-39.

3- Liu Y, J.T.Sumpter D. Is the golden ratio a universal constant for self-replication? [Internet]. Journals.plos.org. 2018 [cited 12 April 2020]. Available from: هنا