الكيمياء والصيدلة > كيمياء حيوية

تاريخ اختبارات كشف الحمل: الجزء الأول التاريخ المبكر والاختبارات المعتمدة على الحيوانات

أصبحت اختبارات كشف الحمل تقنية سهلة الاستخدام وموثوقة النتائج إلى درجة كبيرة في عالمنا اليوم، ولكنَّها لم تكن كذلك دائمًا.

سنتعرف في مقال اليوم إلى الأشكال والتقنيات الأولى التي استخدمها البشر لهذا الغرض (2).

«افحصي البول الخاص بك؛ لتعرفي ما إن كنت حاملًا أم لا»

توارد إلى مسامع النساء اللواتي يتحضرن للإنجاب شيءٌ من هذا القبيل على مدى أكثر من 3000 عام، فإنَّ إحدى أولى اختبارات كشف الحمل التي سجلها التاريخ كانت في مصر القديمة؛ إذ عمدت النساء إلى التبول على بذور القمح أو الشعير، فتُنبِّئ سرعة نمو البذور المبللة بوجود الحمل. وقد يبدو ذلك أشبه بعلم زائف، ولكنَّ عدة دراسات حديثة أثبتت أنَّ ذلك الأمر يعمل جيدًا؛ إذ يصيب في تحديد 70 –85 % من حالات الحمل (1).

لقد أدرك المصريون القدماء أمرًا ما بكل تأكيد، فاختبارات كشف الحمل الحديثة تستند إلى مفهومٍ مشابه وهو الكشف عن هرمون معيَّن في البول، ولكنَّ الأمر تطلَّب آلاف السنين من التقدم العلمي للتحول من التبول على البذور، والانتظار أسبوعًا لمراقبة نموها، إلى تقنيات كشف الحمل السريعة والمريحة التي توجد في كل صيدلية اليوم (1). 

تاريخ بدء اختبارات كشف الحمل

لا يُعدُّ تحليل البول بهدف كشف الحمل أمرًا بديهيًّا، ولكن؛ معظم اختبارات كشف الحمل على مر التاريخ ركزت على ذلك فحسب لسبب غير معروف. ففي العصور الوسطى في أوروبا، شاع الاعتقاد بإمكانية التنبؤ بحدوث الحمل بالاعتماد على عدة اختبارات بول عجيبة، منها أنَّ بول المرأة الحامل سيسبب الصدأ لمسمار، أو يغير لون ورقة شجر، أو يُصبح مأوىً لمخلوقات حية صغيرة. ولكن؛ يمكن القول بناءً على معرفتنا الحالية بأنَّ أيًّا من هذه الاختبارات لم يكن قادرًا على كشف الحمل كشفًا صحيحًا(1).

وعلى الرغم من التقدم العلمي، فإنَّ أول الاختبارات الحديثة الموجهة إلى كشف الحمل بدقة لم يكن أقلَّ غرابةً، فقد طُوِّر هذا الاختبار عام 1927 على يد العالمين الألمانيين «اشهايم» و«زونديك» اللذين توصلا إلى أنَّ حَقْن بول المرأة الحامل ضمن أنثى فأر غير ناضجة جنسيًّا سيسبب نمو مبايض أنثى الفأر وإنتاجها للبيوض (1).

ولكن..

ما الذي يميِّز بول المرأة الحامل؟

من المرجح أن يتبادر إلى أذهانكم سؤال غريب الآن: لماذا يؤدي بول امرأة حامل بأنثى فأر يافعة إلى حصول الإباضة؟

إنَّ الإجابة المختصرة لذلك هي أنَّ بول المرأة الحامل له محتوى فريد من الهرمونات، فتصبح المرأة حاملًا عند تلقيح بيضة (أنتجتها نطفة من ذكر في مبيضها). 

وتنمو البيضة الملقحة بعد ذلك لتصبح جنينًا وتحرِّر هرمونًا يدعى اختصارًا hCG، وهو الهرمون الموجِّه للغدد التناسلية المشيمائية البشرية. والدور الرئيس الذي يؤديه هذا الهرمون هو تحريض الرحم على إيقاف الدورة الشهرية وتحضيره للحمل؛ لذلك تزداد نسبة هذا الهرمون في جسم المرأة في بدايات الحمل (1).

وكغيره من الهرمونات، يرسل hCG إشارة لأداء وظيفة بيولوجية ما، وككثير من المركبات في أجسامنا، تُطرَح الهرمونات في البول بعد انتهاء مهمتها. 

وبناء على ذلك، فإنَّ بول المرأة يحوي hCG ضمنه، بينما لا يحتويه بول المرأة غير الحامل.

وعلاوة على ذلك، اتضح أنَّ hCG يحثُّ إناث الفئران على الإباضة؛ الأمر الذي مكَّن «اشهايم» و«زونديك» من تطوير اختبارهما لكشف الحمل.

ومنذ اختراع هذا الاختبار، ركَّزت اختبارات كشف الحمل الحديثة جميعها على الكشف عن وجود hCG في البول (1).

التغيرات الهرمونية في أثناء الدورة الطمثية الطبيعية وفي أثناء الحمل

ولكن؛ لماذا يحثُّ hCG الفئران اليافعة على الإباضة؟

يُعدُّ hCG شبيهًا بهرمون آخر يدعى الهرمون الملوتن Luteinizing Hormon (LH) يحفز الهرمون الملوتن (لدى البشر والفئران) المبايض لتحرير بيضة في كل شهر للدورة الطمثية، ويمكن لهرمون hCG أن يحاكي تلك الإشارة.

ونجح اختبار «اشهايم» و«زونديك»؛ نظرًا إلى كون مستويات هرمون hCG في بول المرأة الحامل أعلى بكثير من مستويات الهرمون الملوتن في بول غير الحامل، ويحث فئران التجربة على الإباضة (1).

اختبارات الحمل المعتمدة على الحيوانات: الفئران والأرانب والضفادع

على الرغم من أنَّ الاختبار الذي طوَّره «اشهايم» و«زونديك» كان دقيقًا، ولكنَّه لم يكن سهل الاستخدام، خصوصًا عند مقارنته مع اختبارات كشف الحمل المنتشرة في يومنا هذا؛ إذ كان يقتضي الاختبار حَقْن خمسة فئران (لكل امرأة) والانتظار مدة أسبوع قبل الحصول على النتائج، بالإضافة إلى أنَّ هذا الاختبار يكشف المستويات العالية لهرمون hCG فحسب، والتي توجد بعد أسبوعين على الأقل من انقطاع الدورة الشهرية (1).

إنَّ الحاجة إلى عديد من الحيوانات لإنجاز هذا الاختبار جعلته مكلفًا ومقتصرًا على عدد قليل من المختبرات التي كانت تستقبل عينات البول عن طريق البريد. 

إذًا، فمن غير المفاجئ أن تكون اختبارات كشف الحمل غير شائعة في تلك الفترة، وأن يقتصر استخدامها على النساء الثريات أو اللاتي كنَّ بحاجة إلى تحديد الحمل لأغراض طبية (1).

فيما بعد، أُجري تحسينٌ طفيف على الاختبار السابق عن طريق الطبيب الأمريكي موريس فريدمان عام 1931، والذي استبدل إناث الفئران الصغيرة بالأرانب البالغة، والتي كان حقنها أكثر سهولة (1).

وفي وقت لاحق، طوَّر العالم البريطاني لينسلوت هوغبن اختبارًا آخر يستخدم الضفادع؛ الاختبار الذي عُدَّ أوج ما وصلت إليه الاختبارات المعتمِدة على الحيوانات، فمن المعروف أنَّ الضفادع تضع البيوض، لذا لم تكن هناك حاجة إلى قتلها أو تشريحها لتحديد الإباضة، وهكذا أمكن إعادة استخدامها؛ الأمر الذي خفّض من تكاليف الاختبار الذي سمح بالحصول على النتائج في وقت أسرع (في غضون 12 ساعة) (1).

وعلى الرغم من الاعتماد الكبير على الضفادع في الفترة الممتدة بين الأربعينيات والستينيات من القرن المنصرم، ولكنَّ اختبارات كشف الحمل لمَّا تصبح رائجة بعد، فكانت معظم المختبرات تتلقّى عينات البول من الأطباء حصرًا، والذين لم يتوجهوا إلى طلب الاختبار إلا عند وجود سبب طبي طارئ يستدعي التأكد من وجود الحمل؛ لذلك اعتمدت معظم النساء على الأعراض الجسدية (الغثيان الصباحي وآلام الثدي) للتنبؤ بالحمل (1، 2).

غدًا سنتابع معكم تتمة التاريخ المتعلق باختبار الحمل فتابعونا..

المصادر:

Science in the News. 2020. Pee Is For Pregnant: The History And Science Of Urine-Based Pregnancy Tests - Science In The News. [online] Available at: <هنا; [Accessed 9 April 2020].

T، C.، 2020. Pregnancy Tests: A Review. - Pubmed - NCBI. [online] Ncbi.nlm.nih.gov. Available at: <هنا; [Accessed 9 April 2020].