كتاب > روايات ومقالات

مراجعة كتاب (من أجل عالم آخر): قضايا رأي عام

يُعدُّ هذا الكتاب ترجمةً للوثائق الناتجة عن انعقاد المنتدى الاجتماعي العالمي الأول European Social Forum في مدينة بورتو أليفري في البرازيل عام 2001 تحت شعار "من أجل عالم آخر ممكن". 

ويُعدُّ هذا المنتدى ملتقى شبكات المجتمع المدني الداعية إلى  إقامة حركة فكرية مناهضة للعولمة التي سلَّعت جوانب حياتنا البشرية كلها، واختزلت شخصياتنا إلى مجرد مستهلكين في سوق عالمية كبيرة، وطالبت بعولمة ديمقراطية حقيقية تحررنا في جوانب الحياة كلها دون تفرقة قائمة على أساس الدين أو العرق أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية.

بالإضافة إلى ضرورة تطوير بدائل للنظام العالمي القائم، وذلك نظرًا إلى الآثار السلبية المترتبة على التطبيق الخاطئ لمفهوم العولمة على العدالة والاستقلال الثقافي للشعوب وعلى البيئة عمومًا، فقد سلط الضوء على عدة قضايا تمس الرأي العام العالمي بصفتها خطوة أولى في طريق صناعة الحل.

ومن أبرز المسائل المطروحة في المنتدى الحديثُ عن الدين الخارجي وكيفية وَضْع حد له؛ للحد من نزيف الثروات المُتمثل باستيفائه، فيذكر في الكتاب أهمية القضاء على الدين في تحقيق التنمية الحرة ونقتبس في هذا السياق " تقدر قيمة الديون المستوفاة سنويًّا من العالم الثالث وسطيًّا بحوالي 200-250 بليون دولار أي ثلاثة أضعاف المبلغ المطلوب لتلبية الحاجات الإنسانية الأساسية وفق تعريف منظمة الأمم المتحدة لها"، وتمثَّلت الحلول المطروحة بتشديد الرقابة على الأسواق المالية وفرض ضريبة على ثروات كبار الأغنياء في العالم وإعادة القطاعات الاستراتيجية التي بيعت للقطاع الخاص إلى الملكية العامة. 

أما المحور الثاني فكان للحديث عن ترسيخ دور المجتمع المدني في احتواء العنصرية والتعصب ومواجهة العنف؛ إذ يتعرض ملايين الأشخاص في العالم للتمييز على أساس عنصري، بالإضافة إلى أنَّ ملايين النساء تتعرض للعنف "حتى إنَّ البنك الدولي اعترف بأنَّ العنف ضد النساء مثله مثل السرطان مسؤول عن موت النساء وعن عجزهن ويسبب مشاكل وعاهات صحية أكثر مما تسببه حوادث الطرق والملاريا معًا "، وهذا أحد الاقتباسات التي تؤكد خطورة العنف ضد النساء بأنواعه، سواءً العنف المنزلي نتيجةً للسيطرة الأبوية الذكورية أو العنف في أماكن العمل في محاولة استغلال حاجة النساء للعمل لإعالة عوائلهم.

ويناقش المنتدى نتائج هذا العنف التي تتمثل بالطلاق بين الأزواج أو الهجرة أو تسليع النساء أو قد تصل إلى حد ارتكاب جرائم الشرف أو قتل المواليد الجديدة من الإناث.

وقد أكد المنتدى على أهمية شراكة المجتمع المدني في خلق حياة اجتماعية عادلة، وبحسب المنتدى فـ"لا تتحمل الحكومة وحدها المسؤولية في علاج هذه الظواهر فهي مسؤوليتنا الفردية والجماعية ".

ولكنَّ المعالجة الحقيقة تبدأ من قطاع التعليم؛ الذي بات اليوم كغيره من قطاعات التنمية الأساسية يواجه خطرًا حقيقيًّا، فلم يَعُد التعليم متاحًا للجميع في ظل التكنولوجيا المتقدمة والتي تُعدُّ غير متاحة في بعض بلدان العالم الثالث وشرق آسيا، بالإضافة إلى أنَّ التعليم بات يُقدَّم من الدولة بوصفه نوعًا من المساعدة الاجتماعية وليس بوصفه حقًّا إنسانيًّا للجميع؛ لذا كانت اقتراحات المنتدى تؤكد على وجوب شراكة الحكومة مع المجتمع المدني بوجود رقابة مستمرة.

بهذا نرى أنَّ هذا الكتاب يحاول وضع نظام بديل لعلاج المشكلات التي يواجهها العالم اليوم، والتي تتسارع بازدياد لا يتناسب مع المحاولات الإصلاحية التي تحاول الحركات الاجتماعية والنضالية اتخاذها لإخراجنا من هذه الأزمات.

ولذا كانت الحاجة مُلحة لانعقاد هذا المنتدى الذي بات تقليدًا سنويًّا متجددًا من أجل استكشاف سُبُل بناء عالم آخر أكثر ازدهارًا وعدلًا وأمنًا.

معلومات الكتاب:

بونياه، توماس. (2008). من أجل عالم آخر. ترجمة: يوسف، شوكت. دمشق وزارة الثقافة. عدد الصفحات: 380