منوعات علمية > منوعات

الضحك من وجهة نظر اجتماعيَّة

وحدهم أولئك الذين يأخذون العالم على محمل الجدِّ يُمكنهم أن يروا الفكاهة فيه، ووحدهم من يملكون حسَّ فكاهةٍ فَطِنٍ يمكنهم أخذ العالم على محمل الجدِّ (1).

كيف يمكن تفسير ظاهرة الضحك الفريدة، وكيف يمكن للمجموعة الاجتماعية للفرد المساهمة في ذلك؟

يعدُّ الضحك ظاهرةً اجتماعيَّةً أساسيَّةً لا يقلُّ أهميَّةً في وجوده أو دلالته عن اللغة المنطوقة، إذ يتشابه كلاهما إلى حدٍ كبيرٍ في أصلهما ومنشأهما ووظيفتهما الاجتماعيَّة (1،3).

قد تكون مقولة "اضحكْ يضحك لك العالم" صحيحةً عند امتلاكنا نظاماً اجتماعيًّا عالميًّا موحدًا، ولكن المقولة الأنسب في وصف مكانة الضحك في وقتنا الراهن هي "اضحك فتضحك مجموعتك الاجتماعية معك". وبمعنى أوضح ما يُحدِّد توقيت الضحك وكيفيته للفرد ضمن الجماعة هو متى وكيف تضحك الجماعة التي ينتمي إليها هذا الفرد، تماماً كما يتحدَّد سلوكك وآراؤك بما تراه وتشعر به الجماعة (1).

يؤدي الضحك دورًا مهمًا في حياة الجماعة، وخاصةً على المستويات الدنيا حينما يكون من الضروري إظهار الوحدة والتضامن بين الأفراد في الجماعة الواحدة وذلك للتنافس مع الجماعات المحيطة. لا يمكننا أن نجد مُجتمعًا بشريَّا لا يؤدي فيه الضحك دوراً في الحياة الاجتماعيَّة، وفي الواقع يكون الضحك جزءًا من المنظومة اللغويَّة للتواصل بين أفراد المجتمع البشريِّ (1،3).

يمكننا عن طريق عرض مثالٍ عن دور الضحك في التواصل بين الأفراد في المجتمعات البدائيَّة أن نُبيِّن أهميَّة الضحك كونه منفعةً اجتماعيَّةً للجماعة البشريَّة.

اعتاد الأستراليون القدماء سابقًا أن يُعلِّموا اليافعين عادات القبيلة وقيمها بالاعتماد على طريقة التعليم المعكوس لإيصال مفاهيم ومبادئ معينة؛ وذلك عن طريق جعلهم يرون ما لا يجب عليهم فعله في بعض المواقف الخاصة. وفي جزء من محنة التدريب التي تُجرى على الشباب اليافعين للانخراط في حياة القبيلة؛ يؤدي كبارها المقالبَ المضحكة التي يُجبَر اليافعون على مشاهدتها كابحين رغبتهم الشديدة في الضحك. إذ صُمِّمت هذه المراسم التدريبيَّة لتمنح اليافعين الشعور بالاحترام تجاه كبار القبيلة وتكون هذه المراسم طريقةً فعَّالةً في غرس هذا الاحترام، فَلو أدَّى هذه المراسم أشخاصٌ أقل عُمراً فستكون مضحكةً بلا شك، ولكنَّ أداءها من كبار القبيلة يُجرِّدها من قيمتها المضحكة لأنَّهم من يُحدِّد مبادئ القبيلة (1).

يوضح المثال السابق أنَّ الضحك يُستخدم في التعبير عن مبادئ الجماعة والحفاظ عليها، وهو يذكِّر الأفراد بمكانتهم ضمن الجماعة ويحرص على بقائهم في المكان الذي ينتمون إليه ضمنها. ولا عجب أنَّ الجماعة ستنظر إلى الأفراد الذين لا يتمتعون بالقدرة على التماشي مع الجماعة والضحك بعين الحيرة والتوجس. والعكس صحيح، قد يكون غير مناسبًا للفرد الضحك على مواقف ليست مضحكة للجماعة التي ينتمي لها (1).

من وجهة نظر علم النفس، توجد أربع نظرياتٍ أساسيةٍ تتنافس في تفسير سبب الضحك، وتناقش جميعها الضحك بناءً على مبادئ أساسية في تفسير الضحك من وجهة نظرٍ نفسيَّةٍ (2).

نظريَّة التفوق (Superiority theory):

يُفسَّر الضحك على أنَّه ناتجٌ عن شعور الفخر بعد ملاحظة التفوُّق في أنفسنا مقارنة مع عجز الآخرين في موقفٍ ما، أو بالمقارنة مع عجز ذات الشخص سابقًا في هذا الموقف (2).

نظرية التناقض (Incongruity theory):

وهي النظرية الأكثر قبولًا لتفسير الضحك، وتُفسِّر هذه النظرية الضحك بأنَّه يكون مبنيًّا على الاختلاف الحاصل بين ما نتوقع أن يجري وما يجري حقًا، وقد فسَّر شوبنهاور (Schopenhauer) الضحك قائلاً: "السبب وراء الضحك في كل حالة هو الإدراك المفاجئ للتناقض بين المفهوم وواقع الأشياء". ووصف كانط (Kant) وهو مناصر آخر لنظرية التناقض الضحك قائلاً: "هو شعور يتجلَّى من التغير المفاجئ للتوتر المصاحب لبعض التوقعات وزواله" (2).

نظريَّة الإدراك (Cognitive theory):

استنتج العلماء حسب هذه النظرية أنَّ عقولنا لم تتطور على نحوٍ كافٍ لفهم حسِّ الفكاهة والدعابة، ولكن العقل قادر على فهم المعنى الضمنيِّ المُعاكس للواقع ضمن النكتة المُضحكة مثلًا، ويساعد هذا المعنى الضمنيُّ  على التفريق بين القصَّة الواقعيَّة والقصَّة المُضحكة (2).

النظريَّة الفرويديَّة في التحليل النفسيِّ للفكاهة (The Freudian psychoanalytic theory of humor):

تربط هذه النظرية الضحك بالعدائية المُتنكرة وغيرها من قوى اللاوعي (2). 

أما عن أهمية الضحك على الصعيد الشخصيِّ، فقد وُجِد للقدرة على الضحك دلالات على قدرة الشخص على التغلب على محن الحياة التي يواجهها؛ فالشخص الضاحك يُتنبَّأ له بصحةٍ أفضل في حياته؛ إذ أظهرت دراسة أنَّ الأشخاص الذين يضحكون بدلًا من الغضب أو الإحراج عند حصول مواقف مفاجئة معهم يكونون أقل عرضة للإصابة بالأمراض أو النوبات القلبيَّة أو ارتفاع ضغط الدم (3). (لقراءة المزيد عن فوائد الضحك من هنا )

ولا يزال الضحك السمة الإنسانيَّة الأكثر غموضًا، والتي طالما داعبت فضول العلماء لدراسة منشئها ودلالاتها وتأثيرها في حياة البشر أفراداً  وجماعات!

ابقِ الابتسامة مرسومةً على وجهك فإن ضحكت لعلَّ العالم يضحك لك.

المصادر:

Wilson D. Wallis. Why Do We Laugh?. The Scientific Monthly  [Internet]. 1922 Oct [cited 2020 Mar 23]. Available from:

هنا

Arthur Asa Berger. Why We Laugh and What Makes Us Laugh: 'The Enigma of Humor'| Europe’s Journal of Psychology. 2013 May [cited 2020 Mar 23]. Available from: هنا

 

Jeanie Lerche Davis. Why Do We Laugh?. [cited 2020 Mar 23]. Available from:

هنا