كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الاستلاب): الاغتراب تحت مجهر الفلاسفة

يفتتح عالم الاجتماع العراقي (فالح عبد الجبار 2018-1946) الكتاب بمدخل موجز عن مفهوم الاستلاب/الاغتراب بالمعنى العام، وكيف حقَّق الوجود الفكري في أكثر الميادين جدلًا وتباينها، وامتدَّ إلى علم الاجتماع وعلم النفس ومجالات شتى في العلوم الإنسانية. 

ويتشعَّب مفهوم الاغتراب تشعبًا لافتًا في ميدان الفلسفة تحديدًا؛ إذ إنَّه في هذا الميدان فُكِّك وتجلَّى استخدامه الفلسفي والاجتماعي، وسرعان ما خرج عن كونه مصطلحًا مُحدَّد التعريف وثابت الاعتبارات والتداخلات، بل ولجَ المفهوم في دائرة التفسير والتنقيح مع نتاج الفلاسفة الفكري وتتالي أطروحاتهم، ومن أبرزهم فلاسفة مدرسة فرانكفورت*، فكلٌّ منهم يقدِّم الاستلاب بوصفه حالةً مطوَّرة أو معارضة نظريتها عند فيلسوف آخر. ويتناول الكتاب هذا الاختلاف والمناقشة بدءًا من عالم السياسية والفيلسوف توماس هوبز (Thomas Hobbes 1588-1679) وانتهاء بعالم الاجتماع والفيلسوف كارل ماركس (Karl Marx 1818-1883) بعد أن يعرض لمحة تاريخية عن المفهوم منذ أواخر القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا، ويمرُّ  على طرح أربعة فلاسفة غير هوبز وماركس، وهم:

الفيلسوف والمفكر السياسي الإنجليزي جون لوك (1704-1632 John Locke)

الأديب والفيلسوف جان جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau 1712-1778)

الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل (Georg Wilhelm Friedrich Hegel 1770-1831)

الفيلسوف الألماني لودفيغ فويرباخ (1872-1804 Ludwig Feuerbach)

وبعد انتهاء تقديم موجز تاريخي عن مفهوم الاغتراب، يقسِّم الكتاب حسب السياق التاريخي للمفهوم مع القسم المعنون بـ(خارج اللاهوت؛ هوبز ولوك)، فيستحضر (أ.عبد الجبار) مناقشةَ كل من هوبز ولوك عن استلاب اللاهوت المسيحي والدين عمومًا لجوهر الإنسان وحرية اختياره وفطرته، فيطرح كل منهما رؤيته عن الفطرة الإنسانية وحالة الاغتراب/الاستلاب عنها، ومن هذه المناقشة يشرَع بنا الكتاب إلى فهم طرح هذين الفيلسوفين. 

وسرعان ما ننتقل في الفصل الذي يليه (روسو؛ الاستلاب الكلي) إلى فهم نظرية جديدة عن الفطرة الإنسانية ومناقشة جديدة عن استلابها مع الفيلسوف جان جاك روسو، فإنَّ روسو خالف الفطرة الهوبزية بكون الإنسان كائنًا أنانيًّا متوحِّشًا وملزمًا بحالة حرب الكل ضد الكل**، وعدَّ أنَّ الإنسان يستند على الرأفة في فطرته ولكنَّ ظهور الملكية الخاصة في المجتمع البشري أفسد هذه الفطرة.

وفي قسم (هيغل؛ ديالكتيك الاستلاب الكلي) يبدأ (أ.عبد الجبار) بالتعمُّق في فلسفة الفيلسوف هيجل شارحًا جدلية الفكرة الكلية والوجود والاستلاب الكلي لهما، ويشرح فلسفة هيغل في الميدان الروحي لدى هيجل، والذي يتلخَّص في الدين والفن والفلسفة. ويتلو ذلك عدة أقسام تتناول المفهوم (الاغتراب) عند هيجل في التجريد المنطقي العام وفي التاريخ الملموس وفي ميدان العلاقات السياسية وفلسفة الحق. 

وننتقل بعدها إلى الفيلسوف لودفيغ فيورباخ الذي برزَ في نقده للاهوت وجوهر المسيحية، وقدم طرحه عن استلاب الجوهر الإنساني وماهية الدين الطبيعي (ماهية المسيحية)، وكان مؤثرًا تأثيرًا كبيرًا في أجيال من المفكرين والفلاسفة اللاحقين له ومن بينهم الفيلسوف كارل ماركس الذي سيتطرَّق الكتاب إلى فلسفته عن الاغتراب في الفصول الأخيرة.

وقد ناقش ماركس قضية الاغتراب بأنَّها حالة ناتجة عن سطوة المجتمع الصناعي الرأسمالي، فهذا النظام يقوم على تشييء الأفراد وتحويلهم إلى سلعة تفقد كيانها الإنساني وقدرتها على الإبداع، وشقَّ ماركس طريقه لشرح (الإنسان المغترب) بعد نقد كلٍّ من فلسفة الدولة وفلسفة الحق الهيجلية، وتحول من نقد الدين فلسفيًّا إلى نقده اجتماعيًّا ليسقط فلسفته على المجتمع الصناعي إسقاطًا ثوريًّا واضحًا، ويتَّضح هذا الانقلاب في قسم (من الأنثروبولوجي إلى السوسيولوجية).

ويُلحق (أ.عبد الجبار) الكتاب بملحق لغوي  في مفردات الاستلاب/الاغتراب الهيغلية-الفويرباخية ليوضِّح كيفية استخدام الفلاسفة للمفهوم، وفي معاجمهم ونصوصهم في أربعة جداول تتناول معنى المفهوم وترجمته في الإنجليزية والألمانية والعربية.

*تُعدُّ مدرسة فرانكفورت (Frankfurt School) واحدة من أبرز مدارس الفلسفية الغربية المعاصـرة، وقد استمدت أهميتها البالغة؛ نظرًا لتنوُّع طرحها المنفتح على المرجعيات الفلسفية الكبرى كافة مثل الكانطية والماركسية والهيغلية والفرويدية.

وغطَّت أهم الإشكاليات المعقدة المطروحة في المجتمعات المعاصرة،  بالإضافة إلى أنَّها فكَّكت تحليلًا ونقدًا التحولات الفكرية والاجتماعية والسياسية (1).

**راجع مقال: الخوف أساس نشوء الدولة برؤية توماس هوبز هنا

معلومات الكتاب:

عبد الجبار، فالح. (2018) الاستلاب؛ هوبز، لوك، روسو، هيغل، فويرباخ، ماركس. (ط.1). لبنان-بيروت: دار الفارابي للنشر والتوزيع.

المصادر:

[1] مهدي ع. مدرسة فرانكفورت النقدية: الأسس والمنطلقات الفكرية. مجلة العلوم السياسية. :127.