الطب > علوم عصبية وطب نفسي

الفوبيا تورَّث

الفوبيا (الرهاب) هي مرض نفسي يؤدّي إلى خوف متواصل من موقف أو نشاط معين أو حتّى من مجرّد التفكير فيه، وتعد من أشيع الأمراض النفسيّة. ومن أمثلتها: رهاب المرتفعات، رهاب نوع معين من الحيوانات، رهاب من الإجراءات الطبّيّة، وغيرها....

يقترح بحثٌ جديد أنّه من الممكن للذكريات أن تـنتقل عبر الأجيال عن طريق الحمض النووي DNA في عمليّة قد تكون هي السّبب الدّفين للفوبيا.

اعتقد العلماء منذ وقت طويل أن الذكريات والخبرات المكتسبة والمبنيّة خلال الحياة لا تنتقل عبر المورّثات إلى الأجيال اللاحقة، ولكن أظهرت دراسة حديثة (عن تطوّر الفوبيا) أنّه من الممكن لبعض المعلومات أن توَرَّث عن طريق بعض التغيّرات الكيميائية التي تحدث للـ DNA، حيث تقترح هذه الدراسة أنه من الممكن للذكريات والتجارب المخيفة أن تنتقل للأجيال اللاحقة عبر تحولات كيميائية لا جينية Epigenetic changes في الحمض النووي (أي لا تؤثر على تعاقب الجينات) ممّا يجعل النسل يرثُ خبرةَ الأجداد.

في هذه الدّراسة –والتي نشرت في Nature Neuroscience – قام العلماء بتدريب الفئران على الخوف من رائحة زهرة الكرز، وذلك بتعريضهم لنبضة كهربائيّة كلما شمّوا رائحة الزهرة، ثم جعل العلماء هذه الفئران تتكاثر. أظهر النسل الناتج خوفا من رائحة زهرة الكرز مقابل ردّات فعل طبيعيّة تجاه الروائح الأخرى، رغم أن الفئران الجديدة لم تتعرض لأي موقف سابق متعلق بزهرة الكرز. كما أظهرت الأجيال اللاحقة أيضًا هذا السلوك نفسه، واستمرَّ هذا الأثرُ حتى باستخدام التلقيح الصّناعي للفئران.

وجد الباحثون أن عقول الفئران التي قاموا بتدريبها (فئران الجيل الأول) وعقول الفئران الجديدة طرأت عليها تغيّرات بنيويّة في المناطق المسؤولة عن التعرف على الروائح. أظهر الحمض النووي DNA أيضًا بعض التغيّرات الكيميائيّة (لا جينية) على المورّثة المسؤولة عن التعرّف على الروائح (أي أن تغير حصل على المستوى الوظيفي للجين وليس المستوى البنيوي). وبالتالي فإنَّ الخبرات تنتقل بطريقة مّا من الدماغ إلى الجمض النووي، ممّا يسمح بنقلها إلى الأجيال اللاحقة.

أظهرت دراسة أخرى أن قدرة الفئران على تذكر خبرات الأجداد قد تتأثّر بوجود بعض العوامل المناعيّة الموجودة في حليب الأم، والتي تسبب تغيرات في دماغ الأبناء مما يؤثر على ذاكرتهم في المستقبل.

إن التغيرات اللاجينية (أو التغيرات فوق الجينية Epigenetic ) هي تغيرات كيميائية قابلة للعكس تطرأ على الاسس الازوتية في ال DNA وفي بعض الأحيان على الاحماض الامينية المشكلة للبروتينات الهيستونية، وبنتيجتها يحدث تغير بنيوي في الكروماتين بحيث يصبح اكثر تكثفاً، مما يؤثر على التعبير المورثي لتلك المورثات.

تتسبب المثيلة بتعطيل عمل الجينات وبالتالي تؤثر على التعبير الجيني، وهي عبارة عن تغير كيميائي لواحد من الأسس (السيتوزين) في شريط الـ DNA حيث يتحول إلى ميتيل السيتوزين بدون أن يحصل تعديل على تسلسل الشريط الوراثي، تحصل تغيرات اخرى على مستوى الهيستونات وهذه التغييرات هي ما يسبب تثبيط المورثات. تعدّ هذه التغييرات موروثة بمعنى أنها تورث من الآباء للأبناء عن طريق أنزيمات المثيلة.

يأمل الباحثون الآن أن تجريَ المزيدُ من الأبحاث لفهم كيف يتم من الأساس تخزين المعلومات على الـ DNA، يأملون أيضًا اكتشاف فيما إن كانت هذه الآثار تظهر في البشر أم لا، ولكن يلزم الكثير من العمل قبل تطبيق نتائج كهذه على البشر.

قد تساعد هذه النتائج في تفسير خوف الناس من بعض الأشياء التي تبدو غير منطقيّة، قد يكون هذا الخوف بسبب خبرة موروثة من الأجداد. الخوف من العناكب مثلاً، قد يكون تجربة مخيفة لأحد الأجداد مع العناكب.

المصادر:

هنا

هنا