الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة اليونانية

أصل العالم عند اليونانيين (الرواقيون؛ النار الإلهية)

كانت التغيّرات المستمرة للطبيعة لافتة لعقول الفلاسفة الإغريق؛ لذا تساءلوا عن التغيرات المرئية داخل الطبيعة لفهم أحداثها وتفسيرها، محاولين صياغة بعض القوانين الطبيعية المُبرهنة دون الرجوع إلى الأساطير التي يعرفونها؛ أي بعيدًا عن جعل الآلهة والقوى الخارقة هي المسؤولة عن نمو النباتات أو حدوث الكوارث الطبيعية، على الرغم من اعتقادهم بوجود مادة أولية تعود إليها الأشياء الطبيعية جميعها؛ فإننا معنيون بطريقة تفكيرهم أكثر من مضمون هذا التفكير؛ فالأسئلة التي طرحوها والأجوبة التي أرادوا الوصول إليها ما زالت تهم الإنسان حتى الوقت الحاضر؛ وبذلك نقدِّم سلسلة أصل العالم عند اليونانيين.

تأسَّست المدرسة الرواقية من اليوناني ذي الأصول الفينيقية (زينون الرواقي 334-262 ق.م) فاستقر في أثينا وتعلَّم الفلسفة علي يد كراتس الكلبي وستيابو الميغاري وبوليمور الأكاديمي (1).

وتنقسم المدرسة الرواقية إلى ثلاثة أقسام: المنطق والفيزياء والأخلاق، الذي هو أساس الفلسفة الرواقية (1).

ناقش الرواقيون المعرفة ومعيار الحقيقة؛ فيرون العقل صفحة بيضاء يستمد معرفته عن طريق الحواس؛ ممّا يجعل مفهوم المعرفة مفهوم حسّي، ولا شيء حقيقي سوى انطباعات الحواس، ولكن الرواقيون وضعوا فاصلا بين الحقيقة والأحلام والأوهام (التي تشترك بمعيار الإدراك الحسي المصدَّر للعقل وليس المادي) بأن الأشياء الحقيقية تولِّد بنا شعورًا هائلًا من القناعة وقوّة الصورة وحيويتها هما اللذان يميزان هذه الإدراكات الحسية الحقيقية عن الحلم والأوهام (1,2). 

وعلى الرغم من هذه النزعة الحسيّة عند الرواقيون، ولكنَّ القضية الأساسية في الفيزياء فيما يخصهم؛ هي أن كل الموجودات يجب أن تكون مادية؛ أي إنه ما من شيء غير مادي له وجود، وبهذا يرون أن كل الأشياء وبما فيها النفس، والإلّه؛ فهي أشياء مادية (1).

ويُؤسَس هذا الاعتقاد على اعتبارين:

الأول: وهو أن وحدة العالم تقتضي أن يصدر عن الواحد؛ فالعالم واحد، ولهذا يجب أن تكون لدنيا نزعة واحدية وهي المادة، وبهذا لقد انحلت مثالية أفلاطون وأرسطو في الصراع العقيم ضدّ ثنائية المادة والفكر؛ إذ إنه يجب (حسب رأي الرواقيون) أن نقف في صف المادة ونرد العقل إليها.

الثاني: نجد أن الجسم والنفس، والإلَه والعالم، هما زوجان يؤثران ببعضهما، فمثلًا الجسم ينتج الانطباعات الحسية والنفس تنتج الحركات في الجسم، وهذا سيكون مستحيلًا إن لم يكن لكليهما الجوهر نفسه (نزعة واحدية) (1).

وهذا ما يطرح سؤال: ما النوع الأصلي للمادة؟

يعود الرواقيون إلى هيرقليطس ليقولوا: إن النار هي النوع البدئي لوجود كل الأشياء، والنار الأولية هي الإلَه المرتبط بالعالم كما ترتبط النفس بالجسم؛ فإن النار الإلهية، أو الإلَه؛ نفس العالم وجسمه، تُحيط بالعالم كله وتنفذ وتتسلّل حتى تنفذ؛ فالرواقيون ينكرون أزلية المادة (1,2).

ويعتقد الرواقيون أن الإله الذي يبدأ من النار، محكوم بالضرورة بالعقل وهذا يعني أولًا أن هناك غرضًا من هذا العالم، ومن هنا يأتي النظام والتناغم والجمال والتصميم، وثانيًا، بما أن العقل هو القانون ضد اللاقانون، فإن الكون خاضع لسيطرة القانون وبالضرورة الصارمة للعلة والمعلول، وتبعًا لذلك فإن الفرد لا يملك حرية إرادة مطلقة في عالم محكوم بالضرورة.

والإلَه عند الرواقيون يُغيّر الجوهر الناري لذاته أولًا إلى هواء وثم إلى ماء وبعدها إلى تراب ومن ثم ينشأ العالم؛ لكنه ينتهي بحريق تعود به كل الأشياء إلى النار الأولية، وبعد وقت يعيد الإلَه تحويل نفسه إلى العالم لتتتالى العوالم من النار الإلهية الواحدة (1,2).

المصادر:

1- ستيس، وولتر. (1984). تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة:مجاهد، عبد المنعم مجاهد. (د.ط). القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع. صـ 279-282

2- كرم، يوسف. (2012). تاريخ الفلسفة اليونانية. (د.ط)، القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. صـ 267-276