الهندسة والآليات > التكنولوجيا

خطوة جديدة نحو الحواسيب الكمومية

لا تزال فكرة الحواسيب الكمومية موضعَ نقاشٍ كبيرٍ بين العلماء، من حيث إمكانية الوصول إلى هذه التقنية. وعلى الرغم من وجود العديد من المعارضين لإمكانية إنشاء حاسب كمومي، تستمر محاولات العلماء في البحث عن طرائق لتحويل فكرة الحاسب الكمومي -كما وصفها الفيزيائي بول بينيوف (Paul Benioff) والبروفيسور وأب العلم الإلكتروديناميكي الكمي ريتشارد فاينمن (Richard Feynman)- إلى واقع (1).

مقدمة عن الحواسيب الكمومية:

تمكَّن العلماء في جامعة MIT من إيجاد طريقة لزيادة عدد البتات الكمومية (كيوبت Qubit) دون الحاجة لزيادة حجم المعالج (2)، والكيوبت هو بمثابة البت الفيزيائي الموجود في الحواسب التقليدية، والذي يأخذ إحدى الحالتين إما 1 منطقي أو 0 منطقي، في حين يأخذ الكيوبت في الحواسيب الكمومية الحالتين 1 و 0 في الوقت نفسه. فالكيوبت هو إلكترونات تابعة لذرات تُصدم بحقول كهربائية بزاوية متعامدة بين بعضها؛ فتصطفُّ الأيونات بمسافات مناسبة ومتساوية عن بعضها، وعندما تصبح هذه المسافة كافية؛ فإنَّ إلكترونات هذه الذرات تصبح مناسبة لتكون بمثابة البت الذي يحمل المعلومات. وبصورة مختلفة عن الحواسيب التقليدية التي تركز على الجهد في معرفة قيمة البت المنطقية، تركز الحواسيب الكمومية على ما يعرف بدوران الإلكترون Spin، والذي يتعلق بالعزم الزاوي للإلكترون. والدوران كغيره من المقادير الكمومية غير قابل للتجزئة والمراقبة والقياس على نحوٍ دقيق، ويمثل Spin العزم الزاوي لدوران الإلكترون في أثناء حركته المدارية حول نواة الذرة. قيمة الدوران هي دائمًا (½) ولكن الفرق هو القطبية (للأعلى أو للأسفل) هذه القطبية هي التي تُعبِّر عن القيمة 1 أو القيمة 0"، ويحتوي الكيوبت الحالة الكمومية لإلكترون واحد، ويمتلك الحالتين 1 و 0 في الوقت ذاته في حال لم يكن أحد ينظر إليه، وتُدعى هذه الحالة Superposition ومن المستحيل مراقبة الإلكترون في هذه الحالة؛ لأنَّ ذلك يتطلب تبادل فوتونات؛ وبذلك فإنَّ هذه الحالة Superposition  ستنهار (3). تتشابك Superpositions مع حالات تابعة لأجسام أخرى؛ وبذلك تكون نتيجتها مرتبطة رياضيًا على الرغم من عدم معرفتنا بها (4)، وبهذا المبدأ يمكن ربط Superpositions بالمعلومات التي نريدها وبالمقابل يعطينا جميع الحلول الممكنة وبسرعة كبيرة (1).

الطريقة الجديدة:

تُعدُّ شائبة متواجدة في الألماس مرشحاً لتشكيل كيوبت، وتُدعى هذه الشائبة بمركز شاغر-النيتروجين (NV)، وتحدث عند غياب ذرات الكربون من مكانين متجاورين في البنية الشعرية للألماس وتُستبدل إحدى الذرتين بذرة نيتروجين ويبقى مكان الذرة الأخرى فارغًا، ويحتوي مركز NV على إلكترونات يمكن التلاعب بها من خلال الضوء والأمواج الميكروية؛ وبذلك تُصدر هذه الشائبة الفوتونات التي بإمكانها حمل معلومات كمومية، ولكن هذه الشائبة محاطة بالعديد من الشوائب المجهولة التي تمتلك خواص دوران Spin مختلفة، وتُدعى شوائب الدوران، وعندما يتفاعل مركز NV معها يفقد الكيوبت حالته الكمومية المتماسكة (فك الترابط Decoherence) وتنهار العمليات كلها (2).

عادة يكون حلُّ مثل هذه المشكلات عن طريق معرفة هذه الشوائب المشوشة وتحديدها لحماية الكيوبت منها، ولكن في ورقة بحثية نُشرت في الخامس والعشرين من شباط (فبراير) 2020 في Physical Letters Review، وصف الباحثون طريقة تستخدم مركز NV في فحص محيطه واكتشاف وجود شوائب الدوران، ويمكن بعدها  للعلماء تحديد موقع هذه الشوائب بدقة والتحكم بها لتحقيق حالة كمومية متماسكة، أي تحويلها إلى كيوبت. وفي التجارب تمكنوا من تحقيق ذلك على شائبتين، وبدلًا من كيوبت واحد حصلوا على ثلاث كيوبتات (2).

أولًا : توصيف الشوائب:

 بدايةً أرسلَ الباحثون نبضات موجية ميكروية بترددات محددة للتحكم بمركز NV، وفي الوقت ذاته أرسلوا نبضة ميكروية أخرى لفحص البيئة المحيطة عن أي دوران آخر، ثم راقبوا تفاعل طيف الرنين (شبيه بتخطيط القلب) التابع لشوائب الدوران مع مركز NV، ثم مسحوا كامل المنطقة باستخدام حقل مغناطيسي وباتجاهات مختلفة، ومن أجل كل اتجاه كانت الشوائب تدور عند طاقات مختلفة مُسببةً انخفاضات مختلفة في الطيف، مما سمح للعلماء قياس دوران الشوائب في كل اتجاه مغناطيسي، ثم أدخلوا هذه البيانات في معادلة رياضية تَصف التفاعلات الكمومية لدوران شائبة إلكترونية تحت حقل مغناطيسي، وحلُّ هذه المعادلة يعطي خصائص كل شائبة (2).

ثانيًا : تحديد الموقع والتحكم بالشوائب:

أعادوا مسح المنطقة بحقل مغناطيسي وباتجاهات مختلفة، ولكن هذه المرة بحثوا عن تغيرات في الطاقة التي تصف التفاعل بين الشائبتين ومركز NV، كلما كانت التفاعلات أقوى  كانوا أقرب من بعضهم، ثم استخدموا قوة هذه التفاعلات في تحديد موقع الشائبتين بالنسبة لمركز NV وبالنسبة لبعضهما (2).

أما من أجل التحكم، فأرسلوا بداية إلى مركز NV والمنطقة المحيطة بها نبضات من الضوء الأخضر، التي تساعد على جعل الكيوبتات الثلاثة في حالة كمومية معروفة، ثم استخدموا سلسلة أخرى من النبضات التي تجعل الكيوبتات الثلاثة تتشابك ثم تفك تشابكها، مما يسمح بالكشف الدوران الثلاثي المتماسك للكيوبتات (2). 

تحقق العلماء من الدوران الثلاثي المتماسك عن طريق قياس صعود كبير في طيف الرنين، وهذا الصعود الكبير هو أساسًا مجموع الاهتزازات للكيوبتات الثلاثة (2).

ويُعدُّ هذا البحث خطوة مهمة نحو الحاسوب الكمومي الذي من خلاله سنستطيع الإجابة عن العديد من الأسئلة التي لا نزال غير قادرين على إيجاد حل لها باستخدام الحواسيب العادية (4). ومن يعلم ربما ستكون الحواسيب الكمومية خليفة الثورة الإلكترونية….لثورة الكمومية!!

المصادر :

1-Where in the Future Is Quantum Computing? [Internet]. Cornell Research. 2020 [cited 20 March 2020]. Available from: هنا;

2-Novel method for easier scaling of quantum devices [Internet]. MIT News. 2020 [cited 20 March 2020]. Available from: هنا;

3-Quantum computing: Opening new realms of possibilities [Internet]. Princeton University. 2020 [cited 20 March 2020]. Available from: هنا;

4-Staff S. How Do Quantum Computers Work? [Internet]. ScienceAlert. 2020 [cited 20 March 2020]. Available from: هنا;