التاريخ وعلم الآثار > منارات ثقافية

مقدمة عن مكتبات الحضارة الاسلامية

المعلومات قوة... أول كلمة علمونا ياها بقسم المكتبات والمعلومات بالجامعة، مع هاد ما كتير كنا مقدرين قديش هالكملة دقيقة وإلها معنى، بس لما بدأ فريق الباحثون السوريون بالعمل على هالسلسلة كتير من التجارب الناجحة مرت قدامنا وعرفنا ليش المعلومات قوة. من شهر حزيران 2013 ونحنا فعليا عم نحضر لهل السلسلة ومجموعة المقالات اللي فيها، كنا كتير متفاجئين، لما عرفنا أنو في جزء كبير من أسلاف شعوب منطقة الشرق الأوسط كانو من أكثر شعوب العالم ثقافة وقراءة بهداك الوقت، ما بدنا منكون تقرأو كأنها حكاية، ولا بدنا منكم تبالغو بالمكان اللي "كانت" عليه ثقافة شعوبنا، بس بدنا منكون تقرأو وتتعلمو، وتعتبرو كل مقالة تجربة فيها دروس عبر، ضروري تستفيدو من تجارب الأسلاف لتعرفو كيف طوروا طرق ليقرأوا ويتعلموا، ضروري تستفيدوا من كل تجربة فاشلة ومن كل خطأ مروا فيه أسلافنا و ما نكررو، بعتقد أنو هاد كلو السبب لحقيقي اللي خلانا نسجل التاريخ.

في القرن العاشر الميلادي، بلغت الحضارة الإسلامية ذروة إنجازها العلمي، طاف إبن النديم بلاد المسلمين، ولكن هذه المرة كانت رحلته ليس من أجل زيارة البلاد، بل من أجل هدف إحصائي فكري بحت، لقد سافر كل تلك البلاد من أجل إعداد قائمة بالإنتاج الفكري والمؤلفات الموجودة في كل النواحي والبلاد وتفنيده في كتاب خاص سماه "الفهرست"، ما يسميه اليوم متخصصوا علم المكتبات "الببليوغرافيا".

كل تلك الرحلة كانت من أجل حصر الانتاج الفكري، إن دل هذا على شيء، فهو يدل على مفهوم واحد، أن القراءة لم تكن في ذلك الزمان ضرب من ضروب الرفاهية أو الكماليات.

لم يختلف عالم الأسلاف عن عالمنا من حيث أسعار الكتب وصعوبة المعيشة، بل كان الكتاب عزيزا غالي الثمن قليل النسخ، لا يستطيع الحصول عليه إلا كل قادر على هذا، الشيء الذي لم يمنع أن تكون الشعوب مثقفة وضالعة في الأدب والشعر وعلوم الحياة والفلك والأخبار الأنساب ونحن هنا لا نتحدث عن طبقة المثقفين وحسب، بل نتحدث عن جمهور عامة الناس أيضا.

انتشار الكتاب والقراءة والكتابة ومجالس العلم كان واسع بين عامة أفراد المجتمع، على اختلاف الأمصار والأمكنة، كما أجمع كثير من المؤرخين، ومع تقدم الزمن كانت تظهر بوضوح الحاجة إلى وجود مكان أو مركز تجمع فيه المخطوطات والكتب، مركز ثابت ومعروف للجميع بما ما يجعل منها مركز ثقافيا وأكاديميا يخدم مجتمع المستفيدين منه.

ومما لا شك فيه أن الحضارة الإسلامية عرفت فكر وعلم المكتبات، فيذكر أن أمين المكتبة كان مسماه الوظيفي "الخازن"، أما المكتبات فحظيت بأسماء كثيرة وأنواع متعددة، ويذكر الدكتور يوسف العش – أحد أشهر المؤلفين في هذا المجال – أن مكتبات الحضارة الإسلامية شهدت تطورات وتسميات مختلفة:

1. بيت الحكمة

2. خزانة الحكمة

3. دار الحكمة

4. دار العلم

5. دار الكتب

6. خزانة الكتب

7. بيت الكتب (ص32، م8)

فنميز هنا عبارات من نوع "بيت، خزانة، دار" إنما تدل على أنواع الأمكنة التي تخزن فيها المعرفة، أما العبارات "حكمة، علم، كتب" تدل على مواضيع هذه الأمكنة وتصلح لوصفها (ص34، م8)

ومن المعلوم – لغويا – أن الدار أوسع وأكبر من البيت، فكلمة بيت تعني الغرفة أو الحجرة أما كلمة دار فهي تعني تجمع البيوت في مجمع واحد أو عمارة واحدة. ومن هنا يمكن أن نقول في الفرق بين المصطلحين من ناحية المكتبات فالمكتبة االتي تحمل أسم البيت هي تمثل الخزائن التي تشغل قاعة واحدة أو عدة قاعات أما كلمة دار في تعني هنا المكتبة التي تحتوي عدة قاعات وتعج بالخزائن ومن هنا يمكننا أن نصنف تلك المكتبات حجما اعتمادا على هذه المسميات فالخزانة ترمز إلى المكتبات الشخصية الصغيرة والبيت ترمز إلى المكتبات المتوسطة أما الدار فترمز إلى المكتبات الكبيرة ذات القيمة والأهمية العالية (ص34-35 بتصوف، م8) واستخدم أيضا مصطلح "خزانة الكتب" للتعبير عن المكتبة التي تلحق بالقصور أو بمركز ثقافي كمساجد أو مدرسة أو مشفى (ص189، م6)

وعلى عكس المكان ونوعه، تختلف صفات المواضيع ليس حسب الأحجام بل حسب الزمان الذي انتشر فيه ذلك المصطلح، فكلمة الحكمة لطالما ارتبطت بالفلسفة، وخصوصا الفلسفة اليونانية التي ترجمت ونقلت إلى العربية في العهد الأموي والعباسي، فالمعرفة هنا هي معرفة قديمة مرتبطة بما تركه حكماء وفلاسفة اليونان القدامى وكلمة "حكمة" لطالمة ارتبطت في المكتبات بأربعة مستويات: علوم الفيزيقياء والطبيعة، العلوم المدنية، علوم الرياضيات، علوم ما وراء الطبيعة.وهذه المستويات ما هي إلا مفهوم الفلسفة بأبسط أشكاله وقد استعمل بوضوح في الفترة الأولى من العصور الإسلامية المبكرة وتحديدا في العصر الأموي والعصر العباسي الأول (ص36، م8)

أما كلمة العلم فهي عربية صرفة وعرفها العرب دوما على أنها كل معرفة دقيقة، أي أكثر تفصيلا من المصطلح العام "الحكمة" ودرج استعمال هذا المصطلح في فترات متقدمة من العصر العباسي (ص36، م8)

في حين فإن كلمة كتاب ما هي إلا مصطلح استخدم عوضا عن الحكمة والعلم في عصور متقدمة لم يعد فيها الكتب العامة ذات نفع بل أصبح التوجه نحو التخصص أمرا لازما فكانت كلمة "كتب" خير دلالة على مفهوم المواد العلمية بشكل عام (ص26، م8)

ويمكن التأكيد على أن المكتبة في عصر الحضارة الإسلامية مرت بثلاثة مراحل وعصور أساسية:

- عصر بيت الحكمة: تكون فيها المكتبة عبارة عن قاعة أو قاعات تكون فيها الحكمة أبرز الموضوعات

- عصر بيت العلم: وفيه تتطور المكتبة لتصبح بناء مستقل تكون جميع أنواع العلوم أكثر تخصصا من ذي قبل (كما أنها قد تحمل أسماء من قبيل "دار الكتب، دار الحكمة"

- عصر المكتبات الملحقة: أي تلك المكتبات ذات التخصص الدقيق الملحقة بالمؤسسات مثل المشافي والمساجد (ص28، م8)

- عرف العالم الإسلامي جميع أنواع المكتبات مثل المكتبات الخاصة بالأفراد ومكتبات قصور الخلافاء، والمكتبات الملحقة بالمساجد، والمكتبات العامة، ومكتبات المدارس والتجمعات الثقافية، ومكتبات المشافي (ص189، م6)

وبعد جهد طويل منذ بدأ التحضير لهذه السلسلة، انتهت دراستنا المسحية إلى حصر أهم المكتبات على مر تاريخ الحضارة الإسلامية، فسنفتتح معكم السلسلة من عاصمة الأمويين دمشق حيث سنكشف سر مكتبتها المفقودة، ونطير بعدها إلى عاصمة الرشيد ومكتبة الرشيد حيث بيت الحكمة، ونتجه غربا إلى قاهرة المعز ودار الحكمة في القاهرة، ونكمل مسيرنا باتجاه الأندلس حيث الإشعاع الحضاري القرطبي ومكتبة أمويو قرطبة، ونعود أدرجنا إلى دار السلام في بغداد حيث سنتحف أخلاد القراء بمكتبة سابور، ونحط رحلنا في مكتبة بني عمار على شاطئ المتوسط اللبناني في طرابلس الشام حيث نختم رحلتنا فيها.

ست مقالات رح تكون سلسلنا أو رحلتنا، الرحلة اللي فريق البحث اتفق أنو يسميها "رحلة الكنز" كان الكنز الحيقي فيها هو الرحلة نفسها، مرينا بلحظات صعبة وتعب وطرق مسدودة وتجاوزنا كتير صعاب وحققنا نجاحات واكتشفات جديدة، الرحلة اللي أخدت مننا الكتير، بس أكيد حتكون – إن شء الله – حجر أساس يبنى عليه أبحاث وتطويرات، أمنياتنا أنو ما ينتهي البحث بهالموضوع عند هاد المكان وهي النتائج.

المصادر والمراجع

1. الفهرست/ أبو الفرج محمد بن اسحاق ابن النديم، تحقيق:غوستاف فلوجل.- بيروت: مكتبة خياط، [د.ت]

2. تاريخ بلاد الشام: دراسة اجتماعية اقتصادية فكرية وعسكرية / أحمد علي اسماعيل علي .- مركز الشام للخدمات الطباعية: دمشق، 1998

3. لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات / عبد الستار الحلوجي .- دار الثقافة للنشر والتوزيع: القاهرة، 1991

4. من تاريخ المكتبات في البلدان العربية / خيال محمد مهدي الجواهري .- دمشق: وزارة الثقافة، 1992

5. ألف اختراع واختراع = 1001 Invention / سليم الحسني .- ط2: طبعة عربية (ط1: اللغة الإنجليزية، 2006).- لندن: مؤسس العلوم والتكنولوجيا، مانشستير: جامعة مانشستر، 2006.- أبو ظبي: أبو ظبي للإعلام ، 2011

6. لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات / عبد اللطيف الصوفي .- دار طلاس للطباعة والترجمة: الجزائر، 1987

7. المكتبات حول العالم: تاريخها وتطورها حتى مطلع القرن العشرين/ محمد ماهر حمادة.-الرياض: دار العلوم، 1981

8. دُور الكتب العربية العامة وشبه العامة لبلاد العراق والشام ومصر في العصر الوسيط/ يوسف العش، ترجمة نزار أباظة ومحمد صباغ .- دار الفكر المعاصر: بيروت، دار الفكر: دمشق، 1991