الطب > فيروس كورونا COVID-19

هالعيد، لأنك بتحبها خليك بعيد 3

طالما وقفَ البشر أمام لحظة الإنجاب وأضواء أعينهم الفضولية تتموّج بالبريق المشاكس للدهشة والفرح.. وقد بَنت عقولُهم الأولى طقسًا أسطوريًّا عجائبيًّا يرسّخ الولادة رمزًا حيًّا للربيع والحياة والتجدد والخصب وانكشاف الغمة وشكر الآلهة -على اختلاف المعتقدات- بالاحتفال والتمجيد وتقديم النذور..

ومضت كثيرٌ من أساطير الخلق في تبنّي فكرة الكون المولود من رحم الأنثى.. في محاكاةٍ عَوديّةٍ لهذه اللحظة الفاتنة.. فكانت الإلهة-الأنثى واهبة الخصب والحياة والجمال عنصرًا أصيلًا في الثقافات الإنسانية المتنوعة وهي ما تزال تتمظهر اليوم في أشكال الفكر البشري وفنونه المختلفة على الرغم من تغيّر الأزمنة والمعارف.. فأسطورة الأنثى التي تمنح الحياة بالولادة المُنتظَرة هي ركنٌ مستدام في النص البشري..

فلا غرابةَ إذًا أن يقف الإنسان أمام الأم-الأنثى الواهبة موقفًا طقسيًّا يؤدي فيه كل تمتماتِ الحب وترانيم الشكر وينقش فوق جدران معابدها طلاسم الـ"ما لا ينقال"، ولا غرابة أن يكون يوم الأم في بلداننا متزامنًا مع أعياد النوروز الساحرة التي تمثل شكلًا من أشكال الاحتفال العريقة ابتهاجًا بالربيع، لا غرابة أن يكون عيدها عيدًا لاستحضار الأغاني والعطور واللمسات المسافرة في الذاكرة واستحضار فلسفة اللقاء والبقاء الإنسانيَّين أيضًا.. 

في حضرة الأمّ.. نعيد التأكيد على التحيّز للإنسان الخلّاق في كل مشهدٍ يكرّس ثقافة العطاء والتعاون والبذل.. مذكّرين بضرورة دعم الأنثى عمومًا وصون حقوقها كافّةً ووقف كل أفعال التمييز الجائرة أو القاصرة ضدها وبخاصة تلك التي تحصر دورها في الإنجاب والتربية وأعمال المنزل.. في حين أنّ الحركة الفاعلة للإنسان في مستوياتها كلّها تتعدى ذلك نحو آفاق الإبداع المعرفي والعملي والاجتماعي و….   

ومما لا شك فيه أنَّ أوضاع العالم الصحية اليوم تقتضي منّا أن نحارب آلام المرض وأوجاع الفقد التي يسببها فيروس كورونا المستجد الذي ما يزال يجوب العالم، وأن نهَبَ العطاءَ مفهومًا طارئًا يتجسّد في الانكفاء والتباعد والتزام المنازل وإيقاف التزاور والتجمّع.. وأن نرسلَ رسالة تحذيرية مهمّة لكل الأمهات اللاتي يغفلن عن واجباتهنَّ أيضًا كي يكنَّ أكثر وعيًا وحرصًا، وبخاصّةٍ في احتضان أبنائهنّ في المنزل والانتباه إلى نظافتهم ومراقبة صحتهم، وأن يرتقين إلى المدلولات السامية التي تحملها تجليّات الأمومة الحقة..

ونحن نهنئ الأمهات بعيدهنَّ ونرجو لهنَّ كل الصحة والعافية والسعادة نعيدُ التذكير بأفعال الوقاية والنظافة وإلغاء الاجتماعات والتحلّق حول الأم، ومراعاة المحاذير الطبية في الهدايا، والانتباه لكل نشرات التوعية.. فليكن كلٌّ منكم أمًّا في أسلوب تفكيره وتعاطيه العاطفي، وليبتعِد عن الاستهتار بهذه الجائحة الخطيرة وينأَ عن التصرفات الأنانية اللامسؤولة.. فنحن اليوم نقف جميعًا في اختبار حقيقي لإنسانيّتنا ليس لنا فيه إلا أن نسند بعضنا بعضًا ونقول: تباعدوا كي تلتقوا مجدّدًا!        

وفي حضرة الأمّ.. التي تزيد على حدود المعاني والقيم الجليلة التي يمكن إدراكها.. في حضرة الأم.. التي تعلق في أذُنِ الجمال هدهدةً أزليّة تنوسُ فوق أسرَّتنا مدى العمر.. في حضرة الأم.. حاضرةً كانت أم غائبةً.. قريبةً كانت أم بعيدة.. تتهاوى اللغات والصور والأفكار في وديان المستحيل.. وتفرُّ الأبجديات المتوهّمة والممكنة في صحارى اللاممكن.. لذا نستعير من مواقف النفّري ومخاطباته تعابيرَه الصوفية ونتصرَّف فيها ونضعها أمام الأنوثة الواهبة التي تحبُّ بلا شروط؛ ونقول لها:

"إذا كان الحرف يعجزُ أن يعبّرَ عن نفسه؛ فكيف يعبّر عنكِ؟!"