الطب > فيروس كورونا COVID-19

أصول فيروس SARS-CoV-2

بعد أن كثرت النظريات والتكهنات عن منشأ فيروسات الكورونا والعوامل المُساعدة على ظهورها؛ اعتمدت مجموعة من الباحثين الأمريكيين على البيانات الجينومية المتعلّقة بِـفيروس (SARS-CoV-2) لتدعم بعض هذه النظريات وتدحض بعضها الآخر (1). فقد أظهرت سَلْسَلةُ جينوم الفيروس خاصتَين مهمتَين:

1.      معدل طفرات عالي في الموقع الرابط للمستقبل من الفيروس (RBD):

الموقع الرابط للمستقبل: هو جزء الفيروس المسؤول عن تمييز مُستقبِلٍ محدد لدى الخلايا المضيفة والارتباط بها بوصفه خطوة أولى قبل دخول تلك الخلايا (2)، وأظهرت التجارب الكيميائية الحيوية والدراسات البنيوية أنَّ هذا الموقع لدى الفيروس شديدُ الألفة لمستقبلات خلايا الإنسان والقطط والنموس وأنواع أخرى، إلا أن الدراسات الحاسوبية تشير إلى أنَّ الارتباطَ غير مثالي وأنَّ تسلسل هذا الموقع مختلفٌ عن التسلسل الملائم للارتباط التام بالمستقبل؛ وهذا يعني أنَّ الارتباط القوي الذي أحدثه الفيروس كان جرَّاء الاصطفاء الطبيعي للمستقبلات البشرية أو المشابهة للبشرية التي وجدت وسيلة أخرى لإحداث ارتباط مثالي مع الفيروس، وليس نتيجة تعديل بشري مقصود (1).

2.      موقع شطر بروتين الفيورين:

يسمح هذا الموقع لأنزيم "الفورين" وعدد من أنزيمات البروتياز الأخرى بالعمل على نحو فعّال، وأهمية ذلك أنه يساعد على تحديد قدرة الفيروس على إصابة الخلايا، ويساعد على تحديد طيف المضيفين أيضًا. وإضافة إلى ذلك؛ يتسبب الشطر الفعال للبروتين في فيروس الـ (MERS-CoV) في انتقاله من الخفاش إلى الإنسان. وقد لوحظ تأثير هذا الموقع مسبقًا في الانتشار الواسع لإنفلونزا الطيور بعد تواجده في بروتين الهيماغلوتينين.(3) 

لذا يقترح الباحثون اثنين من السيناريوهات لتفسير أصول الفيروس:

الأول: الاصطفاء الطبيعي في مضيف حيواني قبل الانتقال:

اشتُبِهَ بالخفافيش بوصفها مضيفًا لأسلاف الفيروس بعد ملاحظة الشبه الكبير بينه وبين فيروس الـ (SARS-CoV-like coronaviruses) الخفاشي، ففيروس (RaTG13) المشاهَد في خفافيش (Rhinolophus affinis) مطابقٌ بنسبة 96% لفيروس الـ (SARS-CoV-2)، ولكن بروتين الحسكة (spike) الخاص به ذو تسلسلٍ مختلف، ولذلك يصعبُ ارتباطُه بمستقبلٍ عند خلايا البشر، وقد ظهر أنَّ فيروسات كورونا التي تصيب حيوان البنغول تبدي تشابهًا كبيرًا مع فيروس (SARS-CoV-2) في منطقة الارتباط بالمستقبل. ومنه نستنتج أنَّ بروتين (spike) قد اتخذ هيئةً أمثل ليرتبط بالمستقبلات البشرية نتيجةً لاصطفاءٍ طبيعي ليس إلَّا.

وعلى الرغم من عدم إيجاد فيروس كوروني حيواني يمثلُ سلفًا مباشرًا للـ (SARS-CoV-2) فإنَّ معدل الطفرات والإدخالات والحذف العالي بين أجزاء الـ (spike) يجعل موقع الشطر المتعددِ الأسس أمرًا واردًا جدًّا بفعل التطور الطبيعي في السلالات الخفاشية. 

الثاني: الاصطفاء الطبيعي في البشر بعد الانتقال من مصدر حيواني:

تمتلك جميع الجينومات الفيروسية المُسلسلة إلى الآن الخواصَّ الجينومية المذكورة أعلاه؛ أي تنحدرُ من سلف مشترك، ويفترِضُ هذا السيناريو فترةً زمنية من الانتقالات غير المعروفة بين البشر من مصدر حيواني بدئي واكتساب موقع الشطر فيما بعد. وتظهرُ الفرصة الكافية في حال وقوع كثيرٍ من الأحداث التي أدَّت إلى سلسلة من الانتقالات إنسان-إنسان على مدى طويل. وللتحقق ممَّا سبق؛ لا بد من إجراء دراسات مصلية قهقرية (أي رجوعًا بالزمن) ودراسات مصلية للحالات الراهنة لتحديد مدى الإصابة قبل البشرية.

ويؤكد العلماء أنَّ العمل على إنتاج الفيروسات في الزجاج أو بالاستعانة بالحيوانات أمرٌ بعيدٌ وغيرُ متوقع، لأنه يتطلب عزلًا مسبقًا لطليعة فيروس ذي تشابه عالي مع الـ (SARS-CoV-2) وهو أمر لم يُتوصَّلْ إليه بعد، ثمَّ إنَّ إدخال موقع الشطر فرضيًّا يتطلب المرور المطوَّل بالمزارع الخلوية والحيوانات ذات المستقبلات العاليةِ الشبه بالمستقبلات البشرية، ولا توجد أدنى أدلّة أو مؤشرات على  تجارب من هذا القبيل؛ ولا سيَّما أنَّ افتعال الإضافات كالـ (O-linked glycans) مثلًا لا تحتاج مزارع خلوية فقط بل تدخلَ الجهاز المناعي (1).

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا