كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية (حرب الكلب الثانية): رؤية استشرافية للمستقبل القريب

لطالما أبدع الكُتَّاب في رسم صور عديدة للمستقبل، فمنها ما جاور الصواب ومنها ما ابتعد عن ذلك الهدف، وذلك عن طريق تجسيد مكانة مهمة للأدب في مسيرة الخيال العلمي تحت عنوان الاستشراف الذي ينص على التنبؤ بسمات المستقبل وعرض أنموذج كامل عن التصور القائم حيال هذا التنبؤ، بالإضافة إلى تأدية دور أساسي في إبراز الجوانب المختلفة لآثار التقدُّم سواء السلبية منها أم الإيجابية.

ومن ضمن أولئك الكتَّاب برز الروائي والشاعر الأردني (إبراهيم نصرالله) عن طريق عناوينه الأدبية الوافرة؛ كالسلسلة الروائية (ملهاة فلسطين) ورواية (براري الحمى) التي عدَّتها صحيفة الغارديان البريطانية من أهم عشرة كتب كتبها العرب(1)، وصولًا إلى رواية (حرب الكلب الثانية) والتي فازت بجائزة البوكر للرواية العربية لعام 2018(2).

 ليكون الخيال العلمي بذلك -المادة الخامة للرواية- منطلقًا ممَّا يحتويه عصرنا انطلاقًا أكثر تقدمية من ناحية، وأكثر تشكيلًا لصور جديدة كليًّا من ناحية أخرى، علاوةً على الاهتمام البالغ بالجانب النفسي والاجتماعي للفرد والمجتمع البشري عارضًا الكاتب عن طريق ذلك نظرته الخاصة عن الحرب البشرية القادمة، ومركِّزًا على عرض المعاناة البشرية ولاسيما الفردية منها.

وقد تطرَّق إلى كيفية تغيُّر مفاهيم العدالة والفضيلة مضيفًا إلى ذلك الجوانب المخيفة التي يمكن أن تخلقها التكنولوجيا المتقدمة للإنسان حتى في صور الاستخدام التي لا يُحسب لها مخارج كارثية، وبأنَّ النفس البشرية -بغض النظر عن خصوصية المكان والزمان الذي تُعايشه- محكومة بتكرار الأخطاء التاريخية مع اختلاف الأوجه والطرائق .

وقد شكلت الرواية مادةً عملية حية لنظريات الكاتب عن طريق طرح سياق عام مع أمثلة عديدة وحالات تجسِّد هواجس الراوي؛ كأساليب الجشع والظلم، وتطور تقنيات قوات الجيش، وتقلُّص الاختلاف فيما بين البشر إلى حد يهدِّد وجودهم، وهي النقطة التي اهتم بها الكاتب اهتمامًا خاصًّا ليبرز أهمية الاختلاف والتنوع فيما بين البشر.

بالإضافة إلى أنَّ لحركات الثورة والأنظمة الديكتاتورية والمبادئ القابعة خلفها نصيبٌ من الشرح في الرواية؛ إذ إنَّ الكاتب كان قد سخَّر شخصية البطل لتحمل سمات الثوريين.

وقد وظَّف (إبراهيم نصرالله) الصراع النفسي للبطل لتقديم هذا التحوُّل، وهكذا إلى أن يبدأ البطل بالانسلاخ عن تلك المبادئ والتحوُّل إلى نسخة مطابقة لصفات السلطة الديداكتورية، فيكون بها مشاركًا في عملية قمع أصحاب تلك الصيحات الثورية التي عانى بسببها سابقًا.

ويتناول العمل أيضًا توقُّع شكل الحرب القادمة، والاتجاه لوصف سلسلة عديدة من الحروب الماضية برؤية فلسفية؛ ليعرض للقارئ شريطًا موجزًا عن الكوارث البشرية التي كانت قد ارتُكِبت بمقارنة صغر أسبابها والغاية من حدوثها وبين نتائجها المدمرة.

"أن القوميين الذين بالغوا في قوميتهم قد تحولوا إلى فاشين، وإن لم يتحولوا، صاروا نقيضًا للمبادئ التي يدافعون عنها دون أن يدروا، فإذا كانوا ديمقراطين متشددين يصبحون طغاة لفرط دفاعهم عن الديمقراطية، حين يبدأون بتانسي جوهرها دفاعًا عن تشددهم، ودفاعًا عن بقائهم مدافعين عنها، وإذا كانوا مع المساواة والرحمة يصبحون سفاحين، لأنهم يريدون تحقيق هذه المساواة وتلك الرحمة بأي وسيلة، حتى لو كان الثمن إفناء أنفسهم قبل إفناء الآخرين لكي تتحقق مساواتهم ورحمتهم، وبالتالي يصبحون وجه العملة الآخر لتلك الفاشية، هم الذين يعتقدون أنهم لم يوجدوا إلا لمقاومتها".

ومن جهة أخرى، يُلاحظ خلو العمل الروائي من تجسيد أيَّة خصوصية ثقافية، فمع ذكر الشخصيات العربية وذكر استمرارية وجود الدول الأخرى؛ كبعض من الدول الأوروبية التي حافظت على اسمها، نجد غيابًا تامًّا لذكر أثر ثقافي محدَّد؛ وهذا يمثِّل دعامة تأكيد الكاتب على ما يتجه إليه المستقبل من تمازج ثقافي يصل إلى حد التطابق. 

وأما بالنسبة إلى أسلوب الكاتب، فقد كان سلسًا وبعيدًا عن أي حشو أو جزل وصعوبة، مع اعتماد أسلوب القفز فيما بين الأحداث بصورة ترفع من معدل التشويق في العمل الروائي، ويُضاف إليه تنوع الاستشهاد التاريخي جاعلًا من العمل منسجمًا فيما بين معدل الأحداث والأفكار، ومنتهيًا بخاتمة مفتوحة يترك بها للقارئ حرية التخيل.

معلومات الكتاب:

نصر الله، إبراهيم.(2016).حرب الكلب الثانية.(ط.1).بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون. عدد الصفحات:345

المصادر:

[1] هنا

[2] هنا