الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة اليونانية

أصل العالم عند اليونانيين (الأبيقورية؛ الجواهر الفردة)

كانت التغيرات المستمرة للطبيعة لافتةً لعقول الفلاسفة الإغريق؛ لذا تساءلوا عن التغيرات المرئية داخل الطبيعة لفهم أحداثها وتفسيرها محاولين صياغة بعض القوانين الطبيعية المُبرهنة دون الرجوع إلى الأساطير التي يعرفونها؛ أي بعيدًا عن جعل الآلهة والقوى الخارقة هي المسؤولة عن نمو النباتات أو حدوث الكوارث الطبيعية؛ على الرغم من اعتقادهم بوجود مادة أولية تعود إليها الأشياء الطبيعية جميعها؛ لكننا معنيون بطريقة تفكيرهم أكثر من مضمون هذا التفكير؛ فالأسئلة التي طرحوها والأجوبة التي أرادوا الوصول إليها ما زالت تهم الإنسان حتى الوقت الحاضر؛ وبذلك نقدِّم سلسلة أصل العالم عند اليونانيين.

تأسست المدرسة الأبيقورية (Epicureanism) عام 306 ق.م على يد أبيقور (Epicurus) قبل قرابة عام أو عامين من تأسيس زينونٍ الرواقيةَ، ويُعتقد أنه لم يظهر أي أحد بعد أبيقور ليضيف أو يُغير كثيرًا في المعتقدات التي وضعها مؤسس المدرسة، ويميز أبيقور ثلاثة أقسام في الفلسفة: العلم القانوني والطبيعة والأخلاق؛ إذ أهمل المنطق (علم القوانين) والرياضيات؛ لاعتقاده بأن الأول لا يحتوي على عناصر ذات أهمية والثانية لا جدوى منها لعدم ارتباطها مع الحياة، وتشبه المدرسة الأبيقورية في ذلك سقراط والسقراطيين في نفورها من كل علم لا يتصل بالأخلاق بقوله إن المعرفة لذات المعرفة ليست مطلوبة؛ فكانت الأخلاق عند الأبيقوريون محور الفلسفة وغايتها، لكن ومع ذلك تحدثوا في المنطق  للوصول إلى الطمأنينة العقلية التي تؤدي إلى السعادة، ولكنهم لم يحفلوا أبيقور بالمنطق العلمي وإنما وجه نظره لنقد المعرفة، والنظر في علامات الحقيقة (1،2).

والعالم عندهم يتكوّن من جواهر -ذرات- فردة وهي موجودة -على الرغم من أنها غير منظورة- في عدد لا متناهٍ وليست متجانسة؛ إذ تؤلف عوالم غير متناهية لكل عالم شكله وموجوداته لوقت ما ومن ثم يتبدل العالم بانتقال الجواهر من عالم إلى آخر، وتتحرك الجواهر في خلاء لا متناه بسبب الثقل في خط مستقيم من أعلى إلى أسفل وبسرعة واحدة مع اختلاف مقدارها؛ غير أنها تنحرف انحرافًا صغيرًا من تلقاء نفسها عن خط سقوطها لتتلاقى مع بعضها وتؤلف المركبات أي الأشياء (2،3).

ورأى أبيقور أن الأحياء أعقد المُرَكَبات نشأة متفقًا مع ما قاله أنبادوقليس وديموقريطس، أما النفس الإنسانية فتتألف مع الجسم وتنحل بانحلاله، ولها وظيفتان: إحداهما حيوية هي بث الحياة في الجسم، والأخرى وجدانية وهي الشعور والفكر والإرادة، وأما الآلهة فموجودون إما نتيجة فكرة سابقة في الإنسانية وإما لعدة أسباب أخرى أهمها أن لكل شيء ضدّاً يحقق المعادلة في الوجود، فلا بد من أن يقابل الوجود الفاني المتألم وجودًا دائمًا سعيدًا (2).

المصادر:

1- ستيس، والتر، 1984، تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة: مجاهد، مجاهد، طبعة 1953، القاهرة، دار الثقافة للنشر والتوزيع. ص 287-292.

2- كرم، يوسف، 2014، تاريخ الفلسفة اليونانية، القاهرة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. ص 257-265 

3- هنا